دمشق أمام خيارات نظرية عدة لحل مشكلة النقل فيها...
د. نزار عبد الله د. نزار عبد الله

دمشق أمام خيارات نظرية عدة لحل مشكلة النقل فيها...

إلى متى ستبقى قضية النقل في مدينة دمشق تحت رحمة الحلول المؤقتة وحدها دون الإستراتيجية؟ وهل هي بالفعل عقدة عصية عن الحل؟! وهل يصعب تنظيم عملية النقل في العاصمة؟! وهل تحتاج دمشق حقاً إلى قطار يعمل على الكهرباء تحت الأرض؟! ولماذا؟! أم أنه يجب التخطيط لشبكة من الخطوط الحديدية العصرية المكهربة والسريعة لتربط جميع المدن معا القديمة والجديدة بسرعات بين 300/500 كم/ساعة وربما أكثر!

خيارات عدة

خيارات نظرية عدة أمام حل مشكلة النقل في العاصمة دمشق، من أهمها، اعتماد قطار يعمل على الكهرباء على أن يكون تحت الأرض داخل المدينة وسطحياً في الضواحي، أو أن يكون محمولاً على أعمدة داخل المدينة، وسطحياً في الضواحي، وأن يكون سطحياً كله داخل المدينة، وفي الضواحي، ولكل خيار من هذه الخيارات كلفة، فكلفة الكيلو متر الواحد تحت الأرض 239 مليون يورو، وكلفة الكيلو متر الواحد للمحمول 40 مليون يورو، وكل كيلو متر واحد من القطار السطحي يكلف 1 مليون يورو، فكم طول شبكة الخطوط الحديدية المطلوبة داخل مدينة دمشق وضواحيها؟

من الممكن أن تشاد ثلاثة مسارات دائرية (يمكن أن تكون بيضوية أيضاً) بالأقطار التالية: 10كم، 15كم، مركزها قلب دمشق القديمة ومضلع يمر بالبلدات التالية: - معرة صيبدنايا – قطيفة- ضمير- المطار (الغزلانية) –الكسوة- قطنا- الديماس- الزبداني- سرغايا بطول نحو 200 كم، وأن تكون محيطاتها كالتالي: 31،4 كم، 62،8 كم، 200 كم، تضاف إليها أربعة محاور مستقيمة تكون مماسات للدائرتين الصغرى والوسطى بطول وسطي 50 لكل منها، ويصبح مجموع أطوال الشبكة  494،2 كم، للتبسيط ننطلق من طول 500 كم، فهكذا تحل مشاكل النقل داخل مدينة دمشق ومع ضواحيها على المدى البعيد و بين ضواحيها فتتشكل شبكة كثيفة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.

وإذا أردنا الحديث عن الواقع العملي، فإننا نقول، إنه ينبغي أن يصل طول الشبكة داخل مدينة دمشق إلى قرابة 200 كم، كما نستطيع أن نسترشد بأطوال خطوط النقل الداخلي الحالية من قطاع عام وقطاع خاص في تقدير طول الشبكة المطلوبة حالياً وفي 2025 و2050، كما ينبغي أن يصل طول الشبكة خارج مدينة دمشق مع ضواحيها وبين هذه الضواحي 300 كم.

