4 ثغرات في استراتيجيةتكيفّ الصناعة العامة مع الأزمة!

4 ثغرات في استراتيجيةتكيفّ الصناعة العامة مع الأزمة!

بتاريخ 27-8-2014 استلام حكومة رئيس الوزارء (الحلقي) الثانية، مهام إدارة شؤون البلاد في ظل الحرب.. ومرور عام تقريباً كان أحد حوافز وزارة الصناعة لعقد مؤتمر صحفي لوزيرها بتاريخ 8-8-2015، بالإضافة إلى عرض الاستراتيجية الصناعية للوزارة خلال مرحلة الأزمة ولما بعدها، لتتم مناقشتها.

 

خطوة الانفتاح على الصحافة من قبل الوزارة خطوة إيجابية، وبناء على الضرورات وعلى دعوتها لمناقشة الاستراتيجية، قاسيون تقدم قراءة لأربعة جوانب ضرورية غاب تبنيدها الواضح ضمن استراتيجية الصناعة حول القطاع العام الصناعي، وتحديداً لمرحلة (التكيف خلال الأزمة) والتي نرى أنها انعكاس لغياب القرار الاقتصادي باعتماد خطة: (اقتصاد حرب)، وبالقرار باستمرار سياسة الليبرالية والتقشف الإنفاقي. 

محرر الشؤون الاقتصادية

إذا ما انطلقنا من المحدد الأول للتكيف مع ظروف الأزمة الأمنية والعسكرية المضطربة، فإننا نستطيع القول بأن ضمان حماية واستمرار العملية الإنتاجية قدر الإمكان هو مهمة أولى. هذه المهمة ليست موضوعة في الاستراتيجية الجديدة كبند واضح، وعملياً لم تدخل قيد التنفيذ إلا بمقدار الدفاع عن المناطق التي تتواجد فيها المعامل، فغابت خطوات واقعية وضرورية لنقل الخطوط الإنتاجية الرئيسية بشكل مبكر، على الرغم من أن عمالاً ونقابيين وإداريين في شركات القطاع العام، كانوا قد دعوا إلى النقل المبكر للآلات ومحتويات المستودعات، وأبرز مثال على ذلك معمل تاميكو، وغيرها الكثير من المعامل في ريف دمشق ومناطق ساخنة أخرى، حيث كانت نتيجة التأخير في النقل، أن تم في بعض المعامل سحب جزء من الآلات بدافع من العمال، قابلها مكافآت بـ 3000 ل.س! وتمت عمليات التفكيك والنقل في اللحظات الأخيرة، مما أدى إلى استحالة نقل المعدات الهامة كافة، لتبقى رهناً للدمار.

وإلى اليوم تبقى الكثير من الآلات القابلة للنقل أو التصليح في تلك المعامل أو غيرها، تنتظر المبادرة من الوزارة أو الإدارات، وتأمين التعاون الأمني لتأمينها، وتأمين المكان الآمن لنقلها إليها!.

عملياً لا تتضمن استراتيجية وزارة الصناعة إلى اليوم، كما لم تتضمن سابقاً، وضع خطة نقل لكل ما أمكن من المعامل الموجودة في المناطق الخطرة، وتجميع صناعات القطاع العام وخطوط إنتاجه في تجمع كبير محمي ومؤمن!.. بينما تكرر الحديث عن نقل الصناعات إلى المناطق الآمنة في المنطقة الساحلية، وكان الحديث عن منشآت القطاع الخاص، التي انتقل جزء منها فقط.

صناعة وانقطاع كهرباء..

ثنائية مستحيلة!

لم تتضمن استراتيجية وزارة الصناعة، تجاوز العقبة الثانية الكبرى التي تواجه استمرار العمليات الإنتاجية وهي عملية تأمين الطاقة الكهربائية. فعلى الرغم من أن قطاع الكهرباء يواجه مشكلة عامة معروفة، إلا أن الاستهلاك الصناعي لشركات القطاع العام الصناعي، يعتبر أولوية كان من المفترض أن يتم التعامل معها بكل مسؤولية ومرونة، لأنها العتبة التي تحدد إلى حد بعيد استمرار وجدوى العملية الإنتاجية، ودونها فإن الشركات التي تنقل آلاتها، وتستعد للإنتاج في مناطق آمنة، لن تستطيع أن تحقق الجدوى المطلوبة، بل ستسجل خسائراً وارتفاعاً في الكلف، حتى أن تأثير انقطاعات الكهرباء على الآلات يعتبر عنصراً حاسماً في عمر الآلة وإنتاجيتها، وتحديداً في الصناعات النسيجية، التي توضع في مقدمة استراتيجية الوزارة!.

