الذهب الأبيض يتحول من دعامة للاقتصاد الوطني إلى (عبء)

الذهب الأبيض يتحول من دعامة للاقتصاد الوطني إلى (عبء)

استطاعت الحكومة السورية استنباط أرقام تقريبية لحجم الأضرار والخسائر على الاقتصاد الوطني، إلا أن الآثار السلبية الجسيمة على قطاع الزراعة في سورية لن يكون من السهل حصر قيمتها ومداها، فالضرر أكبر من حساب قيمة محصول حرق أو سرق، بل يتعدى ذلك إلى ما أدت إليه الأحداث الأمنية من خسارة خصوبة مساحات زراعية شاسعة أو تلوثها وما قد يؤدي بدوره لتوقف أو ضعف المحصول لسنوات عديدة لاحقة، وبالتالي تراجع إنتاج المعامل والصناعات المعتمدة على هذا المحصول أو ذاك..
القطن أحد أهم الزراعات الصناعية في سورية والذي يغطي مساحة 20-30 % من مساحة الأراضي الزراعية المروية، يتراجع تحصيله في هذا العام حتى الآن إلى أرقام لا تتجاوز 4% من أرقام الإنتاج في الحالات الاعتيادية.. من مئات آلاف الأطنان إلى حوالي 20 ألف طن..!!

تدهور 2013: الظروف الأمنية والقرارات يداً بيد..

شهدت مساحات زراعة محصول القطن تراجعاً كبيراً، بشكل متزامن مع تحول العديد من مزارعي القطن إلى زراعة أنواع أخرى من المحاصيل كالخضار والفاكهة لاتساع سوق تصريفها ويسرة زراعتها مقارنة بالقطن.
وتقلصت المساحة المزروعة بالقطن بسبب الأوضاع الأمنية والصعوبات التي واجهت المزارعين في عملية تأمين مستلزمات الإنتاج، مع ارتفاع أسعار المحروقات وانقطاع الكهرباء لأوقات طويلة، في وقت يحتاج فيه محصول القطن إلى الري بشكل كبير، حيث يعتبر محصول القطن من المحاصيل المروية التي تحتاج إلى 14 رية، فضلاً عن مشاكل التلوث وغياب الإدارة خاصة في ريف الرقة، مع هذا كله أضافت بعض  القرارات الحكومية عاملاً سلبياً.. حيث كان إصدار قرار مجلس الوزراء في شهر نيسان الماضي القاضي بوقف تمويل ودعم محصول القطن للموسم الصيفي الحالي، وعدم تقديم قروض للفلاحين، إذ نص القرار أن توفر الحكومة مستلزمات الإنتاج من بذار وسماد شرط أن يدفع الفلاح قيمتها نقداً، بعد أن كان المزارعون يحصلون سابقاً على قروض لتأمين مستلزمات الإنتاج، تحسم قيمتها لاحقاً من إنتاج المحصول.. ما أدى إلى إيقاف العملية الإنتاجية في كثير من المناطق..

(حلج القطن) وواقع المحافظات المنتجة

فيما يتعلق باستلام المحصول، تواصلت (قاسيون) مع مدير عام المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان عبد القادر موالدي، الذي قال  “بلغت الكميات المستلمة من محصول القطن لغاية 25 تشرين الثاني 28469 ألف طن، ومن المتوقع أن تستمر عملية استلام المحصول حتى نهاية العام، حيث تعتبر الكميات المستلمة لهذا العام متواضعة جداً مقارنة بالعام الماضي، حيث كانت الكميات حينها ولغاية التاريخ نفسه تصل إلى 465 ألف طن من القطن”. حيث لم تتدهور زراعة القطن في عام 2012 كما في العام الحالي بالمقارنة مع الأعوام السابقة، حيث تراجع إنتاج القطن من 671611 طناً عام 2011 إلى 592654 طن عام 2012، ليتدهور الوضع في العام الحالي..
وبيّن موالدي أنه «تم استلام المحصول من كافة الأماكن التي يمكن الوصول إليها مثل إدلب والحسكة وحماة، فيما تعتبر الرقة والمحلج الموجود فيها خارج سيطرة المؤسسة».
ونوه موالدي إلى أنه «كان من المقرر أن يتم استلام محصول الرقة ودير الزور في محالج المنطقة الوسطى، لكن لم تصل أي كميات من محاصيل تلك المناطق».
وحول السعر الذي تدفعه المؤسسة للفلاحين، قال موالدي إن «رئاسة مجلس الوزراء حددت سعر كيلو غرام القطن بـ100 ل.س، بزيادة عن العام الماضي حيث كان سعره 52 ليرة، وذلك في سبيل تشجيع الفلاحين على تسليم محاصيلهم وزراعة أكبر مساحة ممكنة».

