مطبات: جرارات الزراعة الوطنية
جرارات الفرات تشبه الواقع الزراعي تماماً في سورية، وكذلك لا تبتعد عن دفة الإنتاج في القطاع العام من حيث تهالكها ونظم إدارتها البالية، وكذلك الإهمال الكبير الذي أودى بها إلى أن تقف اليوم عاجزة عن المنافسة، والإنتاج.
بالأمس.. وافق مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وتوصية اللجنة الاقتصادية على السماح باستيراد الجرارات الزراعية المستعملة باستطاعة 110-150 حصاناً، والآليات الزراعية المستعملة مع قطعها التبديلية وفق الشروط والضوابط المحددة لذلك).
ولكن من يعرف واقع معمل الجرارات الحزين لا يستغرب قراراً كهذا، ولكنه ربما يصاب بالدهشة من طريقة الحكومة في التعامل مع ما تتغنى بدعمه، وما خصصت له من ملايين في ميزانياتها، والذي أقرت له الدروس ليتعلم أطفال البلد أننا بلد زراعي، وأن معاملنا لا تتوقف عجلة دورانها عن الإنتاج.
شركة جرارات الفرات أحدثت من أجل أن تنقل الفلاح هنا إلى نعمة الآلة بعد أن أحنى ظهره المحراث العتيق، وسكة الفلاحة التي تجرها الدواب، والزمن الذي يجره إلى الوراء (حسب صديقي السوداني)، ولكنها الآن وبعد عشر سنوات من التقهقر وصلت ديونها إلى مليار ليرة سورية، وتعطلت عن الإنتاج بانتظار محركاتها التي توقفت بسبب الحصار، وغياب الشريك المؤسس الإسباني حتى عن اجتماعات الشركة منذ أكثر من عشرين عاماً.
الشركة التي فشلت كما شركات القطاع العام الأخرى في دفع رواتب عامليها، وكذلك التراكمات الفنية والقانونية في علاقاتها مع شريكها أولاً، وأزماتها مع الجهات الحكومية الأخرى، بالإضافة إلى عدد الدعاوى الهائل الذي بلغ 1410 دعاوى قصمت ظهر الشركة بأعباء مالية كبيرة.. هذه الشركة حاولت مراراً إنقاذ نفسها وعامليها سقطت بين ديونها الجديدة بسبب قروض ترميم واقعها المتعثر وبين التزاماتها الضخمة.
واقع عمال الشركة لا يختلف عن واقعها، وتقول تقارير اقتصادية إن أغلبهم بفضل تصفية حقوقه ومستحقاته في ضوء انخفاض الأجور وفقاً لقانون العاملين الأساسي، وعدم قدرة الشركة على الاستمرار بالتزاماتها، وخصوصاً الشريك الاسباني الذي لم تنه الشراكة معه، وارتفاع نسبته من الشراكة، وتعثر إدارتها في الحصول على شريك جديد، وقروض طويلة الأمد.
من المحاولات التي قامت لانتشال الشركة من واقعها هو التصرف بالعقارات التي تملكها، وهنا تتوقف المحاولة عند كونها جزءاً من مال الشركة والتصرف بها بيعاً أو استثماراً يحتاج لموافقة إدارة الشركة، وفي ظل غياب أحد الشركاء يتعذر اتخاذ أي قرار بذلك، إضافة إلى عقارات مشغولة من جهات عامة.
هذا كله حال دون تنفيذ المرسوم 52 تاريخ 14/4/2011 الذي ينص على إحداث شركة جديدة لتصنيع وتوزيع الآلات الزراعية.. وبالتالي لا يمكن التفريط بحقوق 1000 عامل بها، وسيترك الباب مفتوحاً على خسائر متتالية في ضوء الحصار، وصمت الشريك، وسلسلة الانتكاسات التي تواجه إنتاجها، وحلول واهية لا تنقذ غريقاً أو تشفي عليلاً.
الحديث عن واقع شركة الفرات للجرارات ليس سوى محاولة للاقتراب من معاناة الشركات الوطنية التي عندما تأسست هلل لها، وقدمت كعناوين وانجازات كبرى ستنعكس على واقع الوطن، وستنتشل العامل والفلاح من معاناة طويلة في ظل اقتصاد يعتمد على الزراعة.
في خططها الخمسية السابقة فعلت الحكومة كل ما باستطاعتها لفتح باب الاستثمار على قطاع الخدمات، وقدمت للمستثمرين كل سبل الراحة، وعدلت القوانين والتشريعات، وفتحت المدن الصناعية، وعقدت الندوات ومؤتمرات الاستثمار، ورحبت بالمشاريع التي ستنتقل بنا إلى اقتصاد السوق الاجتماعي... والنتيجة كانت مواطناً دون غطاء من الغلاء والاستغلال، واقتصاداً مفتوحاً على الاحتكار وفوضى الاستهلاك.
أما الزراعة، جوهر اقتصادنا، فالمواسم تتوالى بانتظار الخير من السماء.. السماء فقط.. فمن على الأرض لم يقدموا حتى الآن، ما يمكن أن يجعل أحداً يراهن عليهم!.