عبّاد شمس: عابرو الحدود.. يفصّلون مهام الحرب الاقتصادية!
قد لا يعلم السوري المقيم في دمشق اليوم، ماذا يحصل في الحسكة بدقة، ولكنه يعلم تماماً أن الخبز الذي يأكله مرتبط بحقول هذه المحافظة البعيدة، وقد لا يستطيع مزارع الحسكة أن يتابع بدقة مجريات المعارك إلا في دائرته الضيقة، ولكنه يرتبط تماماً باستمرار وجود مركز حكومي يحتاج أقماحه ليستهلكها كل السوريين.
اليوم يُحصد قمح الجزيرة، ويبحث المزارعون عن طريقة تسويق منتجاتهم، مع اقتصار الحكومة على 3 مراكز استلام للقمح فقط، بعد أن كانت 44 مركزاً قبل الأزمة في الحسكة، وتحديدها سعر 61 ل.س للكغ، وهو قريب من التكلفة، ولا يغطي النقل. يستنكر منتجو القمح محقين: (لماذا يتركون قمحنا للتجار.. وخبز الآخرين للمستوردين؟!).
يتساءل مداخل من الحسكة في مجلس اتحاد العمال: (لماذا نعهّد نقل القمح المخزن في الحسكة للتجار لينقلوه إلى دمشق، أيعقل أن لا توجد طريقة أخرى؟!). فالقمح ينقل براً من طريق وحيد ليحصل المتعهدون، ومَن وراءهم على 83% من قيمته، وتحصل داعش على ربع القمح..
الحكومة والمعنيون بالرد يعتقدون أن لديهم (شمّاعة) أمنية واسعة تعلّق عليها كل المهمات المهملة، ليُقال: (الحسكة غير آمنة) إلا بمقدار 3 مراكز، والحكومة متقشفة و(هذا الموجود)!، والنقل (غير ممكن إلا بهذه الطريقة، أو نستورد!)..
فعلياً ليس مفاجئاً تدني مستوى الحرص الحكومي، على استلام القمح وإيقاف استيراده، وضمان مزارعيه، فخلال الأزمة لم توضع المهمات المرتبطة بوحدة البلاد اقتصادياً وضمان أمنها الغذائي أو الإنتاجي، أو الطاقي، كمهمات جدية أو أولوية، حيث لن يُستلم إلا نسبة قليلة من القمح، وسينقل بطرق تحقق تكاليف كبرى، وعوائد فساد وسمسرة، بينما قد تكون (طائرة للقمح) من القامشلي إلى دمشق أحد الحلول!.. وحُصر تسليم قطن الحسكة في حماة، لتُشغّل المعامل العامة قطن التجار القادرين على الوصول إلى مزارعين لا تصلهم الدولة، عوضاً عن الاستنفار لتأمين وصول القطن إلى المعامل العامة!. كما تننقل بضائع التجار بالطيران لتباع لأهل الدير المحاصرين، عوضاً عن مد جسر جوي إغاثي يقي السوريين من الجوع!. هذه أمثلة فقط على سياسة اقتصادية كاملة لم تولي المهمات الاقتصادية أهميتها ذات البعد الوطني، بل على العكس دأبت على إنهاء بقايا دور الدولة الاقتصادي والضامن لتجميع الموارد وتوزيعها بشكل مدعوم على السوريين، وهذا ما يتيح تجميع الموارد لدى قوى السوق وتحديداً السوداء منها، حيث أصبح عابرو المعارك والحدود، والقادرون على سبر أغوار داعش وغيرها، ملوك الطرق السورية ومفاتيح هامة في تأمين حاجات البلاد من نفط وقمح، وقطن، وغيرها، يشاركهم في (هذا الشرف) المستوردون من الخارج.
أما أصحاب القرار الاقتصادي، فلم يأخذوا مبادرة نوعية لمواجهة المهمات الاقتصادية الكبرى، التي على مستوى الحرب، إلا بالشكل الذي يضمن عوائد لسماسرة الحرب، والمستثمرين فيها، الذين تشكل زيادة التصعيد الأمني فرصتهم الذهبية المستمرة..