الصرافات الآلية.. ازدحام يطول لأجل (الراتب) الشحيح!
يتزاحم موظفو قطاع الدولة على الصرافات العامة العاملة لترى طوابير طويلة ممن اصطفوا ليحصلوا على دخل آخر الشهر، فترات الانتظار التي تطول لساعات في بداية الشهر، تبدو أطول مع مفارقة الوقت القصير نسبياً لإنفاق هذا الأجر الذي تحول إلى ما يشبه (الخرجية) التي تدفعها نسبة غالبة من العائلات النازحة إلى العاصمة دمشق في الأيام الأولى من الشهر كأجار منزل.. فالأجر الوسطي 20 ألف هو الحد الأدنى من أجرة منزل في العاصمة دمشق..
محرر الشؤون الاقتصادية
كان الهدف الأساسي من خدمة الصرافات الآلية وتوطين رواتب الموظفين فيها هو الاستعاضة عن حمل النقود بالبطاقة الالكترونية، لتخفف من احتمالات نشلها أو سرقتها , حيث يستطيع المواطن أو الموظف سحب ما يلزمه من نقود متى يشاء وبالقدر الكافي لسد حاجته من خلال الصرافات الآلية المنتشرة في الشوارع وفي اي وقت.
لا مجال للتقسيط!..
سحب الراتب كاملاً
إلا أن هذه الحاجة لا تتناسب مع أجور السوريين في الأزمة، وهذه (التكنولوجيا) فقدت الهدف الرئيسي منها في بلادنا حيث يضطر المواطن السوري لسحب راتبه بالكامل، ولن يستطيع أن يترك أي شي في حسابه المصرفي ليسحبه وقت الحاجة!
يؤدي سحب الرواتب كاملة إلى نفاذ النقود من الصراف خلال عدة ساعات فقط, وبسبب ذلك برزت مشكلة الصيانة الدورية للصرافات، الآلية حيث لم تستطع البنوك تأمين صيانة دورية للصرافات وهنا يضطر المواطن للبحث عن صراف داخل الخدمة باحثا في أغلب مناطق وشوارع العاصمة وقد ينتظر يومين أو أسبوعاً حتى يقبض راتبه!
الصرافات.. (ظروف صعبة)!
تفاقمت المشكلة مع خروج أغلب الصرافات في المحافظات السورية من الخدمة وأصبح الضغط على صرافات العاصمة فقط والتي اقتصر وقت صيانتها وتغذيتها بسبب الظروف الأمنية على أوقات الدوام الرسمي فقط (اي اذا تعطل صراف في الساعة 1 ظهرا لن يصلح إلا في اليوم التالي) أو إذا نفذت النقود من صراف يوم الخميس فلا يغذى إلا ليوم الأحد بسبب العطلة. هذا عدا عن قدم بعض الصرافات التي تجاوز عمرها 10سنوات وعدم توفر قطع غيار لها بسبب العقوبات الاقتصادية، وتعطل بعضها لساعات طويلة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المستمر. كما قامت إدارة المصرف العقاري مثلا بسحب عدد من الصرافات الموجودة في مناطق آمنة كجرمانا وابن النفيس وركن الدين (مما يضطر سكان تلك المناطق للنزول إلى مركز المدينة لقبض رواتبهم ) حيث تم سحب صرافات من أحياء آمنة في العاصمة، مثل مساكن برزة وركن الدين وابن النفيس كانت تحوي 6 صرافات، ومن منطقة الميدان 4 صرافات , ومن جرمانا صرافين!.
لتتجمع الصرافات في صالات داخل فروع المصارف بحجة تخديم أكبر عدد ممكن من الزبائن إلا أنها وللأسف تغلق أبواب تلك الصالات عند الساعة 3 ظهرا ولا تفتح بشكل منتظم. حيث لا يستطيع أغلب الموظفين الذهاب لقبض رواتبهم لكونهم في مؤسساتهم قبل الساعة 3 ظهرا. تبقى خدمة المصرف العقاري متقدمة نسبيا عن خدمة صرافات المصرف التجاري فعدد صرافات التجاري تقلص كثيراً، وكان ربط الشبكة مع العقاري يعوض هذا النقص، إلا أن العطل الأخير الذي أصاب شبكة العقاري في بداية العام أجبره على إلغاء ربط شبكته مع التجاري.
56 (صراف خاص)
متاح على الأقل!
أمام هذه الخدمة السيئة للصرافات وعدم تحقيقها لغايتها من الممكن التساؤل لماذا لا يتم البحث عن طرق أخرى وبدائل، تتيح للمواطنين السوريين الحصول على حاجتهم وتغطي نفقات صيانة الصرافات من العمولات التي يتقاضها من العاملين في الدولة والمتقاعدين الحصول على رواتبهم الضئيلة بطريقة أقل إجهاداً وتعباً. ولماذا لم يتم إعادة الصرافات المعطلة إلى العمل في المناطق المحيطة بالعاصمة أو في أحياء منها والتي تعتبر آمنة، وذات كثافة سكانية مرتفعة.
