ذرائع حكومية متناقضة.. ولكن السياسة (واضحة وهادفة)!
المتتبع للتصريحات الحكومية، حول المبررات المعلنة للسياسة الاقتصادية التصعيدية، قد يجد نفسه في حيرة، وسط تناقض كبير!
حيث تبدو سياسة الحكومة متناقضة لمن يريد أن يقرأها بناء على الذرائع الواهية المعلنة، فيرى أصحاب القرار يقلصون النفقات الاجتماعية والاقتصادية لأننا في حرب، وبالمقابل يستغنون عن إيرادات المال العام لصالح قوى السوق بأنواعها كأننا في زمن (وهم الازدهار والاستقرار الليبرالي) القائم على (سياسة دع الأغنياء يغتنون فهم قاطرة النمو)!.
فالحكومة التي قلصت الدعم الاجتماعي، وألغت جزءاً هاماً منه، طالبة من السوريين أن يتحملو التبعات، لأن (الحرب تتطلب تضحية)!، هي ذاتها التي تتعامل بتهاون شديد، مع مصادر ايراداتها الرئيسية أي الموارد العامة، فتقلص رسومها الجمركية، وتغير التعرفة لتسهل عمليات الاستيراد على المستوردين، وتسلم كبار قوى السوق إيرادات سنوية كبرى من خصخصة قطاعات سيادية كما حدث في الاتصالات، وتتجاوب (ببرود وثقة) مع السوق السوداء التي تضارب على قيمة الليرة السورية، لتضخ لها مئات ملايين الدولارات من إيرادات القطع الأجنبي، وتتبعها حتى (بيروت) كما في آخر مستجدات سياسة المصرف المركزي الأخيرة.
السياسات الحكومية ليست متناقضة، ولكن أي حكومة تمارس سياسة ليبرالية صرفة، كما تفعل حكومتنا، لا تستطيع أن تعلن النوايا الجدية من السياسة، فلا يستطيع أصحاب القرار أن يقولوا صراحة: (إننا نقدم التسهيلات للسوق، لأن السوق أصبحت تملك أهم موارد البلاد، ومَن يملك يحكم)!. بل عليها أن تضع مبررات مختلفة، فيُقال على سبيل المثال: (عقلنة الدعم، وإعادة توزيعه)، أو يعلن بأن (التعويضات المضافة للأجور،4000 ل.س، كافية!)، ويُقال أيضاً (أن الدولة لا زالت تنفق على التعليم والصحة وإلخ ...) بينما بعيداً عما يُقال ويُعلن، فإن ما يحصل هو ارتفاع سعر المواد والخدمات، التي يدفع أصحاب الأجور تكلفتها، بينما يسمح للسوق وكبار الرابحين فيها، بتحصيل الأرباح من هذا الرفع.
ويُقال (حماية الليرة، وتأمين المواد) بينما تنفق إيرادات القطع الأجنبي على مضاربي السوق السوداء، وتقدم التسهيلات لكبار المستوردين، وتخفض الرسوم، ويسمح لكبار التجار باستيراد المحروقات لتتخلى الدولة عن أرباح التوزيع القادمة لهم. وبينما يتكرر شعار (حماية المنتج الوطني) فإن كل مستلزمات حمايتها تلغى بشكل تدريجي.
السياسة الحكومة الفعلية ليست متناقضة، لمن يقرأ الممارسات الحقيقية، فبتجاهل الذرائع والشعارات المعلنة، ومراقبة الأفعال، يتضح جلياً أن ما يجري هو استكمال مفاصل السياسات الليبرالية الاقتصادية في ظروف الأزمة الحالية، بما يستجيب مع مصالح قوى الفساد والسوق، من جهة، ومع المتطلبات الدولية لمؤسسات منظومة الغرب الرأسمالية المتهالكة، فتنسحب الدولة من دورها الاقتصادي والاجتماعي، لتخفف النفقات وتحرر الأسعار، وتسلم السوق، مفاتيح الإيرادات الحكومية، الموجودة في القطاعات الكبرى مثل القطاع النفطي، والاتصالات.