الزيوت.. أزمة القديم تصعّد الأزمات الجديدة

الزيوت.. أزمة القديم تصعّد الأزمات الجديدة

ارتفعت أسعار الزيوت في سورية خلال الفترة الماضية، كجزء من جملة ارتفاعات الأسعار العامة، وتحديداً ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، حيث لم تسلم من ارتفاعات الأسعار في سورية، حتى الصناعات الغذائية التي يغطي الإنتاج المحلي جزءاً هاماً منها، أو التي تتوفر مستلزمات إنتاجها بشكل جزئي. ليؤكد ذلك أن ضبط الأسعار ومنع مزيد من تدهور القوة الشرائية للمواطن السوري، مسألة تتطلب رؤية متكاملة -ليست اقتصادية فقط في الظرف الحالي- وحلول نوعية تعود إلى أزمات القطاعات الجوهرية للاقتراب من الحل

فمكونات إنتاج الزيوت الأساسية أي الزراعية موجودة ولكن يغيب التخطيط والاستثمار الصحيح، فاستهلاك السوريين من الزيوت النباتية الذي يقدر بـ 275 ألف طن تقريباً بناء على افتراض استهلاك الأسرة الشهري 5 كغ موزعة: (3 كغ نباتي- 2 كغ زيت زيتون) يتطلب حوالي 165 ألف طن زيت نباتي بأنواعه المختلفة (زيت عباد الشمس- زيت القطن- الصويا- الذرة... إلخ) بينما يغطى الجزء المتبقي من الاستهلاك بزيت الزيتون الذي يتوافر وبكميات فائضة، ولكنه يبقى عاجزاً عن سد الفجوة..

زيت الزيتون للتجار قبل الأزمة وبعدها

يقدر الإنتاج السنوي من زيت الزيتون حوالي 180 ألف طن سنوياً، بينما تقدر كميات استهلاك زيت الزيتون السنوية بحدود 120 ألف طن، وهي قريبة من التقديرات الوسطية لاستهلاك الأسر السورية السنوية.
بالتالي فإن كميات زيت الزيتون المنتجة محلياً بالكامل والفائضة لا تجد طريقها إلى المستهلكين أو لتغطية عجز الحاجة إلى الزيوت الأخرى، ويعود ذلك جزئياً إلى اختلاف في العادات الاستهلاكية، إلا أنه يعود بشكل أساسي إلى مشكلات التسويق والحلقة الوسيطة بين المنتج والمستهلك، حيث عانى المنتجون في السنوات السابقة للأزمة من تراكم الكميات المنتجة وانخفاض أسعار البيع للمنتجين قبل الأزمة بنسبة 26%، مقابل ارتفاع أسعار المستهلكين بمعدل 20% تقريباً، كما يوضح المخطط المرفق، لتبقى المنطقة المتوسعة بين الخطين تعبر عن توسع هامش ربح التجار والحلقات الوسيطة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جزءاً منه يعتبر تكاليف تغليف وتعبئة لدى معامل تغليف وتعبئة الزيت. أما المعاصر فتعتبر جزءاً من المنتجين، حيث تسود عموماً في القطاع آلية دفع عينية من المزارعين، بينما يحصل أصحاب المعاصر على السعر نفسه من التجار.

إيران.. ولكن!

كجزء من اتفاقية المقايضة التي وقعت بين سورية وإيران بعد الأزمة، فإن إيران تعهدت باستيراد جميع الكميات المتاحة من سورية في عام 2012 وذلك بسعر 2,7 دولار للكغ (270 ل.س للكغ) أي حوالي 3800 ل.س «للتنكة» (16 كغ). أتاحت الاتفاقية تصريف الإنتاج الهام وإيجاد سوق مهمة له، وبآلية عملية وتتناسب مع ظروف الأزمة، ولكن الوزن النوعي للحلقات الوسيطة التي تعتبر الدولة خارجها تماماً، انعكس في توزيع العائد من الاتفاقية حيث بقي لمصلحة التجار بالدرجة الأولى، وانتهى به الأمر ليؤثر سلباً على المستهلكين، مع استفادة نسبية للمنتجين.

لم يستطع المنتجون أن يستفيدوا من ميزات الاتفاقية ومن سعرها المرتفع بشكل مباشر، وذلك نتيجة غياب إمكانية البيع المباشر من قبلهم للمصدر الأول المفترض وهو الدولة. حيث نتج عن غياب الجمعيات الفلاحية بشكل حقيقي أن تم التنسيق مع التجار بالدرجة الأولى، من جهات جهاز الدولة وتحديداً في المحافظات المنتجة. لمس المنتجون لاحقاً أثر الاتفاقية الإيجابي من خلال حركة الطلب الواسعة التي نتجت عن استجرار التجار للمادة، حيث بلغ سعر زيت الزيتون 170 ل.س للكيلو. بهامش ربح بلغ 100 ل.س/كغ للتجار، الذين صدروا لإيران بسعر يفوق 270 ل.س للكغ.

قطن فقط ..والباقي استيراد

تراجعت المساحات المزروعة من المحاصيل التي تستخدم بذارها في صناعة الزيوت لتقتصر صناعة الزيوت التي تؤمن محتوياتها محلياً بشكل كامل على بذور القطن. بينما لا تتوفر كميات من عباد الشمس أو الصويا أو الذرة تكفي للاعتماد عليها في الصناعة. لذلك تنتج ثلاث منشآت للقطاع العام الزيت من بذور القطن، مغطية في إنتاجها نسبة 35-45% من الحاجة الاستهلاكية، بينما يبلغ عدد منشآت القطاع الخاص حوالي 30 منشأة يرتبط إنتاجها ارتباطاً وثيقاً بالاستيراد، حيث تقوم باستيراد البذور النباتية لتصنع منها الزيوت. إلا أن إنتاج القطاع العام يعاني من عدة مشكلات تجعل الكميات المنتجة لا تغطي هذه النسبة بشكل حقيقي، نظراً لكون الزيت المنتج بشكل رئيسي هو زيت بذور القطن، حيث يبلغ وسطي إنتاج الزيوت من بذور القطن حوالي 45-55 ألف طن زيت قطن مكرر، ولم تصنّع الدولة أي نوع آخر بشكل جدي، وهو من أقل أنواع الزيوت النباتية استهلاكاً في سورية، ويعود ذلك إلى نوعية أقل جودة، وسوء في التسويق. بينما لا يزيد إنتاج سورية من زيوت بذور عباد الشمس والصويا عن خمسة آلاف طن على الرغم من كميات استهلاكها الكبيرة، ووجود حوالي 30 منشأة خاصة تعمل في مجال صناعة الزيوت..