«الثروة الحيوانية».. أبسط البديهيات أعاقتها الليبرالية

«الثروة الحيوانية».. أبسط البديهيات أعاقتها الليبرالية

تخلو موائد السوريين من اللحم الأحمر.. بينما تشير الدراسات إلى الغنم السوري ومزاياه، وعوائده الافتراضية المحتملة فيما لو...!!

وفيما لو هذه مرتبطة ليس فقط بالقرار الاقتصادي الحكومي المباشر لحماية الثروة الحيوانية والاستفادة من كامل عوائدها الممكنة، وإنما مرتبطة بتغيير جذري في آلية العمل الاقتصادي، لأن الآلية الحالية تمنع السير في أبسط البديهيات الاقتصادية التي تحقق عوائد وتشابك وقيم مضافة..

فالثروة الحيوانية تراجعت بالمطلق مع رفع الدعم غير المباشر عن الأعلاف، حيث رُفع الدعم حين تراجعت المحاصيل العلفية ولم تلق اهتماماً وتراجعت حصة المؤسسات الحكومية في تأمين الغذاء الحيواني، وفي تقديمه بسعر أقل من سعر السوق.. بينما بقيت صناعة الأعلاف بلا دعم أو تركيز، ليبقى تجار الاستيراد والمحتكرون القوة الرئيسية في السوق.. هذا المفصل الذي مررته «سياسات التحرير الاقتصادي» أدى إلى رفع أسعار الأعلاف ومايتبعه من سلسلة رفع أسعار اللحوم وتهريبها واستيرادها وكل ما ينفع حلقات الفساد والريع.

 اليوم اللحم المستورد أساسي في السوق السورية، والبلدي معد للتهريب أو للاستهلاك الترفي.. عودة إلى 2009 وواقع الثروة الحيوانية ومؤشرات الخطر.. مع نظرة على أسعار اللحوم خلال عامي الأزمة في هذه الصفحة لإلقاء الضوء على الثروة الحيوانية ولحومها كمكون غذائي رئيسي..

الأغنام ميزة نسبية.. وموائدنا بلا لحمة!!

يحتل قطاع الإنتاج الحيواني مكانة مهمة في الاقتصاد السوري، حيث يوفر مادة استهلاكية مهمة، ويساهم كذلك في توفير القطع الأجنبي على اعتبار أن اللحوم تشكل مادة تصديرية هامة.

وتؤكد الدراسات أن السلالات الحيوانية المحلية  تتميز بمقدرتها على الاستجابة لتحسين الظروف البيئية ما يسمح بظهور طاقاتها الوراثية الكامنة، وحسب التجارب فإن العديد منها قادر على الاستجابة للتحسين الوراثي وزيادة الإنتاج، لكن الإنتاج الحيواني يواجه العديد من المعوقات الأساسية وفي مقدمتها نقص الموارد العلفية وتقلباتها وفقاً لمعدلات الأمطار وارتفاع أسعارها، وانحسار المراعي الطبيعية في البادية نتيجة فلاحة الأراضي وزراعتها واستخدام أساليب تقليدية في التربية وشح الميزانيات المخصصة للاستثمار في البحث العلمي إضافة إلى المعوقات التي تواجه السياسات والنظم المؤسسية، كما تشتهر سورية بعرق أغنام العواس الذي تتركز تربيته في البادية السورية ويمثل 90% من الأغنام السورية، يعتبر هذا العرق من أفضل عروق الأغنام ملائمة للظروف المناخية القاسية وأكثرها تحملاً للجفاف والجوع والمشي لمسافات طويلة

رؤوس الأغنام في تناقص مستمر

تطور عدد الأغنام في سورية خلال الفترة 1995-2005 بمعدل نمو سنوي (4.1%)، ووصل في عام 2007 إلى 22 مليون و865 ألف رأس غنم، ومن ثم بدأ العدد بالنقصان حيث وصل في عام 2008 إلى 19 مليون و237 ألف وفي عام 2012 بلغ 18 مليون و862 ألف وذلك حسب اتحاد الغرف الزراعية السورية، وتدل تلك الأرقام على تراجع جدي في أعداد رؤوس الأغنام إذا أخذنا بعين الاعتبار التزايد في أعداد السكان.