المحالج والصناعات الأخرى..

وفيما يتعلق بمنتجات المؤسسة أوضح موالدي إن «بالات القطن المحلوج تباع لمؤسسات القطاع العام مثل المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، وجزء منه يباع لشركات ومعامل القطاع الخاص، كما يتم تصدير الفائض في حال وجوده وفق آليات معتمدة من المؤسسة، أما بذور القطن فتباع لشركات زيوت القطاع العام والخاص».
وأصدر رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي قرارا قضى بموجبه الموافقة على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة مقترح وزارة الصناعة بشأن تخصيص كامل الطاقة الإنتاجية المتاحة في محالج المؤسسة العامة لحلج و تسويق الأقطان من بذور القطن للقطاع العام نظرا للظروف التي تمر بها البلاد والحفاظ على الدورة الإنتاجية للشركات..

المحالج والأضرار..

وعن أبرز الصعوبات في عمل المؤسسة في ظل الأحداث، بين موالدي أن «الصعوبات تتمثل بخروج عدد من المنشآت التابعة للمؤسسة عن سيطرتها، وذلك مثل وجود 6 محالج في حلب خارج السيطرة لكن تم تحرير محلج تشرين مؤخراً، ومنشآت عين التل الخدمية، ومحلج في الرقة ومركز استلام في عين عيسى، ومحلج في دير الزور كلها خارج السيطرة».
ووصلت قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بالمؤسسة حتى شهر تشرين الأول الماضي إلى نحو 36.7 مليار ليرة، منها أضرار مباشرة بنحو 29.7 مليار ليرة بسبب الاعتداءات على مراكز تسليم الأقطان من سرقة وحرق، حيث تم حرق وسرقة كل البالات التي كانت في الرقة و دير الزور، وبلغت قيمة المواد الأولية المسروقة أو المحروقة وحدها 12.7 مليارات ليرة، وقيمة المواد المنتجة حوالي 15.2 مليار ليرة. وتعد هذه الأضرار أرقاماً دفترية حسب الأسعار والمواسم السابقة، فيما توجد بعض مواقع العمل لا يمكن حصر الأضرار فيها بسبب تعذر الوصول إليها نتيجة خروجها عن السيطرة.

أرقام ووقائع.. قديمة جديدة

بلغت المساحات المزروعة بالقطن في شهر حزيران من العام الحالي 56،9 ألف هكتار توزعت على المحافظات كما يلي، في حماة 190 هكتاراً والغاب 320 هكتاراً وإدلب 700 هكتار وحلب 1240 هكتاراً والرقة 18 ألف هكتار ودير الزور 20 ألف هكتار، والحسكة 13 ألف هكتار، ووصلت إلى 17512 ه‍‍‍‍ـ من أصل المساحة المخططة والبالغة 57 ألف هكتار، وقدرت مديرية الزراعة الإنتاج بحدود 63670 طناً في حين بلغت المساحة المزروعة خلال الموسم الماضي 52 ألف هكتار وبلغ إنتاجها
240 ألف طن، بينما بلغت المساحات المسلمة حتى الآن 28 ألف طن فقط..

يعد القطن من المحاصيل الإستراتيجية التي يعتمد عليها الاقتصاد السوري، نظراً لحجم المساحات المزروعة، حيث يشكل ما بين 20 و30 في المئة من مجمل الصادرات الزراعية، يعمل فيه حوالي 500 ألف من القوى العاملة وهو المحصول الزراعي الأول والصناعي الثاني من حيث المساهمة في تأمين القطع الأجنبي بعد النفط.

ترتكز عليه الصناعات النسيجية التي تعتبر ركيزة أساسية للاقتصاد، إذ تساهم في الميزان التجاري بـ30 في المئة من إجمالي الصناعات التحويلية.

احتلت سورية المرتبة الثانية عالمياً بعد الهند في إنتاج ألياف القطن العضوي لموسم 2009 ـ 2010، إذ بلغ إنتاجها بحسب تقرير بورصة الأقمشـة العالمية 20ألف طن، كما احتلت المرتبة الثانية عالمياً بعد أستراليا من حيث مردود وحدة المساحة، بمعدل أربعة أطنان للهكتار منذ العام 2001، ودخلت مصاف الدول المتقدمة في جودة أقطانها وإنتاج القطن الملون خصوصاً البني والأخضر، وتفوقت في مجال المكافحة الحيوية الآمنة بيئياً والإنتاج النظيف.