فأن لا تتضمن استراتيجية وزارة الصناعة عنواناً عريضاً، لتوصيف انقطاع الكهرباء كمشكلة رئيسية واجبة الحل بطريقة عملية وغير تقليدية، هو ثغرة تسجل على خطة مرحلة الأزمة والتكيف!.

بلغت قيمة الأضرار المادية غير المباشرة أي الناجمة عن توقف الإنتاج بشكل تام، أو تعطيله وتباطؤه بسبب الكهرباء: 218 مليار ل.س، في القطاع العام الصناعي، وهو أكبر بـ 1,5 مرة من الأضرار المادية المباشرة الناجمة عن الدمار!. 

المخصصات وطرق التمويل والمرونة!

لم تذكر استراتيجية الوزارة مشاكل تأمين المواد الأولية ومستلزمات الصناعة، واستراتيجيات، وخطوات حلها. وهي المتمثلة بطبيعة الحال بظروف العقوبات بالدرجة الأولى، وبسياسة التقشف الحكومية العامة التي لم تخصص للاستثمار في الصناعة العامة إلا 1,4 مليار ل.س من أصل 1550 مليار ل.س تقريباً، أي 1 بالألف من الموازنة العامة!. وعلى الرغم من هذه المخصصات الضئيلة، فإن الوزارة التي أعلنت في بداية عام 2015 عن طرق توزيع مخصصاتها على المؤسسات الصناعية، وعلى مشاريع محددة، لم تر في تأخر دخول أي من هذه المشاريع حيز التنفيذ حتى انقضاء الشهر الثامن من العام، أي مشكلة تتطلب البحث، في الإجراءات العملية المطلوبة لتسريع معدلات إقلاع العمل في المشاريع التي وضعت لها مخصصات مالية بالليرة السورية تفقد قيمتها مع كل يوم تأخير، ومع كل تباطؤ في العمليات الإنتاجية!.

وبرأينا أن أهم العوامل هو عدم إعطاء المرونة الكافية للمعامل والإدارات في تسيير عملياتها الإنتاجية، وتقييدها في عمليات الشراء وتأمين المستلزمات بموافقات المؤسسة التي تتبع لها، والتي بدورها ترتبط بموافقة الوزارة، بالإضافة إلى المشكلة الرئيسية المتمثلة بالاعتماد على طريقة العروض والمناقصات لتأمين المستلزمات المستوردة تحديداً عن طريق التجار، الذين يحجمون عن التقدم في الظروف الحالية، ما يترتب عليه الكثير من التأخير، وأبرز الأمثلة: آلات لمعمل القوالب أحد العناوين الفرعية في استراتيجية الوزارة، والذي تأخر حوالي السنة لتأمينه، بسبب تأخر تقديم العروض بحسب الوزارة، وبسبب عدم تقدم التجار بحسب إدارات المعمل! ولماذا لم توجد آلية سريعة لتأمين عملية استيراد المستلزمات الصناعية الضرورية عبر الشراء المباشر، ومن الدول التي لا تلتزم بالعقوبات، ولماذا لا يخصص القطع الأجنبي إلا لشركة واحدة من شركات القطاع العام الصناعي، وهي الكابلات، بحسب جهات نقابية، ولبضعة جهات أخرى بحسب الوزارة!. بينما القطع الأجنبي يخصص لتمويل مستوردات التجار بمقادير تبلغ 10 مليون دولار يومياً بحسب آخر تصريحات المصرف المركزي عن وسطي تمويل المستوردات اليومي!.

إن وضع آلية مرنة لتأمين سريع لحاجات القطاع العام الصناعي، عن طريق إعطاء الإدارات المرونة، وزيادة مخصصات الاستثمار اكثر من 1 بالألف من الموازنة! يجب أن يكون واحداً من بنود استراتيجية الوزارة للتكيف مع الظروف الحالية.

نقص العمالة.. أم فائضها؟!

إن المصطلح الدارج في توصيف عمالة القطاع العام اعتبارها: (عمالة فائضة)، سواء قبل الأزمة أو خلالها، وينطلق توصيف هذا المفهوم خلال الأزمة على أن فائض العمالة ناجم عن توقف خطوط إنتاج هؤلاء العمال، أو معاملهم بالكامل نتيجة التدمير الذي جرى ويجري، وبالتالي فإن هؤلاء العمال لا يتحملون المسؤولية بطبيعة الحال، بل يجب أن يتم إيجاد أماكن تشغيل وعمل لهم، بحسب وزير الصناعة، وبناء عليه فإن إحدى نقاط الاستراتيجية الموضوعة هي: (إعادة توزيع العمالة الفائضة والناجمة عن التدمير الكلي لعدد الشركات الصناعية التابعة والتي لا يتوقع تشغيلها خلال السنوات الخمس القادمة، حيث تزيد رواتب هذه الشركات من أعباء الوزارة وترهق ميزانيتها، والسعي لنقلهم إلى وزارات أخرى للاستفادة منهم في أعمال تناسب كفاءاتهم مع الحفاظ التام على حقوق هذه العمالة). 

