واقع المدن الصناعية.. من واقع المدن الرئيسية
عانت المدن الصناعية الرئيسية الثلاث في سورية من تبعات الأزمة التي أكملت عامها الثالث، فالمدن الصناعية الرئيسية التي تتركز في مدن سورية الكبرى حلب، دمشق، وحمص، طالها ما طال المرافق العامة وجميع مظاهر الحياة في هذه المدن، ولكن بينما كان لمدينة الشيخ نجار بحلب النصيب الأكبر من الدمار، ولم تفلح مطالبات الصناعيين التي نادت بحماية المدينة مسبقاً، بأن تؤخر من مصير التوقف الكامل
فإن كلاً من مدينة حسياء في حمص مؤمنة بنسبة 100% بحسب تصريحات المسؤولين عنها خسرت في عام 2012: 93% من إيراداتها، والمدينة الصناعية الأكبر الواقعة في عدرا في ريف دمشق لم تتوقف بالكامل، على الرغم من التراجع الكبير في إنتاجية منشآتها التي استطاعت الاستمرار، ولكن التوقف ترافق مع توسع نسبي فرضته ظروف الحرب الأشد صعوبة في مناطق أخرى، لتتحول عدرا الصناعية إلى منطقة آمنة نسبياً تضم الورش والصناعات الصغيرة الهاربة من غوطة دمشق الملتهبة!!
عدرا الصناعية.. لجوء الورش والمدنيين!
تعتبر مدينة عدرا الصناعية من أكبر المدن الصناعية في سورية، حيث تبلغ مساحتها الإجمالية 7 آلاف هكتار، مقسمة بالتساوي بين المناطق الصناعية، والمناطق التجارية والسكنية، وبالتالي، لم تسلم عدرا الصناعية كغيرها من المناطق السورية وفي ريف دمشق تحديداً، من الخسائر والأضرار تأثراً مباشراً وغير مباشر بالأزمة السورية والأحداث، ولكن الخسائر والأضرار الموثقة تعود لعام 2012 فقط. حيث وصلت قيمة الأضرار التي لحقت بمدينة عدرا الصناعية لغاية 31/12/2012 حوالي 20.7 مليون ليرة سورية، وتوقفت 1577 منشأة من أصل 1778 كانت تقلع بالبناء، ومن أصل 436 منشأة كانت قيد الإنتاج توقفت 115 منشأة، وتعطل 39976 عاملاً من أصل 47220 عاملاً في المدينة، حسب بيانات وزارة الإدارة المحلية.
المدينة واستيعاب ورش الريف..
لم يتراجع عدد المنشآت العاملة في المدينة، ولكن جرت تغيرات على حجم هذه المشاريع، حيث تشكل المنشآت الصغرى والحرفية التي كانت تتواجد في ريف دمشق ما يقارب نصف المنشآت العاملة في المدينة الصناعية اليوم.
وللتعرف على واقع مدينة عدرا الصناعية في الوقت الراهن، التقت (قاسيون) مدير المدينة زياد بدور الذي تحدث قائلاً: تحتوي مدينة عدرا الصناعية حاليا على 906 منشأة صناعية وحرفية قائمة، معظمها من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، تشمل 469 منشأة مرخصة إدارياً، و437 منشأة انتقلت بشكل مؤقت إلى المدينة خلال 2013، نتيجة للظروف الراهنة.
90% من طاقة ما قبل آخر معركة!
كان الهجوم الذي حصل على مدينة عدرا العمالية هو أكثر المعارك قرباً من المدينة الصناعية،ولكنه لم يؤد إلى تأثيرات على المدينة الصناعية من حيث الأضرار المباشرة، إلا أنه أدى إلى قطع طريق الوصول إلى المدينة لمدة 20 يوماً، وهي الفترة التي قطع فيها الطريق مع دمشق، إلا أنه حالياً مفتوح لمدة ثلاثة أيام بالأسبوع، ويتم اعتماد طريق الغوطة للوصول إلى المدينة، بدلاً من الطريق الأساسي..
وقد ساعدت الورش والمنشآت على الرغم من حجمها الصغير، على إعادة المدينة لتعمل بنسبة عالية من طاقتها الإنتاجية، وفي هذا السياق ذكر مدير المدينة: "المدينة الصناعية تستوعب أكثر من 11 ألف منشأة، في حين وافق مجلس إدارة المدينة على إنشاء 300 مشروع متناهي الصغر، وتمت استعادة 90% من الطاقة الإنتاجية للمدينة قبل الهجوم الأخير على المنطقة، فضلاً عن تمكن المدينة من استقطاب المنشآت المتضررة من خارج المدينة الصناعية في محافظة ريف دمشق.."
إيواء الحرف..طريقة تعويض
المنشآت المتضررة في الريف انتقلت إلى المدينة الصناعية حيث تندرج العملية جزئياً ضمن إطار التعويضات، ويذكر بدور: "تم إعطاء أصحاب المنشآت المتضررة أرضا مع تأجيل الدفعة الأولى لحين صدور جدول التعويض، وتقسيط المبلغ لمدة عشر سنوات، مع عدم دفع أي استحقاق إلا حين صدور مبلغ التعويض المقرر له، حسب الضبط المقدم إلى لجنة التعويضات في محافظة ريف دمشق."
