غلاء السكر.. أسئلة مُرّة في واقع مر
(بيقولو الحلو ما يكملش) هي مطلع أغنية، ولكن الحلاوة غابت عن حياة الشعب السوري، وهاهو يعاني الأمرين حتى يستطيع تأمين كغ من السكر، وبات يشرب الشاي دون سكر على طريقة القهوة العربية المرة..
ترى لماذا تصر حكومتنا الغراء على التهاون في حقنا بشرب الشاي بالسكر وسورية من الدول المنتجة له ولديها عدة معامل تنتجه من الشوندر المزروع في أراضيها وبعضه من السكر الخام المستورد وبكميات وافرة؟.
حسب جريدة الوطن السورية (تاريخ 5/10/2010) حول بدء إنتاج شركة مصانع الشرق الأوسط فإن (سورية تستهلك سنوياً نحو 800 ألف طن من السكر ويبلغ معدل استهلاك السوري من السكر 40 كيلو سنوياً، وبإقامة مصنعين كبيرين للسكر أحدهما شركة مصانع الشرق الأوسط تكون سورية قد دخلت مرحلة الإشباع وانتقلت من الاستيراد إلى التصدير).. لذلك فالسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: لماذا نعاني نقصاً حاداً في عرض مادة السكر في الأسواق، رغم أننا أصبحنا من مصدري السكر كما تقول جريدة الوطن؟.
يعتبر الشوندر السكري، وهو المصدر الوحيد لصناعة السكر عندنا لعدم وجود مصدر آخر له كقصب السكر، ثالث المحاصيل الإستراتيجية الهامة بعد القمح والقطن في سورية، ويزرع منه سنوياً حوالي 30000 هكتار تنتج وسطياً حوالي 1.25 مليون طن من الشوندر الخام ينتج منها حوالي 100 ألف طن من السكر، وهذه الكمية تؤمن ما نسبته بين 15% الى 20% من الاحتياج المحلي لكن زراعته تعاني من صعوبات جمة أهمها عدم إضافة الفلاح للسماد العضوي المتخمر لمحصول الشوندر السكري، وهذه المشكلة تتركز بنسبة ثماني وأربعين بالمئة من الأراضي الزراعية على مستوى القطر، وعدم استخدام الفلاح للآليات الزراعية الحديثة بنسبة ثماني وخمسين بالمئة، وعدم إضافة الأسمدة الكيميائية وفق تحليل التربة بنسبة خمس وسبعين بالمئة، وعدم إضافة سماد «البورون» وفق تحاليل التربة للشوندر السكري بنسبة ثماني وستين بالمئة، وإن قلة عمليات التسميد التي يقوم بها الفلاحون نظراً لارتفاع أسعار السماد والتي تتحمل مسؤولية ارتفاعه الحكومة بشكل حصري إضافة إلى قلة عمليات تحليل الترب الزراعية قبل زراعة محصول الشوندر.
أضف إلى ذلك وجود ضعف في التسويق والتوريد , مثلا فإن مزارعي إدلب يضطرون إلى شحن محصولهم إلى محافظتي دير الزور والرقة، مع العلم أنه يوجد معمل لصناعة السكر في منطقة مسكنة، إضافة إلى وجود مختبر وحيد لتحليل الترب الزراعية في إدلب، والذي لا يفي باحتياجات التحليل التي يقوم بها المزارعون لحقولهم, وأخيرا هنالك ضعف في التركيز على العوامل المتعلقة بدرجة الحلاوة والاستفادة منها للحصول على درجات حلاوة أعلى ومواصفات فنية أفضل للشوندر المنتج, فإن درجة ارتفاع الحلاوة في الشوندر في سورية متدنية عموما للأسباب المذكورة أعلاه فهي تتراوح بين 10% الى13% في حين يجب أن لا تقل عن 17% إلى 18% , ولكن حتى لو استطاع فلاحونا من إنتاج شوندر ذي حلاوة مرتفعة فإن البيروقراطية والفساد كفيل بتخفيضها فزمن عملية شحن الشوندر التي لا تتعدى الساعة تجبر الفلاح على الانتظار ما بين 3-5 أيام للوقوف عند باب المعمل لتسليم شحنته وهي أمور إدارية يمكن ببساطة تخفيفها ورفعها عن كاهل المزارعين المساكين.
ولنسأل مجدداً المسؤولين الاقتصاديين المحنكين الاجتماعيين: لماذا تم إيقاف معملين أساسيين لإنتاج السكر دفعة واحدة من أجل الصيانة والتحديث؟ أما كان بالإمكان إبقاء أحدهما ينتج ريثما يتم تحديث الآخر؟
وإذا كانت الحكومة على دراية بواقع الاقتصاد السوري وما يعانيه الشعب من غلاء فاحش، فلماذا لم تبادر إلى تعويض النقص بالاستيراد، وهي تعلم، بل وتبرر النقص الحاصل بزيادة الطلب على السكر، خصوصاً خلال أعياد الميلاد ورأس السنة؟
لابد من الإشارة إلى أن استيراد السكر لسورية محتكر من جانب بعض التجار الذين لا يسمحون لأحد بالدخول إلى سوق السكر إطلاقاً، وهؤلاء الحيتان الكبار مازالوا بالتواطؤ مع بعض المتنفذين قادرين على منع أي مستورد لهذه المادة من دخول المنافسة, وبسبب غلاء السكر في البورصات العالمية يتمكنون من التلاعب بعرض المادة لجني أكبر ربح ممكن لهم ولو على حساب الشعب الذي ماانفك يتمرمر في معيشته ومسكنه وملبسه وشرابه وصحته.
حسناً الشعب غير قادر على الحصول على السكر التمويني بسبب سياسة فريقنا الاقتصادي الذي يقتر ويقنن المواد المدعومة (لغاية في نفس يعقوب) ربما لإلغاء هذا الدعم نهائياً، ولكن أن يشتري السكر بأسعار تفوق الأسعار العالمية بكثير فهذا لا يسمى إلا نهباً مبرمجاً وسافراً لقوت شعبنا الذي لم يعد يستطيع التحمل أكثر من هذا الوضع الراهن, وإن إعادة الحلاوة لحياة السوريين لن تبدأ حتماً بتوفير السكر في الأسواق، ولكن على الأقل ستخفف من مرارة هذا العيش المر الذي لا يستحقه شعبنا الصابر المكافح حفاظاً على كرامته التي تهدر يومياً من جانب التجار.. ومن جانب السياسات المحابية لأطماعهم والداعمة لثرواتهم وطموحاتهم الكبيرة.. جداًّ.