تستطيع صرافات المصارف الخاصة أن تشكل حلاً إذا ما ألزمتها الدولة، بالتعاقد مع وزارة المالية، والسماح للموظفين بقبض رواتبهم منها.
فإذا ما كان عدد المصارف الخاصة العاملة 14 مصرفاً لكل منها فرعان على الأقل في العاصمة دمشق، وفي كل فرع صرافان، فإن هذا يوسع عدد الاحتمالات إلى 56 صرافاً آلياً متاحة للعاملين في الدولة!!
حيث أن عدد الصرافات الآلية العامة داخل مدينة دمشق قبل الأزمة كان يبلغ 129 صرافاً و19 صرافاً في الريف فقط . أما في محافظة اللاذقية 23 صرافاً, في حلب 37 صرافاً, حمص 10 صرافات جبلة 3 فقط على سبيل المثال. لذلك فإن 56 صرافاً خاصاً إضافيا تشكل رقما هاماً.
محاسب أيام زمان.. ولا تكنولوجيا في الأزمة!
تم إغلاق صرافات في مناطق شهدت توترات نسبية في العاصمة دمشق، ولم يتم إعادة تشغيلها على الرغم من تزايد الطلب على الصرافات مع ارتفاع معدل النزوح والاستقرار في دمشق، وبينما ارتفعت العمولات على خدمات سحب الراتب آلياً! تقلص عدد الصرافات بشكل كبير. بينما يبقى أكثر من 56 صرافاً تابعاً للمصارف الخاصة، خارج حسابات حل المشكلة وتخفيف الضغط، وذلك قد يعود إلى التزام بعض المصارف الخاصة العاملة في سورية بجانب من العقوبات الاقتصادية! ولكنه يعود بالدرجة الأولى إلى عدم وجود نية حكومية واضحة بتخفيف أحد الأعباء الإضافية الكثيرة في يوميات المواطن السوري صاحب الأجر.. حتى أصبح لسان حال أغلب الموظفين والعاملين في قطاع الحكومة يقول: (أعيدونا إلى محاسب أيام زمان!).
رفع العمولات..
عوضاً عن الحل
تقدم المصارف العامة مجموعة خدمات على عملية سحب الرواتب عبر الصرافات الآلية، وبينما كان بعض هذه الخدمات مجانياً فقد أصبح مأجوراً خلال الأزمة، ومع تراجع خدمات الصرافات والجدوى الحقيقية منها، وارتفعت تكلفة معظم الخدمات ليصبح بعضها اليوم يكلف العامل من راتبه مبلغ 500 ل.س! وهنا بعض العمولات:
• يتقاضى المصرف العقاري من عملية السحب 4 ل.س، وعمولة الاستعلام عن الرصيد 3 ل.س، ومجمل هذه العمولات ترفد المصرف العقاري بـ 3 ملايين ليرة شهريا باعتبار أنه من 20 الشهر أي منذ تحويل رواتب المتقاعدين إلى 10 الشهر الذي يليه هناك ضغط هائل على الصراف حيث ينخفض الضغط بعدها على الصرافات.
• بعض العمولات كانت مجانية مثل رفع سقف السحب يوميا من 25 ألف إلى 50 ألف حيث أصبح الطلب بـ 500 ليرة سنويا (مع أنه لايكلف المصرف شيئا ), وقامت إدارة المصرف بإلغاء كل من رفع سقف حسابه سابقا مما يضطره لتقديم طلب جديد.
• ربط شبكة العقاري مع التجاري و التسليف والتي يتقاضى عليها المصرف العقاري عمولة 30 ليرة لعمليات السحب الواحدة، ليضطر الموظف لعملية استعلام عن الرصيد ولثلاث عمليات سحب لقبض مبلغ 25 ألف ليرة لأن أكبر مبلغ يمكنه سحبه بالعملية الواحدة هو 10 آلاف ليرة أي يدفع 120 ليرة لقبض راتبه فقط (مع العلم أن ربط شبكتي العقاري مع التجاري متوقفة من جهة العقاري فقط بسبب مشاكل النظام ).
• صرافات التجاري عدلت سقف السحب من 25 ألف ليرة يوميا إلى 25 ألف ليرة أسبوعيا وهذا يعني أن الموظف سينتظر أسبوعين لقبض راتبه إذا كان أعلى من 25 ألف ل.س.
ارتفعت العمولات وانخفض سقف السحب من 25 ألف ل.س باليوم إلى أسبوع، وكل من هذا وذاك يؤدي إلى زيادة عبء عملية سحب الرواتب من الصرافات.