 إن تراجع عدد الأغنام جاء نتيجة عوامل متعددة منها ما هو متعلق بتداعيات الجفاف، ومنها ما هو متعلق بعدم وجود خطوات محددة و فاعلة للمحافظة على الثروة الحيوانية و معالجة مشاكلها و توفير احتياجاتها، إضافة إلى تعرض المربين لخسائر كبيرة في الوقت الذي نشأت فيه طبقة جديدة من الأثرياء جراء المتاجرة بها و استغلال المربين و المستهلكين معاً.

الخسارة الناتجة عن انخفاض عدد الأغنام

بالمقارنة بين عامي 2007وعام 2009 والتي بلغ فيها عدد رؤوس الأغنام 18.3 مليون رأس يمكن حساب الخسارة الناتجة اعتماداً على المؤشرات الفنية التالية لوزارة الزراعة:

بلغ عدد الأغنام في سورية في عام 2009: 18.3 مليون رأس، إن الولادة المحتملة في كل عام تشكل(80% من عدد القطيع (وتساوي 14.6 مليون رأس، نصف هذه المواليد ذكور وتساوي  7.3 مليون رأس ونسبة النفوق بالمواليد المعتمدة تصل إلى 10 % وتساوي 733   ألف رأس من الذكور وبهذا يصبح لدينا حوالي 6.6 مليون رأس ذكور أغنام معدة للتسمين والذبح، نسبة الإناث غير اقتصادية التربية والتي تسمح بتنسيقها وذبحها تساوي 20 % من عدد القطيع الإجمالي وتساوي 3.6 مليون رأس سنوياً فيكون العدد الإجمالي من الأغنام الذكور والإناث المعد للتسمين والذبح حوالي 10.2 مليون رأس سنوياً، ما يتم ذبحه في القطر من خلال المذابح الفنية وسواها حوالي 8 مليون رأس يضاف إليها حوالي 500 ألف رأس تذبح في موسمي الأضاحي والسياحة، أي يمكن إيجاد فائض من الخراف المحلية للتصدير بحدود 1.6 مليون رأس سنوياً دون أن يتأثر السوق ويحافظ على توازنه، وعلى اعتبار أن الكيلو غرام الواحد من لحم الغنم يحقق ربح مقداره 71 ل.س فإن الربح الكلي يبلغ حوالي 36 مليار ل.س، وإذا حسبنا نفس الأرقام بالنسبة لعام 2007 نجد أن الربح الكلي يبلغ حوالي 29 مليار أي أن الفارق في الربح حوالي 7 مليار ليرة سورية وهو ما يعتبر فاقد نتيجة تناقص عدد رؤوس الأغنام في سورية خلال سنتين فقط.

أسعار الأعلاف وكيلو الغنم

أتاح انخفاض الدعم المخصص للثروة الحيوانية الفرصة لتجار السوق السوداء للتحكم بأسعار الأعلاف. شهد عام 2009 ارتفاع كبير في أسعار الأعلاف أدى بالتأكيد إلى تراجع لاحق في الثروة الحيوانية، حيث ارتفع سعر كيس العلف في المؤسسة العامة للأعلاف من /575/ ليرة إلى /1100 / ليرة وفي القطاع الخاص وصل سعر الكيس إلى /1900/ ليرة والدعم يقدم للمربي مقدار كيس واحد كل ثلاثة أشهر بينما الحاجة تصل إلى /6/ أكياس علف بالشهر الواحد، ويأمل المربون من الجهات المعنية تأمين الأعلاف بكميات كافية وبيعها للمربي بسعر التكلفة مضافاً لها أجور عادلة تنصف المربين وتحافظ على استقرار الأسواق حيث رافق ارتفاع الأعلاف في عام 2009 انتقال أسعار لحوم الأغنام الحمراء إلى سعر 1000 ل.س/كغ ليصبح وجودها على المائدة ترف تخلت عنه معظم العائلات السورية في بلد طالما اعتبرت فيه اللحوم ميزة نسبية.