بين هروب رأس المال الخاص والاعتماد عليه!
استطاعت الورقة التقاط بعض مؤشرات التحسن هنا وهناك وفي مختلف مناطق البلاد لعام 2014 ومنتصف عام 2015، ورأت أن هذا التحسن وإن كان جزئياً ويشمل المناطق الآمنة فقط، إلا أنه تحسنٌ (ملحوظ).
لم تستطع الورقة حسم الجدل الحاصل حول معدلات التصدير وأهمتيها رغم وصفها للنشاط التصديري بـ(الملحوظ)، لا بل ثبتت وجود التباينات بين الجهات الحكومية وجهات مختلفة، حيث تحدثت الحكومة واتحاد المصدرين عن صادرات بقيمة 600 مليار ليرة سورية، بينما تقول مديرية الجمارك أن الرقم يبلغ 77 مليار، وهو ما أثار حفيظة وزارة الاقتصاد التي تسعى للترويج للسياسات الحكومية القائمة على فكرة (الإنتاج لأجل التصدير). وعلى هذا اقترح الباحث أنه و(بغية الوقوف على الوضع الأقرب للواقع فيما يتعلق بالصادرات الصناعية فإنه لابد من إيلاء الاهتمام المطلوب لموضوع تسعير الصادرات الصناعية خاصة في ضوء إعادة العمل بتعهد إعادة قطع التصدير وأسعار القطع الأجنبي وتقدير حركة التجارة الخارجية بين المنافذ الحدودية والحواجز).
ربما كان على الورقة التي توقفت جيداً عند استعراض مؤشرات صناعية هامة، إيلاء بعض الاهتمام لنقاش استراتيجية الحكومة في مجال الصناعة والقائمة على التصدير. لا سيما أن التحسن في هذا المجال لا يزال غير محسوم كمياً أو نوعياً، وتحديداً في ظل غياب عوامل أخرى أساسية لاستقرار الإنتاج الصناعي، كتقلبات سعر الصرف وارتفاع أسعار المازوت وغياب الكهرباء عن المدن الصناعية، بالإضافة إلى غياب الأمان عن معظم هذه المدن الصناعية والمنافذ الحدودية، وهو ما أكدته الورقة.
ما لم تتوقف عنده الورقة بنقاش جدي هو: أن التصدير لم يعد مرتبطاً بتدصير المنتجات وحسب بل بالسماح بتصدير (رأس المال)، فوفقاً للورقة فإن الحكومة تشرعن اليوم قانونياً (العودة لتصدير الآلات والتجهيزات والمعدات وخطوط الإنتاج المصنعة محلياً بقصد التصدير واستثنائها من أحكام المنع) والتي كانت قد منعته سابقاً. أي أن الورقة التي لم ربطت التحسن في الإنتاج بمجال التصدير، والتي انطلقت من خطورة تصدير الرساميل، كان عليها أن تقف جدياً عند خطورة السماح بتصدير الآلات والمعدات، فهذا شكل من أشكال تصدير رأس المال المتراكم تاريخياً، وهو يهدد أي تعافٍ في المجال الصناعي والاقتصادي.
كررت الورقة أيضاً بنداً من أهم ما تعكف عليه السياسات الحكومة حالياً وهو السماح لاستثمار القطاع بشكل عقود الـBOT ، أو تحويله لشركات مساهمة، وهو ما تسير وفقه السياسات الحكومية، وبذلك تتناقض مع الوقائع التي تتحدث عنها، ففي ظل هروب الرساميل ينبغي التركيز على دور القطاع العام كمنتج مباشر لا كمشرف ومالك شكلياً، وذلك فيما لو أردنا النهوض بالقطاع الصناعي في ظل الأزمة جدياً.
لقد سعت الورقة لصياغة شروط مثلى لعودة الإنتاج الصناعي، يكون أساسه الحل السياسي ليعم الأمن كشرط النمو الصناعي، وهذا صحيح، إلا أن هذه الورقة التي سعت لقول كل شيء، انحازت لاستراتيجية صناعية يكون فيها القطاع الخاص الصناعي مطلق اليدين، أما القطاع العام والذي تحدثت الورقة أيضاً عن ضرورة الاهتمام به إلا أنه سيظل تحت رحمة استثمارات الـBOT وغيرها من أشكال الخصخصة، وفقاً للورقة، بينما سيحظى القطاع الخاص بكل عوامل الجذب بما فيها السماح له بتصدير رساميله والتي نعاني من آثارها الآن، وبما فيها اعتماده على التصدير المبدأ الذي يعاني الكثير من المشاكل بدءاً من استحالة الاعتماد عليه في ظل الأزمة، وصولاً إلى مشاكله الكبيرة في اعتماده على الأجور المنخفضة وخطورة هيكلة الاقتصاد وتكييفه مع أسواق التصدير التي تشهد تجارتها ركوداً عالمياً.