المواطنون يكتوون بالأسعار.. والوزير يقول أنهم راضون!!
لم يتسع صدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ولا هواء المحطة التلفزيونية الناقلة للندوة ومذيعها وبعض الحاضرين أيضاً لتقبل رأي تطرق فيه أحد الضيوف لتحليل أسباب ارتفاع الأسعار، والمسؤولية الحكومية المباشرة عن هذا الارتفاع، بينما أنصت وزير التجارة الداخلية لمداخلات مدراء مؤسسات الاستهلاكية والخزن والتسويق طالباً التفصيل أكثر في الحديث عن "إنجازات" وزارته العتيدة، فالوقت كان يضيق لكل من اعترض أو خالف في التحليل سياسات الوزارة أو توجهات المحطة التلفزيونية..
في الندوة التلفزيونية أشار مدير جمعية حماية المستهلك بدمشق عدنان دخاخني إلى المسؤولية الحكومة عن ارتفاع الأسعار، عبر رفعها أسعار المشتقات النفطية والكهرباء، إلا أن وزير حماية المستهلك استقال من مهامه كمدافع مفترض عن المستهلك، رافضاً أن يحمّل الدولة أكثر من أعبائها لترضي المواطن، مفترضاً أن هناك مواطنين راضين بالأسعار لكن ممثليهم هم الذين يقولونهم مالم يقولوه، مضيفاً أن "أسعارنا لازلت أرخص من دول الجوار"، وأسهب في شرح تفاصيل أرقام الدعم وفاتورته كالعادة..
رؤية منطقية
بغض النظر عن تبريرات وزير التجارة الداخلية لأسباب رفع أسعار المحروقات (المازوت، البنزين، الفيول) والكهرباء والمواد المدعومة، فإن التحليل الاقتصادي المنطقي لا يمكن له أن يتجاهل شيئا واحدا فقط، وهو أن رفع الحكومة لأسعار المواد المدعومة سيؤثر دون أدنى شك على أسعار باقي المواد في الأسواق السورية دون استثناء، والغذائية منها بشكل خاص، فرفع أسعار الفيول والكهرباء ساهم في رفع أسعار مخرجات الصناعة لأن تلك المواد من مدخلاتها، بينما ترك رفع سعر لتر المازوت انعكاساً سلبيا على الزراعة وعلى اسعار السلة الغذائية، كما ساهم البنزين في رفع تكاليف النقل، وأثّر هذا بدوره على أسعار المواد الغذائية، فهذه فرضية مثبتة رفض وزير التجارة الداخلية التسليم بها..
أما في معطيات وأسباب رفع الحكومة لأسعار تلك المواد المدعومة، والرؤية التي يمكن أن نطرحها في سياق البحث عن الموارد البديلة المتاحة عن رفع اسعار تلك المواد بحث أخر، إلا أن المنطق الاقتصادي يفترض التأثر الشامل برفع الحكومة لأسعار تلك المواد، وهذا ما لا يمكن تجاهله أو التحامل على قائله كما بان وظهر في تلك الندوة الاستعراضية.
الأقدر على التحمّل المواطن أم الحكومة؟!
رفض وزير حماية المستهلك أن يحمّل الدولة المسؤولية، لكنه قبل أن يتحمل المواطن مسؤولية ما تتخذه الدولة من قرارات، حتى ولو كانت مجحفة بحقه، لهذا نسأل، من الأقدر على التحمّل المواطن أم الحكومة؟! فجزء غير قليل من السوريين غير قادر في ظل الظروف الاقتصادية السيئة على تأمين أمنه الغذائي، وكثير من الدراسات صنفت الموظفين في القطاعين العام والخاص ضمن قائمة الفقراء في ظل التفاوت الكبير بين الاحتياجات المعيشية ومستويات الدخول والرواتب، فمن أين سيؤمن هؤلاء السوريون احتياجاتهم اليومية الأساسية والضروية؟! إلا أن الحكومة قادرة على خلق البدائل المالية على المقلب الاخر، وهي من تمتلك الأدوات والإمكانات لذلك إذا ما أرادت، عبر جملة من القرارات الاقتصادية طالما انتظرها كثير من السوريين، وهذا يجعل من الحكومة والدولة الأكثر قدرة على تحمّل الأعباء من مواطن أنهكته الأزمات والمصاعب الاقتصادية..
دعابة
الناطق المفترض بلسان حال السوريين ممن تدنت معيشتهم، افترض في معرض رده أن المواطنين راضون بالأسعار لكن ممثليهم هم الذين يقولونهم مالم يقولوه، مستنداً إلى حجة أن "أسعارنا لازالت أرخص من دول الجوار"، فما افترضه الوزير أتى بناء على توقع شخصي، أو امنيات خاصة، وإلا فليطلعنا أحد ما على الدراسات والإحصاءات التي استند إليها للقول إن المواطنين راضون بالأسعار!
المستهلكون يكتوون بالأسعار والوزير يتحدث عن رضا افتراضي لم نجد ما يدعمه في الواقع، فالرضا بالأسعار يجب أن يستند إلى قدرة المواطن على تأمين احتياجاته، فالرضا يحدد بقدرة هذا المواطن على إشباع وتأمين احتياجاته الغذائية في ظل الارتفاع الحاصل في الأسعار، وهذا ليس حال أغلبية ساحقة من السوريين، فمن هي الشريحة التي ألمح الوزير إليها؟! وهل يتحدث عن أغنياء سورية ومن يلتقيهم في جلساته الخاصة؟! وبالتأكيد هؤلاء ليسوا من ذوي الدخل المحدود، ولا تعنيهم الاسعار ارتفعت أم انخفضت..
في حضرة الرواتب والأجور
إذا ما أرادت الحكومات بلسان ناطقيها على امتداد عقود من الزمن أن تتحدث عن ارتفاع الأسعار أو أن تبرر أي من القرارات الحكومية، فإنها تستند على الفور إلى أسعار دول الجوار، إلا أننا لم نجد مثل هذا اللهث خلف اعتماد دول الجوار لدى رئيس الحكومة أو وزير المالية للقول إن الحد الادنى للأجور في دولة من دول الجوار يفوق ما لدينا بخمسة أضعاف، أو أن الأجور في دولة اخرى تتجاوز ما يأخذه الموظف السوري بثلاثة أضعاف، فمن أراد أن يقارن نفسه بأسعار دول الجوار عليه أن يستحضر الأجور والرواتب لكي تكون المقارنة حقيقية، لأن مستويات المعيشة تبنى على قاعدة اتساع الهوة أو ضيقها بين الأسعار والأجور، هي المعيار الفعلي للقول بتلك التقديرات، فأجورنا الأرخص مقارنة بدول الجوار، وعليه، فإنه من الطبيعي أن تكون الأسعار أرخص من دول الجوار، إلا أن انخفاض الأسعار لدينا عن دول الجوار بنسب لا تتجاوز 30% لا تقارن بأي حال من الأحوال بتدني أجور أضعاف مقارنة بتلك الدول..