(الدول المعادية تستهدف اقتصادنا).. انتباه متأخر!

(الدول المعادية تستهدف اقتصادنا).. انتباه متأخر!

وفقاً لما نقلته إحدى الصحف السورية بتاريخ 3/9/2015، عن وزير الاقتصاد الدكتور همام الجزائري أنه : (بيّن أن الإشكالية التي تواجه الاقتصاد السوري هذا العام هي انتباه الدول المعادية لسورية إلى تحسن نمو الاقتصاد، وعملهم على إعاقة استمراره وعرقلة التعافي، وهذا ما تم تحقيقه في بعض قطاعات الإنتاج، وذلك عن طريق زيادة وتيرة الحصار الاقتصادي، وبدء حرب إضافية أصبح المحور الاقتصادي أساسياً فيها، تجلى ذلك في إغلاق المعابر واصفاً إياه بالإغلاق السياسي، مثل إغلاق معبري التنف ونصيب. ما أدى إلى خلق أثر سلبي مباشر على السوق وعلى المنتجين، إضافة إلى التأثير السلبي على تطور الإنتاج لأن معظم صادراتنا برية)!

يبدو أن الوزير هو الذي تنبه مؤخراً إلى أن الغرب يحاصرنا بعد أن فاته أننا دولة تتعرض لحصار اقتصادي منذ ثمانينات القرن الماضي، أي أن استهدافنا في المجال الاقتصادي، والذي لا يعد الحصار أداته الوحيدة، ليس جديداً علينا، وليس به أية إضافة نوعية سوى الإمعان بسياسات ليبرالية يدافع عنها الوزير نفسه، فجبهتنا الاقتصادية إن صح التعبير مخترقة بسياسات اللبرلة منذ ما قبل انفجار الأزمة، ومعرضة للهجوم المكشوف منذ بدء فرض العقوبات الدولية في خريف عام 2011. 

ماذا عن سياسة الإنتاج للتصدير؟!

لقد استهجنّا في جريدة قاسيون مراراً حديث الحكومة عن سياسة (الاعتماد على التصدير لتحفيز الإنتاج) في ظل الأزمة منذ أن بدأ التحدث عنها في أيلول من العام الماضي على لسان الوزير نفسه، وحينها أكدنا أن الاعتماد على التصدير في ظل الحصار والهجوم على المعابر وصعوبة القدرة على تأمين استقرار الإنتاج والمنافسة في الأسواق المجاورة، هو قبض للريح، ومحاولة للهروب من الاعتماد على الطلب الداخلي، أي على توسيع قدرة المواطنين على الاستهلاك كوسيلة لتحفيز الإنتاج بدل الارتهان للخارج، عداك عن كون (سياسة الاعتماد على التصدير) متناقضة مع وضع التجارة الدولية التي تغط في ركود طويل.

(اللاجئون سبب لرفع الدولار)!

وفقاً لما جاء في الصحيفة فلم يكتف الجزائري بهذا الحد من الالتفاف على تدهور الوضع الاقتصادي لحدود جعلت الغضب الشعبي يتراكم بأشكال شتى، بل نُقل عنه، أنه وفي معرض استعراضه لأسباب تدهور الليرة، حديثه عن ارتفاع الطلب على الدولار لأسباب شتى، أحدها طلب الدولار من قبل اللاجئين، وهو ما قد يُفهم منه أنه تحميل للمواطنين السوريين الذين دفعتهم ظروف الحرب إلى الهجرة، شيئاً من مسؤولية تدهور سعر الصرف!.

