الاستهلاك الكهربائي: التفاوت يتيح رفع السعر بقاعدة «العدالة الاجتماعية»

الاستهلاك الكهربائي: التفاوت يتيح رفع السعر بقاعدة «العدالة الاجتماعية»

تقدمت مقترحات رسمية إلى الحكومة، عنوانها رفع أسعار الكهرباء بهدف تخفيف العجوزات الكبيرة التي يعاني منها القطاع جراء مبالغ الدعم التي تقدم لمستهلكيه

يطرح في وقت الأزمة الاقتصادية معطى تراجع الموارد الحكومية ويطرح بمقابله دائماً رفع الدعم جزئياً وأحياناً كلياً، تختلف التقديرات إلا أن الدعم يبقى المستهدف الأول عندما تطرح مسألة تراجع الإيرادات الحكومية، ولهذا بالمعنى العام دلالات غير إيجابية لأنه يعتمد على منطق تحميل تكاليف الأزمة للمستفيدين من الدعم الحكومي بأشكاله المختلفة، ليس عن طريق تمكينهم وإنما بشكل مباشر ومطلق.. دون التمييز بين أشكال الدعم، وبين الشرائح الضعيفة  المستفيدة منه، وبين المتسلقين عليه..

العديد من المعطيات التفصيلية يتم تجاهلها، وهي تدخل ضمن قوس يمتد من الموارد الحكومية المتراجعة والحاجة الحقيقية للحفاظ عليها من الهدر، لينتهي بمناقشة إزالة الدعم..

دعم الكهرباء في سورية جزء أساسي من جملة الدعم المقدم، حيث بلغ في عام 2011 قيمة  333 مليار ل.س وذلك بحساب سعر الفيول العالمي، وحساب سعر صرف الدولار 70 ل.س.

مبالغ الدعم الكبيرة تجعل القضية بين حدين أولهما عجوز كبيرة في قطاع الكهرباء، مقابل توفير كبير على المواطنين من حيث دفع جزء هام من تكلفة الوقود المستخدم في توليد الكهرباء.

وهذا التناقض يجعل النقاش برفع كامل للدعم غير منطقي، ويجعل التغافل وعدم البحث في تفاصيله ومطارح الهدر غير منطقي أيضاً، لتكون النتيجة ضرورة التخفيف من العجز، ورفض فكرة الرفع كحل عام.

التخفيف من أين..!

قبول فكرة التخفيف من كتلة الدعم ومن عجوزات قطاع الكهرباء، هي مقبولة تماماً تحديداً في شكل الدعم المقدم من الحكومة الذي لا يقوم على تمايزات مهمة بين الشرائح الاستهلاكية من جهة، ويحقق بالتالي دعماً أكبر للمستهلكين الأقوياء، ليصبح التخفيف من حجم الدعم فكرة مرتبطة بتوزيع الدعم بشكل عادل ومدروس، بحيث يحقق فعلاً الهدف من المبالغ الحكومية المدفوعة ويمنع الهدر. ويحرم من لا يستحق الدعم أو الأكثر قدرة وملاءة مالية على تحمل تكاليف استهلاكه..

في أحد المقترحات الحكومية المطروحة في الإعلام يتم التمييز بين الشرائح والقطاعات التي من الممكن رفع أسعار الكهرباء عليها، ليتوجه نحو القطاع التجاري، الحكومي، ونحو شرائح من الاستهلاك المنزلي، ونحو أنواع من الصناعات (الأسمنت والحديد) التي يتوقع المقترح ارتفاع أسعار منتجاتها بالنتيجة، ولكن بالمقابل يفاضل بين شريحة استهلاكها الضيقة مقابل مستهلكي الكهرباء عموماً.

البحث عن الشرائح المستهدفة بالرفع يقتضي منهجية دقيقة، فهل نستهدف الأكثر استهلاكاً، أم نستهدف الاستهلاك النوعي، أم نمايز بين الاستهلاك في القطاع الواحد وبناء على أي معيار؟

قاعدة العدالة الاجتماعية

من المفترض أن يتم الاعتماد على الأكثر قدرة على تقديم الموارد للحكومة، مقابل أن تقدم الحكومة هذه الموارد للفئات الأقل قدرة، ولتحديد هؤلاء نستيطع أن نتبع قاعدة العدالة الاجتماعية أي الأخذ من الشرائح الأقل ذات الاستهلاك الأعلى، لإعطاء الشرائح الأوسع ذات الاستهلاك الأقل. ليكون المشتركون الأكثر استهلاكاً أكثر تحملاً للتكلفة، وهذا ينفع كمنهجية عامة، مع مراعاة استثناءات في قطاعات معينة.

توزع الاستهلاك والدعم بين القطاعات

قطاع الكهرباء وهو في الفاقد الإجمالي الذي يبلغ نسبة 29% من الاستهلاك بدعم 141 مليار ل.س، والذي يقسم لجزءين فني وتجاري، بلغ التجاري منه حوالي 38% غير مفوترة.

الزراعي والصناعي

استهداف القطاع الزراعي والصناعي يرفع من تكاليف الإنتاج، بينما حجم استهلاكه وحجم دعمه لا يتجاوز نسبة 18% من إجمالي دعم الكهرباء.