المفارقة تكمن في أن إدارات المعامل لها رؤية أخرى بموضوع العمالة، فهي تضع مشكلة (نقص العمالة)، مقابل (فائض العمالة) فالمعامل تعاني من نزيف حاد في العمالة الفعالة والمنتجة، وفي العنصر الشاب المجدد، وهذا النقص يذهب إلى حد إعاقة التصدي لأعمال ومهمات جديدة، وليس تطوير العمل فقط!.

أن تتجاهل الوزارة مشكلة نقص العمال في الكثير من المواضع الفنية الضرورية، ونزيف الخبرات، وعدم تجديدها، وتركز بالمقابل على وجود أعداد فعلية من العمال الذين فقدوا مجال نشاطهم، هي رؤية أحادية، ويجب أن يتم التعامل مع المشكلة من جانبيها.

على الوزارة أن تقيمّ مشاكل واقع العمالة من كل الجوانب وليس فقط من جانب العمالة الفائضة، أي عليها أن تفكر بمشكلة جدية هي نقص العمالة الشابة، وتوقف تعويض كل العمال من فنيين وأصحاب خبرة طويلة بعمالة جديدة متدربة، والوقوف جدياً عند صعوبة قيام العمال الكبار بالسن بالتكيف مع أنواع جديدة من الأعمال الإنتاجية في المنشآت التي يتم نقلهم إليها!، كأن يتم نقل عمال عمرهم 50 عاماً ليعملوا في صناعة السجاد وعلى أنواله! فإن العملية لم تثبت أية جدوى. 

فلماذا تركز الوزارة على جانب واحد من مشكلة العمالة، وهو وجود رواتب فائضة بالقياس إلى الإنتاج المتراجع، دون أن تنظر إلى أن عدم تجديد وإحياء العمالة في القطاع العام الصناعي، أو حتى تعويض خساراتها هو واحد من أهم أسباب عدم إقلاع الإنتاج جدياً؟!

المفارقة أن الوزارة توضح بأنه قد تم توفير رواتب ما يزيد عن 22856 عامل، كتلة رواتبهم 7,7 مليار ل.س، من وزارة الصناعة ومؤسساتها وشركاتها، فلماذا لا يعوض هؤلاء بعمالة جديدة في المواقع التي لا يمكن إعادة إحيائها دون خبرات شابة، حيث أن التعيين الأخير الذي تم في عام 1996 يشير إلى أن أحدث عمال القطاع العام الصناعي لديهم بالحد الأدنى قرابة 25 سنة خدمة، في الإنتاج الصناعي!.

الثغرات الأربع الرئيسية في عملية تكييف الصناعة العامة مع الحرب: نقل الصناعات وتأمينها، تزويدها بالطاقة الكهربائية، مرونة وسيولة لتأمين المستلزمات، وحل مشكلة نقص العمالة الخبيرة. حيث قد يؤدي غيابها عن استراتيجية وزارة الصناعة، أي عدم وضعها كمهمات أولى إلى تفريغ الاستراتيجية من محتواها على ما فيه من بعض تفاصيل هامة!.

أرقام:

1/1000

بلغ حجم الإنفاق الاستثماري على معامل القطاع العام الصناعي، الصناعة التحويلية 1,4 مليار ل.س، في موازنة 2015 البالغة 1550 مليار ل.س تقريباً. أي ان حصة الاستثمار الصناعي العام 1 بالألف تقريباً

× 1,5 

بلغت أضرار القطاع العام الصناعي غير المباشرة، أي الناتجة عن التوقف والتعطل وتراجع الإنتاج حوالي 218 مليون ل.س، بينما أضرار الدمار المباشر تبلغ 146 مليون ل.س، أي أضرار التعطل أكبر من أضرار الدمار بمرة ونصف.

-7,7

7,751 مليار ل.س الرواتب التي وفرتها وزارة الصناعة من العمال بحكم المستقيلين والمصروفين من الخدمة والمنقولين، وتعدادهم: 22856 

38614

تراجع عدد عمال القطاع العام الصناعي بين عامي 2000-2010 بمقدار 14% وبحجم: 15758 عامل خلال عشر سنوات، بينما خسر القطاع العام الصناعي 22856 عامل خلال سنوات الأزمة، ولم يتم تعويض مجموع هؤلاء العمال السابقين أو الحاليين، والبالغ 38614 بعمال جدد.

 

آخر تعديل على الإثنين, 17 آب/أغسطس 2015 17:01