بداية علينا أن نوضح لجميع من يخطر بباله الترويج لمثل هذه الفكرة أن هؤلاء لم يهاجرو ترفاً، فهؤلاء هجّرتهم ظروف الحرب الدامية، ولا يمكن المقارنة من الناحية الاقتصادية بين مستوى ونوعية الطلب الذي ولدته حاجات هؤلاء للدولار ومستويات طلب ونوعية قطاع الاستيراد، أو إدخار أصحاب كبرى الرساميل، أو الصيرفة، فمع الاستمرار بتحرير مفاصل الاقتصاد يستمر تصدير الرساميل للخارج مدفوعة بقدرتها على التحويل من ليرة سورية إلى دولار، ناهيك عن التوسع في تجارة العملة داخلياً تجاه المضاربة وليس المبادلة بقيم حقيقية، وعلى ذلك تُغدق دولارات المركزي على كبار التجار والصيارفة، بينما يُعد ما يصل منها إلى المواطن البسيط شيئاً قليلاً نسبياً. وإذا كان الأمر كذلك، ومن باب الموضوعية، فلماذا تسمح وتشرعن إجراءات الحكومة والمصرف المركزي بيع الدولار حتى اللحظة ولأغراض كثيرة لا علاقة لها بالنشاط التجاري؟! أليست السياسات التي تنفذها الحكومة (كرمى لعيون) كبار أصحاب رؤوس الأموال هي المسؤولة عن عمليات البيع هذه إذاً؟! 

تجار المازوت والدولار للذكرى!

ربما كان على سيادة الوزير ومن أصر على التركيز إعلامياً على مثل هذه الأسباب دون غيرها، وفي سياق الاستعراض الموضوعي أن يتذكروا اللقاء الإعلامي الشهير للوزير نفسه قبل عام حين أعلن في إحدى القنوات السورية السماح لتجار القطاع الخاص باستيراد مادة المازوت، وحينها سُئل الوزير نفسه عن مصادر تمويل هؤلاء التجار بالقطع الأجنبي ومخاطر إمكانية أن يشكل طلبهم للدولار لأجل الاستيراد ضغطاً على سوق الدولار، وكان جواب الوزير موارباً، فاكتفى بالقول بأن الحكومة ستدرس السبل الأمثل للتمويل، ولاحقاً عندما تدهورت الليرة في ربيع هذا العام خرج المصرف المركزي والحكومة ليتهموا تجار المازوت بتشكيل طلب عال على الدولار، ما أدى إلى ارتفاع أسعاره ومزيد من تدهور سعر الليرة ومعيشة المواطنين. وقد أثبتت التجربة أن أي طلب عال للدولار تقابله الحكومة بمزيد من الإغداق خاصة إذا كان لأصحاب كبار رؤوس الأموال!  

لم تتوقف تلك التصريحات عند هذا الحد، بل أضافت ووفق الصحيفة أيضاً، أن رؤية الوزير في تحقيق مزيد من الموراد الإضافية للدولة تقوم على (الضرائب التي علينا فرضها على القطاع الخدمي الذي ما زال يعمل ويستمر رغم الظروف الصعبة)، وتردف الصحيفة أن الوزير (أشار إلى أن زيادة الموارد يمكن أن تتحقق من الضرائب والمستوردات إلا أن الأمر يحتاج إلى وقت لتحصيلها). فما الذي يمكن فهمه من هذه العبارات؟ ألا يعني ذلك أن الحكومة ستستمر برفع تسعيرة خدماتها في الكهرباء والماء والاتصالات والتعامي في الوقت ذاته عن فرض ضرائب على المستوردات التي تجيء من الخارج وهناك إمكانية لإنتاجها بالداخل، ما يعزز ربح كبار التجار من المستوردين ويعفيهم من الضرائب؟ إذاً لا جديد لدى الحكومة على هذه الصعيد إلا وضع عنوان جديد لسياساتها ذاتها.

الإنفاق على الأمان  سبب تدهور المعيشة؟!

إن أزمة التبريرات الحكومة تتكثف عملياً بما نقلته الصحيفة عن إشارة الجزائري لـ(اعتماد برامج لإعادة تدوير الوفر المتحقق من إعادة هيكلة الدعم أو عقلنة الدعم لتحسين مستوى المعيشة المرتبط بالدرجة الأولى بتوفير الأمن والأمان) حيث يتم وضع حاجة الأمن والأمان كمبرر لمزيد من التقشف ورفع الأسعار، أي مزيد من تردي الوضع المعيشي لغرض تأمين حاجة الأمن! 

