أرقام اقتصادية ـ اجتماعية تفضح ادعاءات الحرص على تحسين معيشة السوري
لا تفوت رئيس الحكومة مناسبة إلا ويتحدث فيها عن إجراءات جديدة لتحسين الواقع المعيشي للسوريين، أو القول بأن الحكومة «حريصة» و«تعمل على تحسين هذا الواقع»، وسبقه إلى ذلك رؤساء حكومات سابقون في أيام الأزمة وقبلها، إلا أن مثل تلك الادعاءات تتطلب إثباتاً يدعمها ويؤكدها، فهل واقع حال السوريين اقتصادياً في تحسن فعلاً؟! أم أن كل ما يقال عن التفكير بتحسين الواقع المعيشي لا يتعدى كونه فقاعة إعلامية ومجرد «ضحك على اللحى» ليس إلا؟!..
أظهر تقرير عرضه عدد من الباحثين خلال ورشة عمل الهيئة العامة للبحث العلمي، أنّ ثلث سكان سورية على الأقل، قاموا بحركة نزوح أو أكثر من مكان إقامتهم الاعتيادي إلى مكان آخر، وأن ربع السكان تقريباً، أي نحو 5 ملايين نسمة خارج مناطق سكنهم أو سكن عائلاتهم الاعتيادي، وذلك بين عامي 2011 – 2013، والحكومة في اجتماعاتها تصرّ على مقولة بحث الآليات الكفيلة
بتحسين الواقع المعيشي للسوريين.
إثبات دامغ
العديد من الدراسات الحكومية تشير إلى ارتفاع أسعار السلع في البلاد بنسب تتراوح بين 100 و300% منذ بداية الأزمة التي تعيشها البلاد حتى الآن، بينما تتحدث مثيلاتها غير الرسمية عن ارتفاع بالأسعار وصلت نسبته إلى 500%، ورئيس الحكومة يتابع حديثه عن تحسين الواقع المعيشي للمواطن السوري!!
لم ترتفع رواتب العاملين في سورية إلا بنسبة 30%، ولمرة واحدة خلال السنوات الثلاث الماضية في مطلع شهر نيسان من عام 2011، بينما فاقتها زيادة الأسعار بعشرة أضعاف، والمسؤولون الاقتصاديون يصرّون على حديث تحسين المستوى المعيشي للسوريين..
60% نسبة البطالة
بينما كانت نسبة البطالة في البلاد عند الـ 8.4 في المائة في عام 2010، حسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء، لتتحدث الأرقام غير الرسمية في حينها عن نسبة تتراوح بين الـ 15 - 20%، فإن تقريراً صادراً عن مجلة الإيكونوميست البريطانية في عام 2013، كشف أن معدل البطالة في سورية ارتفع إلى 60%، وأرقام تسريح العاملين في القطاع الخاص وحده، والذين يعدون بمئات الآلاف، إن لم نقل أكثر من ذلك بكثير، تدعم فرضية ارتفاع معدل البطالة بهذه النسب في البلاد، إلا أن الحكومة تتابع حديث تحسين المستوى المعيشي للسوريين..
8 ملايين تحت خط الفقر
كشفت دراسة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) في عام 2013 أن عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى ازداد من 5 إلى 18 مليون خلال العامين الماضيين، وأن هناك 4 ملايين تحت خط الفقر الغذائي مقارنة بـ200 ألف في عام 2010، بالإضافة إلى زيادة عدد السوريين الذين يرزحون تحت خط الفقر الأدنى (دخلهم يعادل 2 دولار في اليوم) من 2 ملايين إلى 8 ملايين، مشيرةً إلى أن - ولأول مرة - سيكون 300 ألف موظف عام في عداد من هم تحت خط الفقر الغذائي..
وفي المقابل، كان المركز السوري لبحوث السياسات قال في تقرير له في حزيران من عام 2012, قد كشف أن نسبة من دخلوا دائرة الفقر بسبب الأزمة يقدرون بنصف سكان سورية, موضحاً أن 6.7 ملايين دخلوا ضمن دائرة الفقر عام 2012، منهم 3.6 ملايين ضمن دائرة الفقر الشديد، ليرتفع بذلك عدد الفقراء في سورية الى نحو 12 مليوناً تقريباً، حيث بلغ عدد الفقراء قبل الازمة 5.5 ملايين، ورغم ذلك يزيد الحديث الحكومي عن سعي حثيث لتحسين الواقع المعيشي..
4.25 ملايين بحاجة لمساعدات غذائية
أعلن برنامج الغذاء العالمي أن نحو 4.25 ملايين سوري بحاجة إلى مساعدات غذائية في الربع الاخير من عام 2013، بينما كانت تتحدث الأمم المتحدة عن وجود أكثر من مليون شخص في سورية بحاجة لمساعدات غذائية قبل أكثر عام، أي أن اعداد السوريين الذين يعدون في قائمة من هم بأمس الحاجة لمساعدات غذائية وإنسانية في ازدياد دائم، وأخبار تحسين المستوى المعيشي للسوريين تملأ المواقع والجرائد الرسمية وشبه الرسمية في سورية..
أرشيف القرارات يفضح الادعاءات
كل واحدة من تلك المعطيات تدق مسمارها الموجع في نعش معيشة السوريين، ويثبت بشكل قاطع أن التردي هو حليف معيشة السوري وحياته الاقتصادية، وأن كل حديث حكومي عن سعي لتحسين الواقع المعيشي على امتداد ثلاثة أعوام سابقة، لا يتعدى كونه مجرد ادعاء كان يتطلب خطوات جدية يشعر من خلالها المواطنون بتحسن واقعهم هذا، لتثبتوا فرضية السعي تلك، إن لم نقل إن أرشيف القرارات الحكومية منذ ثلاثة أعوام على الأقل يدحض هذا الادعاء.
الفقر.. بالراتب والليرة
الأمم المتحدة تضع عدد الدولارات التي يحصل عليها الشخص في اليوم، معياراً لقياس الفقر، وإذا ما أخذنا معياراً محلياً يعتمد على كم الليرات التي يأخذها العامل ومعيل أسرة من خمسة أشخاص في آخر الشهر، حيث إن معيل الأسرة العامل بأجر متوسط 20 ألف ل.س غير قادر على تأمين الغذاء وفق تكلفة سلة الغذاء الضرورية للأسرة السورية التي تفوق اليوم 30 ألف ليرة. يعيل العامل وسطياً أربعة أشخاص ليصبح الخمسة وهم متوسط العائلة السورية غير قادرين على تأمين الغذاء الضروري، أما إذا قيس الفقر بتأمين الحاجات الرئيسية فإن صاحب الأجر بسورية يحتاج إلى حوالي 70 ألف ليرة إضافية على متوسط راتبه ليغطي حاجات أسرته من غذاء وتعليم وصحة ونقل واتصالات وسكن، وغيرها.. بالتالي فإن أغلب من «يقبض» بالأجور بسورية وهم غالبية لا يستطيع بأجر واحد أن يعيل غذاء أسرته فقط، ويحتاج إلى ثلاثة أجور إضافية ليؤمن الحاجات الرئيسية، وهنا تنشأ ظواهر عمالة الأطفال والبحث واللجوء إلى مصادر الدخل غير الشرعية وغيرها من ظواهر التردي الاقتصادي-الاجتماعي..