مشروعات مجمدة

وحول المشروعات والدراسات العالمية التي اقترحت لحل  مشكلة المرور في العاصمة دمشق، نذكّر بأن الاتحاد السوفيتي السابق قدم عرضاً لتنفيذ قطار الأنفاق في مدينة دمشق منذ عام 1985 بطول 45 كم، وتعاقبت دول وشركات عديدة فرنسية، وإيرانية، وماليزية بتقديم عروض لتنفيذ قطار الأنفاق (المترو)، وثمة شركة فرنسية تدعى «سيسترا» تناقلت وسائل الإعلام عرضها بتنفيذ أول مرحلة من قطار الأنفاق بين السومرية والقابون بطول 16،5 كم، 50% منه تحت الأرض، و50% سطحي مرفوع على جسر، ووزعت نشرة إعلامية عن المشروع الفرنسي، بكلفة 1200 مليون يورو، وتحدثت النشرة أن فوائد المشروع المتراكمة خلال 30 عاما تنوف على 5 مليار يورو، سيكون ثمن التذكرة 70 ل.س وسعرها 15 ل.س!!، وسيكون الدعم 55 ل.س للتذكرة الواحدة!!، على أن تكون السرعة التجارية قرابة 30كم/ساعة، والسرعة القصوى 70كم/ساعة، ويستغرق القطار 13 دقيقة بين السومرية والجامعة، على أن ينقل سنويا 0،84 مليون راكب بمعدل 1150 راكب في كل سفرة.. عندما نحصي الدعم المقترح نجده يساوي 0،84 مليون راكب ×55 ل س × 365 يوما= 16863 مليون ل س= 16،8 مليار ل.س سنويا، أما الدعم خلال 30 سنة (عمر المشروع) فيساوي 16،8× 30= 504 مليار ل.س، أي أكثر من 7 مليار يورو! فمن سيدفعه؟!

وثمة دراسة جدوى اقتصادية أعدتها شركة سيسترا الفرنسية لكنها «محجوبة» وغير متاحة للجمهور! ويبدو أن عيوبها كثيرة، لذلك غيبت! فوق ذلك فإن بنك الاستثمار الأوروبي مستعد لتقديم قرض بقيمة 400  مليون يورو، وربما أكثر لتمويل هذا المشروع الذي درسته الشركة نفسها، وربما تنفذه أيضاً، فأين هي شركات القطاع العام والخاص ا السورية؟! ولماذا لا تتولى تنفيذه؟! فتجد عملاً للفنيين ولقوة العمل المحلية، وتخفف شدة البطالة التي يعاني منها الاقتصاد! فهذا المشروع غير اقتصادي، فهو يحتاج إلى دعم كبير سنوي لمدة 30 عاما من بدايته حتى ينتهي عمره الاقتصادي، فكيف سنسدد القرض والفوائد المتوقع أن تكون باهظة؟ وكم سيكلف المشروع إذا خدمنا جميع أحياء مدينة دمشق بطول 200 كم؟ لاشك أنها ستصل لحدود 15 مليار يورو قياساً على الأسعار المعلنة الآن!! فوق ذلك ينبغي أن ندعم المشروع بمبلغ قرابة 85 مليار يورو، قياسا لدعم المرحلة الأولى منه! يا لها من جدوى اقتصادية للمشروع!!

أين الرشاد الاقتصادي؟

الرشاد الاقتصادي يقضي أن يكون القطار سطحياً في معظمه باستثناء أجزاء صغيرة منه، وأن يتم توسيع الشوارع في بعض مسارات الدائرة الأولى والثانية، وبعض مسارات المحاور الأربعة تشمل 0،1 مليون مسكن، واعتماداً على التخطيط الشبكي يتم تنفيذ المراحل المختلفة للمشروع، يدرسه ويشرف عليه وينفذه خبراء وفنيون محليون، ويد عاملة محلية أيضاً، والتخطيط لتشييد شبكة من الخطوط الحديدية بطول 500 كم لتنظيم مدينة دمشق وتحديثها كمايلي:

-بناء مدينة بكل مرافقها تتضمن 0،1 مليون مسكن مع كل مرافقها على أراضي أملاك الدولة وعلى أراضي غير صالحة للزراعة شرق مطار دمشق الدولي، تتصل بشبكة الخطوط الحديدية بكلفة 100 مليار ل.س

-هدم 0،1 مليون مسكن، وتوسيع الشوارع بكلفة 50 مليار ل.س، وتعويض إضافي محتمل للسكان يساوي الفرق بين الثمن التجاري للمساكن القديمة وكلفة المساكن الجديدة تقدر بـ25 مليار ل.س، وتشييد أنفاق خدمات للكهرباء، والهاتف، والمياه على أطراف الشوارع بطول 500 كم، وتوسيع الشوارع بكلفة 20 مليار ل.س.

