فساد كبير في استيراد الأكياس المستخدمة في الصناعة المحلية المليارات تهدر منذ سنوات.. وآخرها صفقة مع تركيا بـ5.1 مليون يورو!!
في صفقات الفساد بالشركات والمؤسسات الصناعية يختلط الحابل بالنابل لدرجة يصعب التمييز بين الوزير، والمدير، والمتعهد، والجابي، والمفتش، فالجميع منهمك في وليمة النهب والتزوير والسرقة، ومن لا يشارك في الوليمة يعاقب، وللقصاص أكثر من وسيلة لمعاقبته، وتحت عناوين عديدة، كالإساءة للاقتصاد الوطني، والتشهير بالقطاع العام، وعناوين أخرى عديدة..
فساد معلن
قبل سنوات تم تقديم معمل الورق في دير الزور إلى مستثمر سوري بالشراكة مع الدولة، ورغم اعتراضنا على هذا الوجه الأخر للخصخصة الذي سارت عليه الحكومة السابقة، وبتوجيهات من المنظمات الدولية، ولكن الأمل كان بأن يتم إقلاع هذا المعمل خصوصاً وأنه الوحيد في سورية، ولكنه تعثر في بداياته، وعاد ليقلع الآن، ولكن كيف؟! وما هي حصة الدولة؟! وما هي نوعية إنتاجه؟! ولا أحد يعلم كل ذلك حتى الآن، لكن المثير للجدل الآن هو موافقة الحكومة السورية الحالية على استيراد أكياس الاسمنت بمبلغ /5.1/ مليون يورو من شركة تركية!..
المهندس إبراهيم عباس مدير عام مؤسسة الاسمنت يقول في تصريح «لسيرياستبس» إن مجلس الوزراء كان قد وافق مؤخراً على تخصيص مبلغ /5.1/ مليون يورو لغرض استيراد أكياس الإسمنت خاصة بالمؤسسة، وأضاف أن العقد سيوفر على الحكومة السورية مبلغاً وقدره /165/ مليون ل.س سنوياً خلافاً للورق الذي كنا نستورده من «فيمبكس»، موضحاً أن العقد كان قد أعلن عنه قبل بداية الأحداث في سورية.
معمل «يتيم»
ورق الاسمنت متوفر بآلاف الأطنان لدى معمل ورق دير الزور، ومدير المؤسسة يقول إن العقد يوفر مبلغ /165/ مليون ل.س خلافاً للورق الذي كان يتم استيراده من «فيمبكس»، ولكنه لم يشر المدير إلى معمل ورق دير الزور، لكن ورق معمل دير الزور الأغلى سعراً من الورق التركي، وهذه كانت حجة معامل السكر التي كانت تستجر أكياس الخام من شركات النسيج بحجة أن سعر الكيس مرتفع، ولكنها تعاقدت مع تجار وسماسرة في القطاع الخاص لاستجرار أكياس «البولي بروبليين» على أنها أرخص، وهكذا خسرت معامل النسيج مئات الملايين لتصب هذه الملايين في القطاع الخاص.
سؤال مشروع
كيف تعمل الإدارات في القطاع العام؟! سؤال نستطيع الإجابة عليه مطولاً، ولكن أكتفي بالقول إن صفقة شراء أكياس الاسمنت هي صفقة فساد واضح، فهي مبررة من وزارة الصناعة، وبالتالي، باتت مبررة من جانب مدير المؤسسة، ومن مدراء الشركات، ولكنها ليست مبررة وطنياً ولا أخلاقياً،ً ولذلك جرى الإقلاع عن شراء الأكياس من شركات النسيج لشركات السكر، وتم شراؤها من القطاع الخاص بصفقات فساد غير مبررة، على الرغم من أن شركات النسيج قطاع عام وشركات السكر قطاع عام أيضاً.
الجدوى الاقتصادية
إذا كانت شركات ومعامل القطاع العام تخلو من خبراء في الاقتصاد لحساب الجدوى الاقتصادية، وهذا ما نلاحظه من خلال هذا الخلل الكبير، فإن هناك مؤسسات لكل قطاع من هذه القطاعات، وتضم هذه المؤسسات كادراً كبيراً من الموظفين الذين لا يعملون، بل اصبحت هذه المؤسسات عبئاً على الشركات من خلال المراسلات، والروتين، والبيروقراطية، والعمولات التي تتقاضاها من الأرباح، ولو كانت هذه المؤسسات تقوم بدورها بشكل صحيح لأنشأت مكاتب دراسات اقتصادية يتم من خلالها إيقاف صفقات كهذه، ولكن الفساد كما هو معروف يعشش بقلب هذه المؤسسات.
