ارتفاع الأسعار 1% يومياً في الأسواق السورية.. وثلاثة أشهر كفيلة بالمضاعفة
لم يعد أحد من خارج إطار الجهات المسؤولة يستطيع بحديثه عن الأسعار وارتفاعاتها غير المبررة في الأسواق السورية أن يقدم الشيء الكثير، فمحاولات من هذا النوع الآن، لا تتعدى كونها عملية رصد لتحرك هذه الأسعار فقط، فالارتفاع الجنوني للأسعار طال كل المواد الموجودة في السوق، وخاصة المواد الغذائيةوالخضار والفواكه التي تدخل ضمن السلة الغذائية اليومية للمواطن، بالإضافة إلى سلسلة من المواد غير الغذائية، ليس آخرها المشروبات الروحية والسجائر، والرصد الدقيق لحركة الأسعار بيين دون شك ارتفاعها بما لا يقل عن 50% وسطياً، كما أن بعض المواد وصلت نسبة ارتفاع أسعارها إلى 100% خلال آجال زمنيةقصيرة، دون أن يكون للحكومة أي دور سوى بالحديث عن ضرورة ضبط الأسعار، وعن دوريات وزارة الاقتصاد المكثفة والمتكررة، ولكن دون نتيجة فعلية قادرة على تحقيق استقرار الأسعار بالحد الأدنى.
25% ارتفاع في أسبوعين
الجدل حول ارتفاع الأسعار يصل -بحسب مؤشر «قاسيون» للأسعار- إلى 24.2%، وهي الأسعار التي تم استقاء تفاصيلها من الأسواق الشعبية التي تعد الأقل ارتفاعاً للأسعار، إلا أن جمعية حماية المستهلك قدرت نسبة ارتفاع الأسعار بنحو 20%، وهذا يعني أن متوسط أسعار المواد يرتفع بمقدار 1% في كل يوم، أي أنثلاثة أشهر في الحد الأقصى كفيلة بمضاعفة الأسعار في السوق السورية..
بنية اقتصادية هشة
مقولات عديدة تطلقها الحكومة لتبرير ارتفاع الأسعار، كالقول إن إيقاف الاستيراد ساهم في رفع الأسعار، أو أن المسبب لذلك، هو ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة السورية، أو أن ترمي القضية في ملعب العقوبات الاقتصادية العربية، وغيرها الكثير من المبررات، معتقدين أن هذا يعفيهم كحكومة من المسؤولية الأولى تجاهدورهم في ضبط الأسعار في الأسواق، كما يتناسون في معرض تبريراتهم الاحتكار ودوره الأساسي في ارتفاع الأسعار، وهذا ليس من باب الهجوم الإيديولوجي على طبقة كبار المحتكرين من التجار، وإنما هو من أولوية رفض لقانون (قانون المنافسة ومنع الاحتكار) شرعن الاحتكار في السوق، بعد إتاحته الفرصة –قانوناً-أمام أربعة تجار فقط للسيطرة على سوق أية سلعة (25%حصة كل تاجر)، وجاء هذا القانون في بيئة غير تنافسية مطلقاً، وإنما بعد بناء شبكات من محتكري السلع تاريخياً، مما جعل من دخول منافسين فعليين لهم أمراً شبه مستحيل، فلا البيئة الاقتصادية تسمع لقوانين السوق أن تفعل فعلها، ولا البيئة التشريعية، وفوق كلذلك يغيب الدور الحقيقي للدولة في دخولها بشكل فعال في معادلة العرض والطلب في السوق المحلية، كمستورد بالدرجة الأولى وعارض لهذه السلع في المرحلة الثانية، بل إنها تكتفي بجمعية حماية المستهلك ودورياتها، والتي لا تتعدى كونها خطوة «لرفع العتب» لا أكثر..
المطلوب قرارات جريئة
فوق كل ذلك، أتت قوانين الانفتاح الاقتصادي، والتي بدأت أولى خطواتها في تحرير الأسواق عام 2001، لنصل اليوم إلى سوق تم تحرير نحو 90% من السلع،بمعنى أنه لا يمكن ضبط تسعيرتها أو مراقبتها، وهذا فتح الباب على مصراعيه أمام تحرك الأسعار تبعاً لمزاج التجار ومصالحهم لا أكثر، وأمام هذا الواقع، فلاحلول أمام الحكومة إلا بالتراجع عن سلسلة التراكمات من القرارات الاقتصادية السابقة، إذا ما كانت الحكومة جادة فعلاً في إعادة استقرار الأسعار إلى الأسواق السورية!. فدخول الحكومة كمنافس في معادلة العرض والطلب على السلع (كعارض ومستورد)، والتي تبدأ بخطوة إعادتها الاعتبار لوزارة التموين التي جرىإلغاؤها في عام 2004، وتستكمل هذه الخطوة بالتراجع عن قرارات الانفتاح الاقتصادي بما يخدم مصلحة المواطن والوطن على حد سواء، فالمعادلة ليست بالمعقدة، والحلول ليست بالمستعصية، فالمطلوب هو قرار جريء من حكومة يفترض أنها حكومة أزمة، وبالتالي من المطلوب منها التعاطي بما ينسجم مع هذاالمقتضى..