فقر وخبز وحرب
الفقر أكثر الامور التي يمكن أن تجدها انتشاراً في سورية، بتعاريفه ومصطلحاته وأنواعه المختلفة: فقر القدرات، الفقر المادي، الفقر العام، الفقر المدقع، الفقر الغذائي.
وبالرغم من انتشار الفقر أفقياً ليشمل جميع السكان وعمودياً من خلال تزايد فجوة وحدة الفقر، تبقى السياسات والقرارات الحكومية غير مبالية بحياة المواطن وبعيدة عن واقعه المعيشي.
رفع سعر الخبز يعكس حالة الانفصام والتباعد بين القرارات الحكومية وهموم الشعب، ويتضح هذا الانفصام عند معرفتنا أن متوسط استهلاك الخبز من قبل الاسرة السورية 77.74 كغ شهرياً، بالاعتماد على مسح دخل نفقات الاسرة 2009، أي بتكلفة شهرية ارتفعت من 700 ل. س الى 1165 ل.س – بسعر الكيلو – بسبب زيادة السعر، أي زادت التكلفة بمقدار ٦٦%. أما الاسرة التي تقوم بشراء الخبز بالربطة فقد ارتفعت تكلفة الخبز من 1165 ل.س الى 1940 ل. س.
الخبز فقط: «عِشر الدخل»
أما فجاعة وسلبية القرار تتجلى حينما نتذكر أن متوسط دخل الفرد في سورية 14069 ل.س – المكتب المركزي للإحصاء 2011- وقد ارتفع إلى وسطي قريب من 20 ألف ل.س، بعد زيادة الأجور الأخيرة، أي أصبح الخبز يشكل 5.8% من متوسط دخل الاسرة التي لا تملك الا معيلاً واحداً والتي تشتري الخبز بالكيلو غرام. أما الاسرة التي لا تستطيع تأمين الخبز الا عن طريق الربطة فان الخبز يشكل 9.7% من دخلها. وهنا تكمن الفاجعة، فإذا كان الخبز يشكل نسبة تقترب من 10% من دخل الأسرة، أي أنها تستطيع شراء 10 سلع شهرية فقط سعرها يساوي سعر الخبز، وهنا لا بد للأسرة أن تستغرق وقتاً كبيراً في التفكير والبحث عن سلعاً أخرى تكون كفيلة بإبقائها على قيد الحياة، وستختار مرغمة سلع غذائية أخرى ومعظم المكونات الغذائية تكلفتها أعلى من تكلفة الخبز، فإن وجدتها فستصاب بالفقر الغذائي بعد مدة قصيرة.
النازحين داخليا
أما النازحون داخلياً والذين يقدرون ب 6 ملايين فرد، والمحتاجون للمساعدة، والتي تقدرهم بعض المنظمات ب 10 مليون فرد، كيف سيستقبلون خبر رفع سعر الخبز، فهم محتاجون ويعتمد بعضهم في معيشته على السلة الغذائية اعتماداً كاملاً وبعضهم الاخر ينظر للسلة الغذائية كمساندة له لرفع مستوى معيشته، وجزء منهم يصنف تحت خط الفقر الأدنى والفقر الغذائي، والأجور بالحكومة تقديم الدعم والمعونة لهم بجميع الطرق ومختلف القطاعات والسياسات، وليس تقديم السلة الغذائية باليد اليمنى ورفع أسعار الخبز باليسرى.
مبررات القرار!
رفع أسعار المواد التي تبيعها الدولة بغية تقليص عجز الموازنة العامة يجب أن يكون مبرراً اقتصاديا واجتماعياً، ووجهة النظر المحاسبية الضيقة التي تهدف إلى تخفيض عجز الموازنة وتأمين الموارد من خلال تقليص النفقات، تنبع من جهل في المالية العامة وفي المنفعة العامة، فغاية الدولة من خلال الأنفاق العام خلق منفعة عامة للمصلحة العامة، واتخاذ القرار بإلغاء هذه المنفعة لا يمكن أن يتخذ بناء على أسس محاسبية، بل يجب أن ينظر اليه بمقدار النفع الذي يعود من تأدية هذه الخدمة.
حيث يقدر دعم الخبز من خلال دعم الدقيق ودعم الخميرة 64 مليار ل.س خلال العام، وتقدر المنفعة المستفادة من هذا الدعم برفع مستوى المعيشة ل 20 مليون مواطن سوري، وحماية الشرائح الأفقر في المجتمع من الوقوع بالفقر، أو على الأقل مساعدتها على دعم أمنها الغذائي، ورفع الدعم –ولو جزئياً- عن الخبز سيؤثر سلبا على مستوى معيشتها وعلى أمنها الغذائي، فرفع سعر الخبز حالياً، أدى إلى ارتفاع خط الفقر الغذائي ما بين (465- 776) ل.س على اعتبار أن الأسر تشتري الخبز من الفرن، وبمقدار أكثر من 1530 على اعتبار الاسرة تشتري الخبز من الباعة المتفرقين، وهذا أدى الى ازدياد وتوسع الفقر وانتشاره، والاشد خطورة، تعمق الفقر لدى الاسر الفقيرة فقراُ مدقعاً والتي هي بأمس الحاجة للمساعدة للحفاظ على أمنها الغذائي.
وانطلاقاً من هذا لا بد للحكومة من مراجعة جدية للقرار والغاؤه، حرصاً على لقمة الشعب وتحقيقاً للأمن الغذائي، لأن الأمن الغذائي للدولة ينهار إذا إنهار الأمن الغذائي لمواطنيها.