الوجه الآخر للفساد.. وزراء ينتهكون تعاميم يصدرونها!!
أسطوانة تتردد منذ سنوات عديدة على ألسنة الاقتصاديين والمتخصصين، وكذلك يقول بها المسؤوليو على اختلاف المراحل الزمنية، وهي أنه «لم يعد مقبولاً الهدر في الإنفاق العام»..، فالنائب الاقتصادي في حكومة العطري رددها بشكل دائم دون أن يأتي ذلك بثمار فعلية في إيقاف ولو جزء من الهدر الحاصل فيالمؤسسات العامة، والآن يردد أكثر من وزير في الحكومة الحالية الاسطوانة ذاتها دون أن تتخذ هذه الجهات الوصائية أي إجراء في مكافحة أحد أبرز أشكال الفساد الذي يستنزف الاقتصاد الوطني، ألا وهو الهدر الحاصل بالإنفاق العام.
هدر بمسميات مختلفة
لن نتحدث هنا عن الهدر الحاصل بالموارد البشرية في شركات ومؤسسات القطاع العام، ولا عن حجم الخسائر المباشرة التي تلحق بالاقتصاد الوطني بسبب المناقصات، والصفقات، وإصلاح واستيراد قطع تبديلية بمواصفات مخالفة، أو هدر مواد أولية، أو توقف الإنتاج، بل إن القضية هنا تختلف ولها وجه آخر، نعم لهاوجه أخر خصوصاً مع العقوبات الاقتصادية على سورية الآن.
رصد اعتمادات لصفقات الفساد
يعاني القطاع العام الصناعي بشكل خاص من تزايد خسائره، ومن توقف وحدات عديدة فيه عن الإنتاج، ومن هدر وفساد، ومن صعوبات لا حصر لها أبرزها، عدم توفر الاعتماد اللازم لإصلاح بعض الخطوط الإنتاجية المتوقفة والمتعثرة، وفي الوقت ذاته، تطلب وزارة الصناعة من مؤسسة التجارة الخارجية موافقتهاعلى استيراد سيارة «ليكزيس»، وقد وافقت المؤسسة على هذا الطلب، وقد يبدو هذا الخبر عادياً جداً أمام هدر مئات الملايين في صفقات فساد في القطاع العام الصناعي، أو الإنشائي، أو الإداري.. ولكنه الآن، وفي هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الوطني، يجب أن تثار العديد من الأسئلة حول مبررات استيرادمثل تلك السيارة الفارهة؟! وعن مدى الحاجة إليها لعمل المؤسسة فعلاً؟! فالسيارة ثمنها /25/ مليون ليرة سورية، وتم شراؤها خصيصاً لأحد مسؤولي وزارة الصناعة من أموال القطاع العام؟! والسؤال الذي لا بد من طرحه هنا: كيف يتم تأمين هذا المبلغ لشراء هذه السيارة، بينما تعجز الوزارة عن تأمين مكافأة لعمالالإنتاج أو تعجز عن تأمين المادة الأولية لأية شركة إنتاجية؟!.
حالات متكررة
هذه الحالة ليست منفردة ووحيدة، بل إنها تتكرر بشكل دائم في المؤسسات العامة، فقد سبق لوزير الكهرباء في حكومة العطري السابقة شراء أربع سيارات من النوع نفسه، وسعر الواحدة منها نحو 25 مليون ليرة سورية فقط، وسبقه إلى ذلك أيضاً النائب الاقتصادي في حكومة العطري، من خلال تجهيز مكتبه بمبلغ 1.5مليون يورو تقدمة من الاتحاد الأوروبي، وخلال اجتماع المجلس العام لاتحاد نقابات العمال، سأل رئيس اتحاد عمال دمشق: «أنا أعطيك هذا المبلغ من اتحاد دمشق لكي لا تكون رهينة للاتحاد الأوروبي»، فرد النائب الاقتصادي قائلاً: «هذا المبلغ من حقي»!.
الوزراء يتنصلون من تعاميمهم
تصدر سنوياً تعاميم متكررة عن رئاسة الوزراء، وعن مدراء الشركات الصناعية والإنشائية في القطاع العام، لتؤكد على ضرورة استجرار الألبسة العمالية والأحذية من شركات القطاع العام، وذلك بهدف التكامل بين الشركات، ورغم هذه التعاميم، فإن أكثر الإدارات تضرب بها عرض الحائط، ولا تلتزم بموجبها بالشراءمن هذه الشركات العامة، والأسباب واضحة، ولا تعود بالضرورة لعدم الرغبة، أو لسوء في المواصفات، وإنما بسبب الفساد، وتزوير الفواتير على حساب العمال والشركات، ويجري كل ذلك سنوياً، وتتكرر تلك الحالات، دون مساءلة أو محاسبة، وقد أدى ذلك إلى تراكم الإنتاج في شركة الأحذية وفي شركات النسيج.
