إصدار الـ (500) الجديدة.. نقود بلا نمو
في إطار النية الواضحة لدى اصحاب القرار الاقتصادي تمويل مصاريفهم بالعجز، وخلق التضخم الإضافي في الاقتصاد الوطني، أتى قرار مصرف سورية المركزي القائل بإصدار عملة من فئة الـ 500 ليرة، على أن يتم إصدار العملة الجديدة من فئة الـ 1000 ليرة لاحقاً، وهذا ما نسبه المصرف المركزي إلى سياق تاريخي قائم على إصدار طبعات جديدة من العملات السورية، بدأت من فئة 50، 100، 200 ليرة سورية، على أن تستكمل بإصدار نقدي من فئات أكبر، والخطوة الحالية تأتي في السياق ذاته..
على أرضية التبرير للقرار الصادر أو التعتيم على الحقيقة الدامغة، يأتي حديث المصرف المركزي عن استبدال العملة التالفة والمهترئة بالعملة الجديدة، والذي لا يمكن إثباته أو نفيه، وما هو إلا تكهنات يتحدث بها البعض، ولا تختلف في جوهرها عن أرقام الدعم التي يطلقها المسؤولون الحكوميون بين الفينة والأخرى، في إطار سعيهم للانقضاض على أسعار المشتقات النفطية أو المواد التموينية لاحقاً.
بمَ يُغطى الإصدار النقدي الجديد؟!
في عام 2010 كانت بداية إصدار طبعات جديدة من العملات السورية من فئة 50، 100، 200 ليرة، وفي حينها كان الاقتصاد يعيش حالة من النمو الاقتصادي بحسب التصريحات الحكومية أنذاك، أما اليوم، فلا نمو في الاقتصاد الوطني، أي أن لا نمو حاصل في الكتلة السلعية تستوجب إصدارا نقديا موازياً، لا بل إن صندوق النقد الدولي قدّر الانكماش الحاصل في الناتج المحلي الإجمالي لسورية بأكثر من 40 في المائة منذ مطلع آذار 2011 حتى مطلع العام 2014، بما يُغطى الإصدار النقدي الجديد في هذه الحالة؟! ألن يخلق تضخما إضافيا في شرايين الاقتصاد الوطني؟! ألن يتسبب هذا الإصدار في ارتفاع جديد لمستويات الأسعار الملتهبة أصلاً؟! لا بل إن المخاوف تتزايد من أن يكون الإصدار النقدي بوابة لتمويل الزيادة المتوقعة على الرواتب، على قاعدة التمويل بالعجز (التمويل التضخمي)، كلها اسئلة سيجيب عنها البعض بالنفي، إلا أن القادم من الايام سيؤكدها، كما أكد الكثير من سلبيات القرارات الحكومية على شرائح واسعة من السوريين.
مخاوف مشروعة
الكثير من الحكومات تمتنع عن إصدار أي عملة نقدية جديدة للمحافظة على معدلات التضخم في اقتصادها، وللمحافظة على قيمة العملة الوطنية في بلادها، وهذا في دول تعيش حالة من النمو الاقتصادي والاستقرار الامني، سعر الصرف، فكيف سيكون الحال في بلد فقدت فيه العملة الوطنية الكثير من قيمتها، ووصل فيه التضخم إلى مستويات قياسية فاقت الـ 300% وسطياً منذ ثلاثة أعوم حتى الان، وهذا إن دل على شيء، فإنه سيثبت أن الإصدار النقدي الحالي غير المستند إلى نمو فعلي في الاقتصاد الوطني سيساهم في انخفاض قيمة العملة الوطنية، لأننا سنستمر في تداول العملة النقدية الجديدة دون سحب العملة القديمة التي يتحججون باستبدالها واهترائها، مما سيشكل تضخما نقديا كبيرا في السوق المحلية، ولهذا نسأل، أليس الحفاظ على قيمة الليرة السورية أهم من إصدارها؟!
ارتفاع الأسعار «شفط» ما في الجيب
لا يختلف حديث المواطنين السوريين من خلف المكاتب، عن احاديث الشارع وفي حافلات النقل العامة والخاصة، فالجميع يتحدث تردي الوضع الاقتصادي في البلاد والذي أثقل كاهلهم وزاد معاناتهم، فالارتفاع الجنوني في أسعار السلع المختلفة في الأسواق، والغذائية منها على وجه التحديد، لا يتناسب مع رواتبهم واجورهم التي يتلقونها، والجميع يسأل، ما الفائدة من توفر السلع في إذا لم يملك المواطنين المال اللازم لشرائها؟!
التردي في الوضع الاقتصادي واضح للعيان، والأحوال الاقتصادية والمعيشية تسوء بقفزات مخيفة نتيجة عدم تطبيق الحكومة الإجراءات انقاذية تصب في مصلحة المواطن أولاً والوطن ثانياً، وبما يطمئن المواطن السوري على حياته ومعيشته؟!
«مبررو القرارات».. جاهزية عالية!
انخفض الإنتاج اليومي في المخابز الاحتياطية بنسبة تتراوح بين 10 -15% يومياً خلال الأيام الخمسة الاولى التي تلت قرار رفع أسعار الخبز، وبناء عليه فقد بنى البعض نتائجهم، بأن انخفاض الإنتاج اليومي يعود إلى تراجع الهدر الناجم عن ارتفاع السعر! وهو ما قد يكون مجرد قرار لخفض إنتاج الخبز من جانب الإدارة ذاتها، أو بتوجيهات منها، لا نتيجة لانخفاض الطلب الفعلي من المادة، وجميع الاحتمالات مفتوحة!
بالمقابل يعلن بعد رفع أسعار السكر والأرز والمياه، عن ضبط كميات كبيرة بمقدار 3 أطنان من السكر التمويني المباع بطريقة غير مشروعة من مركز واحد للمؤسسة الاستهلاكية الموجود في منطقة القصور في العاصمة دمشق. بينما يبرر مدير المؤسسة العامة للصناعات الغذائية رفع أسعار عبوات المياه المعدنية، باعتباره ضرورياً لمواجهة السوق السوداء..
وهكذا يحاول الكثيرون أن يبرروا سياسات رفع أسعار المواد الأساسية، عن طريق إيجاد آثارها الإيجابية على إيقاف الهدر! بل ربما يذهبون أكثر من ذلك ليقول أحدهم لاحقاً: كل رفع لأسعار الخبز بمقدار 66% سيعني تراجعاً في الهدر بنسبة 15%، لنرى قرارات لاحقة من هذا القبيل على أرضية الحد المزعوم من الهدر!