الدولار يتراقص على أنغام (السياسات)!

الدولار يتراقص على أنغام (السياسات)!

يورد الباحث الاقتصادي الدكتور كميل الساري في كتابه (الاختلالات البنيوية والسياسات النقدية والمالية الدولية: الأسباب الحقيقية.. وأية تداعيات على العالم العربي، ترجمة الدكتور كامل المرعاش) عن الباحث الاقتصادي البريطاني في جامعة ويسكنسون (E A.Brett) مايلي:

"استراتيجية دعم الصادرات الصناعية، لايمكن تطبيقها إلا لبعض الدول الساعية للنمو أو على الأرجح لعدد قليل من مناطق هذه البلدان، لكن لايمكن تعميم ذلك على كل سكان العالم، وبشكل واضح لأن نجاح هذه المناطق سوف يتركز على قدرتها على دعم الأسواق في باقي مناطق العالم وهيمنة قدرتها الإنتاجية الأكثر تقدماً بالنسبة لبقية العالم، وسينتج عن ذلك تقشف أكبر، وخدمات اجتماعية أقل، وظروف تشغيل أقل عرضاً واتساع هوة وعدم المساواة بشكل لايمكن توقعه".. الصفحة (139).
خبراء سابقون في "صندوق النقد" ينتقدونه!
لقد جاء هذا التوضيح في سياق انتقاد الباحث "كميل الساري"، الخبير في "الاقتصاديات المقارنة"، لسياسات التكييف الهيكلي في مجال السياسات الحكومية عموماً والنقدية على وجه الخصوص ويورد الباحث نقد "نيكولاس كالدور"، الاقتصادي الكبير في جامعة كامبريدج في ثمانينات القرن الماضي، لفكرة ودور تخفيض سعر العملة وتكبير انعكاساتها على الدخل والحالة الاقتصادية للأفراد: "إن الانتقاد الرئيسي الذي يمكننا إعطاؤه لهذا المنهج هو أن نفترض أن خفض العملة يمكن أن يغير العلاقة الأساسية بين الأسعار والأجور، ومع ذلك فالأسعار والأجور ناتجة عن القوى الداخلية التي لايمكن تغييرها إلا عبر سياسات ضرائبية نقدية، وأنه من المرجح الأكبر أن قوة تخفيض العملة ستقود في النهاية إلى إعادة إنتاج العلاقات نفسها لكن بثمن تضخمي إضافي قوي" ص(143).
يكثف الأستاذ ساري غاية هذه السياسة بقوله: "صندوق النقد الدولي قادر على خفض قيمة قوة العمل المدرجة كحقيقة في عوامل الإنتاج".ولقد كانت إحدى أهم استنتاجات المستشار السابق لصندوق النقد الدولي هي ما أورده في الصفحة (140): "استراتيجية النمو الوحيدة التي لاتكون مصدر للاعتماد الخارجي ولاختلالات بنيوية جديدة يتوجب أن تقام على تنمية "مستقلة" والبحث عن الاكتفاء الذاتي الواسع الممكن وتعاون جنوب - جنوب من أجل استقلالية جماعية معززة. صندوق النقد الدولي يعارض وجهة النظر هذه داعياً إلى تحرير التجارة كأداة وحيدة لتحقيق التنمية الاقتصادية العامة".
ماذا عن اقتصاديينا؟!!
تكمن قمة المشكلة في تحليلات الدكتور كميل أنها لم تبني هذه النتائج على ظروف الحرب، أو لو توضح هذه الظروف كمحددات هامة، والتي لاشك فيما لو أُخذت بعين الاعتبار، قد تصل إلى نتائج أشد انتقاداً لمطبقي سياسات صندوق النقد الدولي في ظل الأزمات والحروب كما هو الحال في بلداننا، حيث لازال كبار مسؤولينا الاقتصاديين يرون في "سياسات التصدير"، (التي لاترتقي في تطبيقات الحكومة السورية الحالية وبسبب ظروف الأزمة لتشكل نموذجاً جدياً مستنداً إلى ما يدعى "سياسات التصدير")، وما يستتبعها من سياسات نقدية أنها المنقذ الحالي للتدهور الاقتصادي، حيث أكد وزير الاقتصاد مؤخراً في تصريحات نقلتها إحدى الصحف المحلية أن:"السياسة الاقتصادية تقوم على استهداف الاستقرار في سعر صرف الليرة السورية، وتعزيز موقعها من خلال التركيز على تطوير مقومات الإنتاج والتصدير، وتتكامل بهذا الدور مع السياسة النقدية لمصرف سورية المركزي، التي تقوم على التدخل في الأسواق والتوسع في تمويل المستوردات، بالتركيز على تمويل مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية والأساسية"!! ألا تبالغ الحكومة بتحميل التصدير ما لايطيقيه، حيث لاتأبه بكل انعكاسات العمل على هذه السياسة في ظل الظروف الصعبة وعلى رأسها انهيار دخول المواطنين السوريين؟!.
عن (انتصارات) حاكم المركزي!!
في السياق ذاته اتحفنا حاكم مصرف سورية المركزي عن الأسباب التي أدت لارتفاع سعر الدولار مؤخراً ليثبت عند نفس السياسات، حيث نقلت صحف محلية عن الحاكم في آخر جلسة للتدخل لشركات الصرافة أنه: "اعتبر أن محاولات المضاربين خلقت اهتزازاً في سعر صرف الليرة السورية في محاولة منهم لمواجهة النجاح الذي حققته الإجراءات التدخلية التي قام بها المركزي خلال الفترة الماضية في لجم موجات المضاربة على سعر الصرف وتحقيق حالة من الارتياح في سوق القطع الأجنبي في إطار تنفيذ المركزي لسياسته النقدية الرامية إلى ضمان استقرار الليرة السورية وتعزيز ثقة المواطنين بها وإعادة سعر الصرف إلى مستوياته التوازنية التي تدعم القوة الشرائية لليرة السورية"!!.
يتناسى "الحاكم" أن استقرار الليرة لا يتعدى بضعة أسابيع ليعود الهجوم مجدداً مع انخفاض في قيمتها وبأكبر من السابق، وما إن يقابله المركزي بضخ الدولار في السوق حتى يعود سعر الدولار إلى مستويات أعلى من لحظات ماقبل التدخل وليستقر لفترة وجيزة فقط. وهو ما يعني أولاً عدم استقرارٍ وتذبذبٍ مستمر يشل عمليات الإنتاج والتبادل بين الفينة والأخرى، كما يعني تراجعاً مضطرداً للقوة الشرائية ينعكس سلباً على المواطنين، ويعني أيضاً أن انتصاراته الافتراضية على "المضاربين" لا تتمتع بالاستدامة الكافية بأحسن الأحوال.
كانت الأزمة ومازالت باستمرارها أداةً كالسكين يمسكها دعاة الليبرالية و"الانفتاح الاقتصادي" على رقبة الاقتصاد السوري. فمع استعصاء الأزمة وجد الخط الليبرالي طريقه للإمعان في إجراءاته أكثر، وقد كانت السياسة النقدية المتعلقة تحديداً بسعر صرف الليرة إحدى أهم مطارح "اللبرلة" قد تكون هذه الخلاصة ضرورية للإضافة في معرض استكمال القراءة لسياسات صندوق النقد الدولي الخبيثة!.