هل يُعقل أن يدفع الفقراء وحدهم فاتورة حاجتهم للأمان من الفتات الذي يملكون، بينما تحجب السياسات المطبقة موارد جمة يمكن توظيفها للحصول على الأمان كأموال كبار الفاسدين والضرائب على ثروات كبار أصحاب رؤوس الأموال، وأموال الخليج والغرب التي تستمر بالاستثمار في اقتصادنا رغم حصارها لنا. ألا يعني ذلك ابتزازاً لفقراء البلاد ومبازرة لهم على حاجاتهم الأساسية؟!

التبريرات نفسها التي تنقلها الصحيفة تتسم بالمزاودة على صمود الشعب السوري في وجه الغرب الإمبريالي، والملفت أنه وبعد أكثر من 4 سنوات على انفجار الأزمة ينقل عن الوزير القول أن: (شعار التنمية من أجل الدفاع يطرح نفسه حالياً)، فماذا كنا نعمل خلال السنوات الأربع الماضية إذاً؟! هل كنا نسعى لدولة الرفاه الاجتماعي في ظل الأزمة! وهل بات شعار التنمية من أجل الدفاع مبرر تدهور مستوى المعيشة بدل أن يكون وقف تدهور مستوى المعيشة نقطة الانطلاق لأي دفاعٍ عن الدولة والشعب! ألم تكن استراتيجية الاعتماد على التصدير في ظل كل هذه المخاطر، وتحرير أسعار المازوت، والسماح بخروج رؤوس الأموال، وإغداق الدولار للمضاربين والتجار والصيرفة هتكاً للدفاع والتنمية في آن معاً، وهي ثوابت في استراتيجية الحكومة التي دافع عنها الوزير وفق الصحيفة؟ وهل الفجوة بين مستوى الأجور الحالي والأسعار، التي لم يعمل مسؤول واحد على قياسها، يدل على مساع الحكومة لردم الفجوة الذي نقلته الصحيفة عن الوزير؟! 

أطلال الدردري!

الطامة الكبرى التي نُقلت عن السيد الوزير، والتي على أساسها من الممكن فهم منشأ السياسات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة هو التقييم الإيجابي للحقبة الاقتصادية السابقة واصفاً إياها بالتالي: (في نهاية عام 2010 وقفت سورية على عتبة الاقتصادات الصاعدة سريعة النمو، لكن جاءت الحرب لتوقف تقدمها)!

يتناسى هذا الحديث فجأة الإجماع شبه الكامل وبما فيه حديث رئيس الجمهورية في بداية الأزمة عن الدور الخطير للسياسات الاقتصادية والنموذج السابق في تفجير الأزمة، حيث أجمع الكل على أن ذلك النموذج أوصل البلاد إلى مستويات فقر وبطالة أسست للانفجار الحالي، وأن (النمو) الافتراضي لم يكن إلا نمواً لثروات كبار هوامير المال على حساب الفقراء، فعن أي نمو يتم الحديث؟! 

لم يعد الخطاب الرسمي المنقول عن لسان هذا الوزير نموذجاً، أو أي مسؤول رسمي آخر، يشفّ عن شيء سوى مصالح الناهشين في ثروات فقراء الشعب السوري، فهذا الخطاب لا ينطلق أصلاً من سياسات ترى في ضرورة تأمين صمود الشعب السوري أساس الانتصار، بل تؤمن إيماناً راسخاً بأن مصلحة رأس المال هي التي ينبغي الحفاظ عليها حتى الرمق الأخير، لآخر فقير من الشعب السوري، فعن أية تنمية ودفاع ومواجهة اقتصادية للأعداء يتحدث منفذوا سياسات اللبرلة التي يتباكون على أطلالها؟!