فهذه الإدارات تمارس هذا التمادي في نهب القطاع العام علناً، والوزارة والمدراء العامون الذين يصدرون تعاميم الاستجرار من القطاع العام، هم أول من ينتهك هذه التعاميم، والأمر لا يقف على هذا التجاوز، بل هم أيضاً يستجرون آلاف السيارات الفارهة سنوياً للوزراء وللمدراء من أمريكا، واليابان، والسويد، وألمانيابمبالغ خيالية، في حين تنتج سورية سيارة «شام» منذ سنوات، وهي سيارة وطنية، وحتى قيادات المنظمات الشعبية تأنف ركوب السيارة الوطنية، والسؤال الذي نطرحه: لماذا أقيم هذا المعمل إذا كان ما ينتجه متخلفاً أو منسقاً حسب رأي الجهات الوصائية؟!.
الهدر يفوق الدعم
يطالب وزير النفط سفيان العلاو بشكل دائم على ضرورة ترشيد فاتورة سورية من المشتقات النفطية، ويتحدث دون انقطاع عن المبالغ الكبيرة التي تدفع لدعم مكونات الطاقة، والتي تعادل 60% من الناتج الإجمالي المحلي بحسب التصريحات الحكومية، وهنا لا بد من سؤال السيد الوزير عن المبالغ التي تدفع شهرياًللوزراء، وللمدراء، وللقيادات السياسية والنقابية بشكل عام على شكل «بونات» مصاريف لسياراتهم! وهذه البونات التي تتراوح شهرياً لكل مسؤول بين 200 لتر إلى 600 لتر بنزين في الظروف العادية، بالإضافة إلى المهمات، وهذه المبالغ تفوق الدعم المقدم للمواطن السوري، كما أن نصف رقم الفاتورة النفطيةالمفترضة يذهب للمسؤولين وحدهم!.
فساد في الظل
التنمية الحقيقية هي التي تحقق توازناً بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهنا لا يمكن القول إن التلوث في مكان ما كان نتيجة سياسة تنموية مبررة، ومن ثم تبرير ما يحصل، فالتلوث في سورية يتجاوز النسب المسموح بها عالمياً بآلاف المرات، كما أن نسبة الوفيات بسبب التلوث في الهواء، وصل إلى6000 شخص سنوياً، بالإضافة إلى الأمراض المتعددة التي نكب بها الشعب السوري، حيث تفوق الخسائر الاقتصادية جراء ذلك 11 مليار ليرة سورية حسب آخر الإحصائيات.
وشركة الأسمدة في حمص تتكبد سنوياً مئات الملايين من الدولارات ليس لمعالجة التلوث، وإنما ضريبة التلوث التي تدفع لمافيا تشكلت في الشركة وما حولها، من خلال التعويضات التي تدفع سنوياً لأصحاب الأراضي المجاورة للشركة، ومن خلال شراء أراض مجاورة للشركة بمبالغ كبيرة، فالتلوث موجود، وهو يطالالأرض، والمياه، والشجر، والمزروعات، والإنسان، ولكن ما هي أسباب حدوث هذا التلوث الكبير في البيئة السورية؟!
وقد قال كيميائي في شركة الأسمدة بحمص أنه «قبل سنوات كنا نتجه إلى دراسة أسباب التلوث، ووضع الحلول المناسبة له، وتنفيذها على أرض الواقع، وذلك من خلال تحسين مردود المعدات والتجهيزات، وذلك عن طريق الصيانة المبرمجة والعلمية لآلات الشركة، وتحسين ظروف التشغيل والاستثمار، ورفع مردودالتحويل للعمليات الكيميائية المختلفة، وتشديد الرقابة على التحاليل المخبرية، واعتمادها كدليل أساسي لمراقبة النتائج وتطوير العمل، وقد أدى ذلك آنذاك إلى زيادة كمية الإنتاج ونوعيته، وإلى تخفيض التكلفة لواحدة المنتج، ووفر ملايين الدولارات التي كانت مطلوبة لمعالجة التلوث، ولكن هذه الإجراءات قطعت الأرزاقلذلك تضاعف التلوث، وتضاعف الملايين المهدورة.
وكدليل على إمكانية تفادينا للتلوث الحاصل من تلك المعامل، أكد لنا الكيميائي في شركة الأسمدة بحمص: «أن أحد أكبر معامل الأسمدة في مصر موجود في قلب مدينة المنصورة، ومع ذلك لا يوجد تلوث خارج المعايير المسموح بها عالمياً»، وهذا أحد أوجه الفساد الذي يعيش في الظل!.