أراض لفعاليات جديدة
وأشار مدير المدينة الصناعية إلى دخول فعاليات جديدة للاستثمار في المدينة، حيث تم تخصيص أرض لغرفة صناعة ريف دمشق، بمساحة 110 دونمات لإقامة تجمع للصناعات الصغيرة والمتوسطة، يضم 330 منشأة، فضلا عن تخصيص نقابة المهندسين بأرض مساحتها 180 دونما، لإقامة مجمع للصناعات الإنشائية، وتخصيص نقابة الصيادلة بـ 90 دونما لإقامة مجمع دوائي، مع استقطاب المزيد من الصناعيين والحرفيين إلى المدينة." ونوه بدور إلى أن آلية توزيع الأراضي المشتراة من تلك الجهات، لا علاقة لإدارة المدينة الصناعية به، بل يخضع للجهة المالكة ورغبتها.
وحول مشروع التشغيل في المدنية، أوضح بدور، إنه تم الاتفاق على إنشاء مكتب متقدم للهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، يقوم باستقبال الباحثين عن عمل، ويسجل طلباتهم وإنشاء قاعدة بيانات تتضمن أسماءهم وفرص العمل الشاغرة لدى أصحاب العمل، وحاجة المصانع قيد الإنشاء من اليد العاملة، فضلاً عن استقبال أو زيارة أصحاب العمل الراغبين الاستفادة من البرنامج.
تخفيض الدفعات الأولى.. طريقة الجذب
تم تعديل أنظمة الاستثمار في المدن الصناعية / عدرا- الشيخ نجار- حسياء/ خلال الأزمة لجهة تخفيض الدفعة الأولى من قيمة المقاسم لتتراوح بين 15 -30 %، وهذا يشمل الحرفيين والصناعيين على حد سواء، وذلك في إطار تشجيع الصناعيين لنقل منشآتهم الموجودة في مناطق ساخنة إلى تلك المدن الآمنة التي تتوفر فيها المقاسم المخدمة وفق تسهيلات وقوانين.
نازحون في المعامل
فاق عدد النازحين إلى مدينة عدرا العمالية قبل الأحداث الدائرة فيها 50 ألف شخص، بينما يضم مركز الإيواء الحكومي في الدوير حوالي 273 عائلة، أي بوسطي 1185 شخص أو ما يزيد عنهم قليلاً!! بينما الجزء المحظوظ الذي استطاع الخروج من المدينة المنكوبة فيستقبله معمل اسمنت عدرا، ومركز تعليم قيادة المركبات.. إدارة المدينة العمالية تشير إلى أنها ستعمل على تأمين 6000 فرصة عمل لتزويد الصناعيين بقوة العمل المطلوبة، وسيكون للنازحين الموجودين في المدينة الصناعية بعد تدريبهم نصيب منها، كما تتوعد المدينة الصناعية بأن مشروع بناء مساكن للمهجرين سيبدأ في المدينة، والمخطط إنشاء 7000 منزل.
أضرار ووقائع من 2012-2013
أشار تقرير لوزارة الإدارة المحلية صادر في عام 2012 إلى التراجع الكبير في واقع العمل في المدن الصناعية الرئيسية الثلاث، وإلى توقف كامل في المدينة الصناعية حديثة العهد في دير الزور، ومنذ ذلك الحين بقي توسع الدمار والتراجع الإنتاجي والاقتصادي هو خط السير العام، فتوقفت مدينة الشيخ نجار بالكامل، بينما استعادت حسياء الصناعية في حمص جزءاً من إنتاجها، أما عدرا فقد بقيت ضمن إطار المناطق الآمنة، مع تباين في النتائج تفرضه الظروف المعقدة لريف دمشق الواسع والمنتج، الذي فرض توسع العمل في المدينة من حيث كم المنشآت، على الرغم من ظروف الإنتاج المعقدة..
الإدارة المحلية لم تنشر تقريراً لاحقاً في عام 2013، إلا أن إدارة المدينة الصناعية زودتنا ببعض الأرقام الهامة:
• عدد المعامل المنتجة تراكمياً: 469 معملاً في عام 2013، بزيادة 158 معملاً عن عام 2010.
• عدد العمال التراكمي: 49042 عاملاً في عام 2013، بزيادة 5682 عاملاً عن عام 2010.
• حجم الاستثمار التراكمي: 286 مليار ل.س في عام 2013، بزيادة 52 مليار ل.س عن عام 2010، بنسبة 40% استثمارات عربية وأجنبية حتى اليوم.
• بلغت قيمة الإيرادات السنوية التراكمية لمدينة عدرا الصناعية حتى نهاية عام 2012، 11,415 مليار ليرة سورية، بينما بلغت إيرادات عام 2012 قيمة 495 مليون ليرة، بينما لم تتوفر بيانات حول وجود أم عدم وجود إيرادات في عام 2013، كما لا يتضح إذا ما كانت الفوارق بين 2010، و2013 تعود إلى عام 2011، حيث المؤشرات العامة لتراجع 2012 كبيرة ومتسارعة.
وكانت وزارة الإدارة المحلية، أوضحت أن إجمالي الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت المدن الصناعية في سورية مجتمعة في عام 2012، بلغ 182 مليار ليرة سورية. وجاء في الإحصائية الصادرة عن الإدارة المحلية، انه من أصل 180 مليار ليرة سورية هناك: 416 مليون ليرة أضرار مباشرة على البنية التحتية للمدن الصناعية، فيما بلغ عدد المنشآت المتوقفة عن البناء 3360 منشأة وعدد المنشآت المتوقفة عن الإنتاج 548 منشأة ، في حين تعطل 87484 عاملا عن العمل في هذه المنشآت.