-تشييد شبكة الخطوط الحديدية  بطول 500 كم بكلفة 500 مليون يورو (35 مليار ل.س).

-تشييد محطات للقطار وجسور وأنفاق للمشاة والمركبات بكلفة 40 مليار ل.س.

-شراء قاطرات عصرية تسير بسرعات 200 كم/ساعة بكلفة 30 مليار ل.س.

-تشييد رصيف خاص للدراجات الهوائية بطول 500 كم، وكذلك رصيف للمشاة بالطول نفسه.

-تشييد 15 عقدة مرورية في التقاطعات بمساحة طابقيه وسطية 0،1 مليون م2 وكلفة 30 مليار ل.س، تتضمن عدة طوابق تحت الأرض من مسرح، وسينما، ومستودعات، ومسابح مدفأة على الطاقة الشمسية، وملاعب رياضية ومرآب للمركبات الخ، وفوق الأرض، محلات تجارية، ومطاعم، ومقاهي، ومصارف، ومستوصفات، ومشافي، ومعاهد ..الخ، وستباع بقيمة 60 مليار ل.س، فالمجموع يصل إلى 360 مليار ل.س. إيرادات بيع منشآت العقد المرورية 60 مليار ل.س، والإجمالي المطلوب 300 مليار ل.س= 28، 4 مليار يورو (تم افتراض أن يورو=70 ل س).

فعندما ننفذ قطار الأنفاق على طريقة سيسترا الفرنسية، وننفذ شبكة كاملة داخل مدينة دمشق بطول 200 كم، فستكلفنا قرابة 1200 مليون يورو÷ 16،5 كم × 200= 14،4 مليار يورو، بتعبير آخر سيكلفنا قطار الأنفاق على طريقة سيسترا الفرنسية أكثر من 10 مليار يورو، وذلك زيادة على مشروع القطار السطحي الذي يشيد 200 كم داخل المدينة مع كل مستلزمات توسيع الشوارع، وأنفاق الخدمات وهدم 0،1 مليون مسكن، وبناء مدينة عصرية مع كل مرافقها، وبناء 15 عقدة مرورية تجزئ تيارات حركة المسافرين إلى 15 مركزاً عوضا عن مركز المدينة الواحد، وتشييد 300 كم آخر بين مدينة دمشق والضواحي وبين الضواحي ذاتها، ليشكل حلاً متكاملاً للنقل ويحدث المدينة.

منافع

المشروع الحالي سالف الذكر، سيقدم عدداً من المنافع من أهمها، تحسن قيمة المساكن على جنبات الطرق التي تم توسيعها بقيمة 25 مليار ل. س، وانخفاض المشاكل المرورية بتوزعها على 15 عقدة مرورية (تعادل 15 مركزا للمدينة)، وتوزع الطلب على التسوق والخدمات على 15 مركزا، وانتفاء الحاجة إلى 6000 صرصور نقلي، وأكثر من نصف سيارات الأجرة، بالإضافة إلى تخفيض كلفة الإصلاح والصيانة والزمن اللازم لإجرائها بسبب أنفاق الخدمات لعدم الحاجة للهدم والردم وإعادة البناء بعد الإصلاح والصيانة، وانخفاض الهدر في زمن التعطل عن العمل و الماء والكهرباء...

ولتوفر إمكانية سرعة إصلاحها، وينخفض عدد سكان دمشق وتصبح شوارعها أوسع، وتتسع فيها المساحات غير المبنية، وتتولى الكوادر المحلية الدراسة والتخطيط والتنفيذ والصيانة والإصلاح من مهندسين واقتصاديين وعمال مهرة وعمال عاديين، وسيساهم المشروع في خلق فرص عمل مؤقتة ودائمة لعدد لا بأس به من الكوادر، ويحقق قيمة مضافة عالية، ويراكم خبرات يمكن توظيفها في تشييد شبكات للخطوط الحديدية في مدن أخرى مثل حلب وحماه وحمص والسويداء والرقة...