ما يمكن البحث عنه في القطاع الصناعي هو رفع تكلفة المشتركين على التوترات العالية،حيث يستهلك على التوتر 66 ك.ف حوالي 68 مشتركاً فقط هم من المنشآت الصناعية الكبيرة يستهلكون: 2,4 مليار ك.و.س، بتعرفة 2,5 ل.س.

وعلى التوتر 20 فولت يستهلك 719 مشتركاً حوالي 2,2 مليار ك.و.س بتعرفة 2,93 ل.س

من الممكن أن يشكل هؤلاء المشتركون هدفاً لرفع التعرفة، وذلك بناء على قاعدة العدالة الاجتماعية حيث يبلغ استهلاكهم 14,5% من إجمالي الاستهلاك بينما لا تتجاوز نسبتهم 0,1% من المشتركين،مع الأخذ بعين الاعتبار أن أغلب المشتركين على هذه التوترات هم من المنشآت الصناعية التي من المفترض أن لا يؤثر مستوى رفع التعرفة بشكل جدي على أسعار منتجاتها.

وتنبغي الإشارة هنا إلى أن المستهلكين الحرفيين والبالغين 59 ألف مشترك يدفعون تعرفة وسطية 3,39 وهي أعلى من التعرفة الوسطية للمنشآت الكبرى المستهلكة على التوترات العالية.

التجاري والخدمي

يبلغ الاستهلاك التجاري 3,3 مليارات ك.و.س بنسبة 6,9% من الاستهلاك الإجمالي ويقدم له دعم بمقدار 35 مليار ل.س فهو أحد المطارح التي من الممكن التوجه نحوها، وتحديداً إذا ما علمنا أن حوالي 5320 مستهلكاً تجارياً يستهلكون على التوتر (20/0,4 كيلو فولت): حوالي 984 مليون ك.و.س. أي أن التفاوت ضمن  القطاع التجاري يبلغ أقصى درجاته حيث يستهلك 0,6% من المستهلكين التجاريين نسبة 30% من الاستهلاك التجاري بفارق تكلفة في التعرفة يبلغ 0,4 ل.س فقط.

 أما القطاع الخدمي المكون من دوائر رسمية ودور عبادة وإنارة شوارع فلا تتجاوز نسبته 3% من الاستهلاك، وتعرفته من أخفض التعرفات الوسطية 1,84 ل.س من الممكن رفعها على الدوائر الرسمية، وتغريمها بها لتخفيف الهدر، ولكنها نسبة لا يعول عليها.

«المنزلي» الاستهلاك الأكبر

يشكل المستهلكون المنزليون نسبة 83% من المشتركين الإجماليين، بوسطي تعرفة 1,17 ل.س وهي تعرفة وسطية منخفضة. من الممكن البحث في تخفيض الدعم على المستهلكين المنزليين من خلال البحث في معدلات التفاوت بين شرائح الاستهلاك المنزلي، وتحميل من يستهلك كميات كبيرة جزءاً هاماً من تعرفة مستهلكي الكميات المنخفضة الذين يشكلون نسبة كبيرة من المستهلكين.

شريحة الاستهلاك ك.و.س

نسبة من المشتركين

نسبة من الاستهلاك

التعرفة / ل.س

0-600

52%

20%

0,45

601-800

12,2%

7,6%

0,92

801-1000

6,9%

5,6%

1,31

1001-2000

9,2%

10,4%

1,9

نلاحظ من الجدول أن المستهلكين المنزليين الذين يستهلكون أقل من 600 ك.و.س نسبتهم 52% يستهلكون بمقدار 20% فقط.

بينما يستهلك 9% من المستهلكين المنزليين أكثر من 10% من الاستهلاك الكهربائي. وبفارق سعر أقل لا يتجاوز الليرة السورية الواحدة، مقابل فارق كبير في حصة الفرد الوسطية من الاستهلاك ضمن هذه الشرائح.

تدل الصورة الموضوعة لتفاصيل الشرائح في القطاعات المختلفة والمأخوذة من  دراسة للمهندس هشام ماشفنج معاون وزير الكهرباء السابق، أن التفاوت في توزيع الكهرباء مؤشر هام على الخلل والهدر غير المباشر في دعم القطاع.

ويحقق فرصة لمن يتطلع إلى تحقيق موارد للدولة، أن يحقق مكسباً إضافياً مرفقاً بتوزيع عادل للدعم، وبتحقيق شكل من أشكال إعادة توزيع الثروة..

تفاوت ثروة.. تفاوت استهلاك

• 787 مشتركاً صناعياً يستهلكون 14,5% من الكهرباء بتعرفة وسطية:  2,7 ل.س بينما يستهلك 59 ألف حرفي 0,1% من استهلاك الكهرباء على توترات أخفض بتعرفة وسطية: 3,86 ل.س
• 0,6% من المستهلكين التجاريين يستهلكون 30% من الاستهلاك التجاري بفارق تكلفة عن بقية المستهلكين التجاريين لا يتجاوز 0,4 ل.س.