الكيس العجيب
كيس الاسمنت ليس جديداً، وقبل أكثر من /15/ عاماً أقام مستثمر سوري خطاً لإنتاج أكياس «البولي بروبلين»، وبتشجيع من مسؤول كبير، ووعده هذا المسؤول بأن إنتاجه سوف يصرف إلى شركات القطاع العام، (السكر، والحبوب، والاسمنت وغيرها)، إلا أن جميع الشركات رفضت آنذاك استجرار هذه الأكياس، وحاول استمالة البعض، ورشاوى البعض الأخر، وقد أجرت المخابر في سورية تحاليل لصلاحية هذه الأكياس، وخصوصاً في المواد الغذائية (السكر، والحبوب)، وخرجت نتائج متضاربة، بعضها يقول إنها لا تصلح، لأنها مصنعة من مواد كيمياوية، ومخابر أخرى قالت، إنها تصلح، ولكن تم رفض هذه الأكياس، ولجأ المستثمر إلى التهديد والوعيد والرشوة إلى أن حقق ما يريده.
تلاعب مفضوح
كلف المفتش (ن.خ) بالتفتيش في شركة الأسمدة عام 2003، وأثار في تحقيقاته موضوع التلاعب بالأسعار، والبيانات، والمناقصات، والمواد، وفي عام 2004 كلّف من رئاسة الجهاز المركزي التحقيق في الشركة بالقرار رقم /102/ تاريخ 25/2/2004 في قضايا الفساد بالشركة، وبعد اقل من شهرين من بداية التحقيق، ولأنه لم يزوّر الحقائق، ورفض عروض الرشاوى، والترغيب التي قدمت له، أوقف التحقيق تحت حجة «توجيه من فوق»، وتم تهديد المفتش بشكل مباشر أثناء قيامه بعمله، لأنه كشف سرقات بمئات الملايين، وحرم مصنعي أكياس «البولي بروبلين» من متابعة رفع اسعار الكيس التي كانت تتم تحت حجة ارتفاع أسعار النفط، وكشف المفتش فضائح ملف الأكياس الذي هو من أسوأ ملفات الفساد، حيث التلاعب، والتزوير، والرشاوى طيلة سنوات، بدءاً من إجازات الاستيراد، والبيانات الجمركية المزورة، والتلاعب بالأوزان، والمواصفات، ودرجة الجودة، وإجراءات فض العروض، ودفاتر الشروط، والتسعير، وصرف الاستحقاقات، وهذا كله مفصل في التقرير التفتيشي رقم /1.ن.خ/ تاريخ 1/7/2004 الذي حفظ من إدارة جهاز الرقابة المالية بحمص.
«المال الداشر بيعلم الحرام»
شركة الأسمدة بحمص وحدها تشتري يومياً بحدود /40/ ألف كيس، هذا قبل سنوات، وربح الكيس النظامي بحدود /70/ ق.س، وبذلك يكون ربح التاجر يومياً بحدود /30/ ألف ل.س من مبيعاته لشركة الأسمدة فقط، أما على أرض الواقع، فكان النهب اليومي للتاجر يتراوح بين /2.5/ مليون ل.س حسب اسعار الصفقة التي تراوحت بين /14 و21/ ل.س للكيس منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن، وهكذا فالملايين تستنزف من هذه الشركات، ولكن ليس إلى جيب التاجر فقط أو المستثمر بل إلى جيوب عديدة ومتنوعة، «فالمال الداشر بيعلم الناس على السرقة»..
من يحاسب؟!
المفتش الذي كشف تفاصيل هذا الملف، تورط وأخطأ لإثارته موضوع شراء /4/ مليون كيس بسعر /14/ ل.س للكيس، بينما كان العقد الذي سبقه أقل من /7/ ل.س، وبذلك، فإن المفتش أساء للكيس، حيث أنه بين وبالحسابات الدقيقة، وبالوثائق الرسمية، كيف تنهب المليارات من شركات القطاع العام، ومن جيوب المواطنين، وهذه جريمة يستحق عليها المفتش العقاب الشديد، لأنه بذلك يسيء «للفعاليات النظيفة في القطاع الخاص، وللإدارات الشريفة في القطاع العام»، كما قال له أحد المسؤولين في الجهاز المركزي للرقابة المالية. والسؤال المطروح هنا: لمصلحة من يحفظ الجهاز هذا الملف وغيره من ملفات الفساد حتى الآن؟! ولقد أقيل المفتش، وتم نفيه إلى المناجم، وقبله بسنوات أقيل مدير الشركة، لأنه كشف فضائح وفساداً، وأقيل ونفي عامل من المناجم، لأنه كشف سرقات بمئات الملايين، وعشرات الشرفاء من الذين دفعوا الثمن ولم يجدوا من يدافع عنهم أو من ينصفهم، والسبب الغيرة على القطاع العام وعلى المال العام.
فهل تعجز الدولة عن إقامة خط لإنتاج أكياس الورق لمعامل الاسمنت، أو أكياس «بروبلين» لشركات السكر، أو لمؤسسة الحبوب والمطاحن؟! ولا أعتقد أنها عاجزة، وهي ليست بصناعة معقدة، ولكن السمسرة، والشركات، والعمولات، والذي يمارس علناً بحق الوطن، وهي مؤامرة بكل معنى الكلمة!!