قمح الغاب تهاوي دخل الفلاحين والمزارعين وتحرير الأسعار!
زرع فلاحو ومزارعو الغاب ثلثي المساحات الزراعية في منطقتهم بالقمح، حيث صدرت معلومات عن وزارة الزراعة تقول: بأن مساحة 52 ألف هكتار زرعت بالقمح في المنطقة، بينما مجمل الأراضي الزراعية المستثمرة تبلغ 87 ألف هكتار.
يقدر إنتاج المساحات المزروعة بـ 200 ألف طن قمحاً، وفق وسطي الإنتاج في المنطقة البالغ 400 كغ قمحاً في الدونم، وهي تقارب نسبة 10% من حاجات البلاد الوسطية للقمح في ظروف ما قبل الأزمة.
فما الذي يقدم لمزارعي وفلاحي الغاب الذين يؤمنون في الظروف الحالية هذه النسبة من القمح، وما هي العائدات التي تعود عليهم، وما الذي يعيق توسيع هذه النسبة؟
قاسيون حصلت على معلومات عن كلف إنتاج دونم القمح من مزارعي الغاب، ووفق تقديراتهم الواقعية، وفي الظروف الحالية، والموسم الأخير، بالمقارنة مع عائدات المزارعين من سعر كغ القمح الذي تدفعه الدولة للمزارع، ليتوضح بأن الظروف الحالية تثبت مجدداً بأن كلف الزراعة المرتفعة، والمردود الضعيف للمزارع، هي واحدة من أهم المخاطر التي تهدد تجديد وتوسيع الإنتاج الزراعي عاماً بعد عام، ويعتبر العامل الأول والحاسم في تراجع الزراعة في المناطق التي لا تخضع لظروف أمنية قاهرة، والتي تستطيع أن تزود البلاد بمزيد من حاجاتها من القمح والغذاء في ظل الظروف القاهرة، التي تعاني منها مناطق الجزيرة السورية.
4800 ل.س للحيازة الصغيرة!
وزعت الأراضي في سهل الغاب في مرحلة الإصلاح الزراعي وفق وسطي 25 دونم للأسرة، ومع تعاقب جيلين من الورثة فإن وسطي الحيازة الصغيرة يصل إلى 4 دونم فقط لأسرة صغيرة، وهذه تحقق عائد 4800 ل.س فقط خلال عام زراعي كامل ممتد من تشرين الأول إلى حزيران!. أما أصحاب الحيازات الكبيرة والتي تبلغ 1000 دونم فإن عوائدهم تبلغ 1,2 مليون ل.س في الموسم.
الريع أفضل من الزراعة!
إن ريع الأرض في المنطقة يعتبر أعلى من العائد من زراعتها بالقمح، حيث يشير مزارعو الغاب إلى أن تأجير دونم الأرض يبلغ بالحد الأدنى 4000 ل.س، ويصل إلى 6000 ل.س. وهذا ما يدفع أصحاب الحيازات الصغيرة إلى تأجير أراضيهم لتتكدس العوائد لدى القادرين على استثمار مساحات كبيرة.
ضرورة رفع سعر الكغ إلى 67 ل.س
يرى المزارعون بأن العائد من الدونم يفترض أن يصل إلى 10 آلاف ل.س أي نسبة 60% من التكلفة، لتصبح زراعة القمح ذات جدوى، أي ينبغي رفع سعر كغ القمح المشترى من قبل الدولة إلى حدود 67-70 ل.س للكغ.
العائد لا يغطي ارتفاع التكاليف
العائد البالغ 1200 ل.س في الدونم لا يستطيع تغطية نسب ارتفاع كلف العملية الإنتاجية التي تزداد سنوياً خلال الأزمة، ولا يستطيع أن يغطي ارتفاع مستويات الأسعار العامة مقابل العوائد الثابتة بفعل السعر المدفوع من الدولة.
تخفيض كلف المازوت
إن عدم رفع سعر بيع كغ القمح يجب أن يقابله إعادة تخفيض تكاليف العملية الإنتاجية، لزيادة عائد المزارع وتحديداً صاحب الحيازة الصغيرة، وهذا ممكن من خلال تخفيض أسعار المازوت وإعادة دعمه، حيث يدخل مباشرة في كلفة عمليات: الفلاحة، والسلف والتنعيم، ورش الأدوية، وصولاً للحصاد، والنقل والتي تشكل نسبة 42% من التكلفة تقريباً، ويدخل بشكل غير مباشر في تكاليف العمليات الأخرى.
بحسب المزارعين، فإن مالكي الحصادات وجرارات الفلاحة يشترطون في بعض الحالات، أن يقوم المزارع بتأمين مادة المازوت لعمل الآليات، والتي لا يستطيع المزارعون تأمينها إلا بسعر السوق، وبأسعار مرتفعة في المنطقة عن أسعار المدن الكبرى، والمناطق الأكثر أمناً، مع عدم توفر المادة واحتكارها في السوق السوداء.
زراعات أخرى للسوق!
تشهد المنطقة تحول المزارعين من زراعة المحاصيل الاستراتيجية والقمح تحديداً، إلى زراعات أخرى أكثر جدوى للسوق، مثل الكمون، والحبة السوداء، وأعشاب خضراء، مثل البقدونس والشمرة، وغيرها، بينما لا يلتزم بالخطة الزراعية إلا مالكي المساحات الأكبر، حيث ترتفع الجدوى من العملية الزراعية، ويزداد العائد نسبياً. وهذا ينبه إلى خطر تراجع المساحات المزروعة بالقمح، والمزيد من تراجع الأمن الغذائي، في حال عدم تحقيق عائدٍ وافٍ للمزارعين.
تثبيت دخل المزارع
إن تثبيت أسعار القمح المشترى من المزارعين، يشبه تثبيت أجور العاملين، حيث تبقى عوائد الدخل الموزعة لأصحاب الأجور، وللمزارعين في الزراعات الاستراتيجية التي تعتبر الدولة الضامن الوحيد لتصريفها، ثابتة، بينما تزداد الكلف مع الارتفاعات المستمرة في مستويات الأسعار التي تساهم عمليات رفع الدعم عن المواد الأساسية الموزعة حكومياً في رفعها!.
إن الإهمال المستمر للقطاعات الإنتاجية كمحصول القمح الاستراتيجي يحمل مخاطر كارثية، فبتراجع محصول القمح تضطر الدولة لاستيراده ويستنزف الاحتياطي النقدي لذلك، كما تفقد الدولة جزءاً من أمنها الغذائي، ناهيك عن انعكاساتها الخطيرة على حياة الفلاحين في الأرياف الذين يهددهم هذا الإهمال بترك أعمالهم إلى كبار أصحاب الرساميل، أو تحولهم إلى عاطلين عن العمل مما يراكم حطباً جديداً لحريق أكبر.