واجعلوها عاصمة الكون..
حسني العظمة حسني العظمة

واجعلوها عاصمة الكون..

فيما يلي الاستنتاجات التي خلص اليها الفقير إليه تعالى في محاضرته بعنوان «دمشق الكبرى 2025: حلم التنمية العمرانية أم كابوس الخراب البيئي؟» المقدمة بمؤتمر «المدن السورية الكبرى في سيرورة العمران المعولمة» المنعقد في حلب 15-17/3/2010

هل من مشهد مستقبلي بديل؟

انطلاقاً من المعطيات الواقعية لدمشق وبيئتها الحاضنة، وبالرأي المتواضع لكاتب هذه السطور، لم تعد تكفي خطط التنمية العمرانية المحلية وأدوات التخطيط المجالي أو الإقليمي لإخراج دمشق من مأزقها، فالمشكلة موجودة في دمشق ومحيطها لكن الحل خارجهما.

التوازن مختل بشدة بين السكان والموارد، ولابد من إحداث تحول عميق في التخطيط الوطني الاستراتجي يتلخص بوقف أي نمو اقتصادي أو غير اقتصادي جاذب للسكان متروبول دمشق، وبات من الضروري النظر بكيفية تحويل دمشق ومحيطها إلى مكان طارد للسكان مع تطوير مراكز جذب سكاني بديلة وبعيدة. وهذا ما يتطلب تفكيك وظائف دمشق على مستوياتها المختلفة وإحالة ما لا يلزمها من وظائف إلى مكان آخر، وسنتناول ذلك باختصار شديد في الخطوط العريضة التالية:

أ ـ دمشق مركز المحافظة: رغم أن مدينة دمشق لم تعد مركزاً إدارياً محلياً سوى لنفسها نجد أن معظم إدارات وفعاليات محافظة ريف دمشق تقع إما فيها أو في مدن الطوق الملاصق. وقد لا يكون ممكناً تغيير هذا الوضع إلا بفصل محافظة ريف دمشق إلى محافظتين: واحدة شمالية يكون مركزها في مدينة التل الواقعة في القاطع الجبلي خارج الغوطتين، والثانية جنوبية يجب أن يبتعد مركزها عن دمشق أكثر كي لا يؤثر نموه المستقبلي المؤكد على الغوطتين (ربما تكون مدينة الكسوة هي المكان الأنسب).

ب ـ دمشق الحاضرة الإقليمية (تحت-الوطنية) للإقليم الجنوبي في القطر: وظيفة اقتصادية وثقافية يمكن التخفيف من وطأتها عن طريق تنمية مكثفة للصناعة والخدمات والتعليم العالي في مراكز تنموية بعيدة عن دمشق وخارج حوضها المائي (درعا ـ السويداء ـ مثلث النبك ـ يبرود ـ ديرعطية إن أمكن تعزيز موارده المائية).

ت ـ دمشق الحاضرة الوطنية: وظيفة اقتصادية وثقافية يمكن التخفيف من وطأتها عن طريق:

ـ استعادة زخم وظيفة حلب التاريخية (اقتصادياً وثقافياً ومعنوياً) كحاضرة وطنية ثانية موازية لدمشق بالأهمية.

ـ تطوير دور الحواضر الإقليمية (تحت الوطنية) البازغة (حمص ـ اللاذقية ـ دير الزور).

ث‌ـ دمشق العاصمة: هذه وظيفة مزدوجة يمكن (ويجب) تفكيكها إلى وظيفتين:

ـ العاصمة الإدارية: هذه الوظيفة يمكن تخفيف وطأتها بأدوات اللامركزية الإدارية (تطوير الإدارة المحلية وإحالة المزيد من الصلاحيات إلى مراكز المحافظات)، ويمكن أيضاً إزالتها بالكامل بإحداث مدينة إدارية جديدة في وسط القطر (شرق العاصي، حيث يجب أيضاً تكثيف التوطن البشري واكتساب مساحات معمورة جديدة من شأنها تحسين التوزع السكاني في القطر)، عاصمة تكون أقرب لوجستياً (ومعنوياً) إلى معظم باقي المحافظات، وخاصة المحافظات الشمالية والشرقية التي تعاني من تنائي الوزارات الاقتصادية والخدمية عنها ومنها.

ـ العاصمة السياسية: حمولة دمشق التاريخية والحضارية، وتوسطها الجغرافي ومركزيتها في بلاد الشام، السياسية والرمزية (والسيادية المستعادة ذات يوم، كما نؤمن)، تجعلها العاصمة السياسية البديهية للقطر، كمركز لرئاسة الدولة ومجلس الشعب ورئاسة الحكومة وكمقر للوزارات السيادية والمصرف المركزي، وما عدا ذلك يمكن إحالته إلى العاصمة الإدارية المقترحة.

ج ـ دمشق حاضرة الشام الكبير وأحد أهم حواضر العرب وأقدم عاصمة ومدينة حية في العالم: هذا الدور الثقافي والمعنوي الكبير، دمشق المكانة التي ستقوى لو تخففت دمشق المكان من أحمالها الزائدة المنهكة.