طوابير المواطنين.. أمام شركة تحويل الأموال، والمصرف المركزي لماذا؟!
سليم الحسن سليم الحسن

طوابير المواطنين.. أمام شركة تحويل الأموال، والمصرف المركزي لماذا؟!

عند جسر فكتوريا وعلى بعد عشرات الأمتار من المصرف المركزي ومحافظة دمشق ثمة تجمّع غير مرخص لعشرات المواطنين، تجمعاً يراه المارة يومياً، دون ان تسأل الجهات الوصائية عن مبرر وجوده، ومعاناة من ينتظر؟! 

هم مواطنون ينتظرون شيئاً ما من غائب أو مسافر تذكرهم، صدفة أو عن قصد، بنزرٍ من المال يخترق جيوبهم الخاوية، لذلك لم يسترع تجمعهم اللاشرعي أمام أفرع شركة «تواصل لتحويل الأموال) إكتراث أي مسؤول، فطوابير هؤلاء وصراخهم المكتوم لايسترعيان انتباه متكرشي المكاتب مهما طال انتظارهم أو كبرت طوابيرهم..
زمن «السوء الاجتماعي)!
ينتظر هؤلاء كل صباح حوالة، ترسل من أحد ذويهم في الخارج خلال دقائق، ليصطفوا لاستلامها لساعات تطول لأيام ثم لأسابيع، عبر شركة «ويسترن يونيون« العالمية، والتي عملت في الأراضي السورية في السنوات الماضية بعلامتها الصفراء الشهيرة صاحبة الجنسية الأمريكية، والتي جلبتها سنوات عبد الله الدردري العجاف واستمرت مع حكومات الأزمة، عبر عدة وكالات أهمها شركة الديار للصرافة وشركة تواصل وشركات أخرى.
مع تفاعلات الأزمة السورية وفرض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة عقوبات على تحويل الأموال إلى سوريةعبر المصارف العامة، استفردت شركة «ويسترن يونيون« عبر وكالاتها بمعظم التحويلات القادمة من الخارج، فهي شركة قطاع خاص لم تطالها العقوبات ناهيك عن كونها شركة أمريكية الأصل لن تطالها عقوبات الغرب،ولم ترى فيها الحكومة حتى اللحظة أي اختراق سيادي من البوابة الاقتصادية، أو تبحث عن بديل لها فالحكومة محتاجة لهذه الحوالات والمصرف المركزي كذلك أيضاً!.
«قبلنا بالبين..»
مؤخراً تم حصر معظم الحوالات القادمة إلى سورية بشركة «تواصل« إحدى وكلاء «ويسترن يونيون« في سورية، ولم تعد معظم أفرع شركات التحويل المتعاملة معها تسلم الحوالات كشركة الديار وبنك البركة، وقد أدى هذا الإجراء الذي لايعرف المواطن دواعيه أو تبريراته من قبل المصرف المركزي، إلى اكتظاظ العشرات من الناس على أفرع الشركة الخمسة، وخاصة تلك المتواجدة في مشروع دمر وجسر فكتوريا وجرمانا في دمشق مثالاً..
يقول أحد المواطنين لمراسل قاسيون الذي زار المكان عدة مرات:«إلي ناطر من الخمسة الصبح وصرلي أسبوعين على هالحالة وكل مرة بيتحجّجوا شكل«!
تطول مدة الانتظار، فالرحلة تبدأ مع سعي المواطن صاحب الحوالة لتسجيل الدور الذي ينظمه المواطنون بأنفسهم، ليفوز صاحب الحظ بالأدوار الأولى، ويصل الدور يومياً إلى حوالي 250 شخص، لاتقوم الشركة بتسليم الحوالات سوى إلى  50 - 100 شخص منهم. 
تتذرع الشركة بذرائع شتى، ويجيب أحد موظفيها المواطنين السائلين عن سر انتظارهم العبثي:«مافي شبكة..الشبكة واقفة«، يتمتم المواطنون رادين:«إلهن شهر على هالحجة..كل شبكات الإنترنت جاية بالبلد إلا شبكتهن؟!«. وعند سؤالنا لأحد الموظفين عن أزمة الشبكة قال:«أن الشبكة تفتح وتغلق من فرع الشركة في لبنان«.
روحوا اشتكوا؟!
لا يصدق المواطنين هذه الحجة، فهم غير مقتنعين بالإجابات التي يقدمها موظفون، لاحول لهم ولا قوة، تارة يحاولون مسايرة الناس وأخرى يدافعون عن محتكري رزقهم دفاعاً أعمى ليقولوا:« لاتخافوا على حوالاتكم هي بإيد شركة الويسترن يونيون أشهر شركة للتحويل في العالم«و«إذا ماعجبكن اشتكو لأديب«! أي أديب ميالة حاكم مصرف سورية المركزي.
يتذرع الموظفون أحياناً بحجج أكثر منطقية فنهار السبت تكون الإجابة:« مافي مصاري، المصرف المركزي مسكر والمصاري عندو« يجيب المواطن بحنق: «وانتو ليش فاتحين« ويرد الموظف بغيظ:«مشان نعل قلبنا مع الزباين«!
ناس ... وناس!!
يستمر تسجيل الدور منذ الساعة الـ5 صباحاً وحتى الـ8صباحاً تقريباً، وفي أحسن الأحوال يحالف الحظ نصف المسجلين فقط ، ليعود من تبقى منهم في اليوم التالي ويعيدو تسجيل أسمائهم في دور جديد، دون آخذ بعين الاعتبار لمن اصطف نهاراً كاملاً أو أسبوعاً من قبل. تفتح الشركة أبواباها متثاقلة في التاسعة صباحاً وتغلق أبوابها في الـ5 مساءً وفي حالات استثنائية تستمر لـ 7 مساءً.
 كما رصد المواطنون ومراسل قاسيون وجود حالات «واسطات» تستثنى من الدور وهي تلك الحالات التي يستقوي فيها مواطن «براسو ريشة» بصاحب هوية أمنية أو (من في حكمه) يبرزها سريعاً أمام الناس..

فرضيتان للتفسير: ربح «للمركزي».. أو لشركة التحويل؟!

يحاول المنتظرون على طوابير شركة التحويل "تواصل" وكيل "ويسترن يونيون العالمية" الإجابة عن سر هذا الزحام وعدم تسليم الحوالات إلا بعد أيام وأسابيع، تمتم أحد المنتظرين قائلاً:«إي عم يشغلوا المصاري«، وحقيقة الأمر أنه وبحسبة بسيطة نجد أن هذه القضية واردة، وهي قد تكون التفسير المنطقي للتأخير بتسليم الحوالات، والتذرع تارة بتوقف الشبكة وأخرى بعدم وجود الأموال الكافية، فهناك إمكانية لجعل هذه الأموال مصدر ربح للمصرف المركزي تارة أو للشركة الأمريكية الأم «ويسترن يونيون« أيضاً وذلك عبر طريقين..

تأخير الأموال.. لماذا؟

• لو افترضنا أنه يتجمع كل يوم على كل أفرع الشركة 500 شخص ينتظرون حوالاتهم، وأن نصف عدد المنتظرين سيستلمون حوالاتهم والنصف المبتقي لن يستلم نتيجة للذرائع  المختلفة، أي سيُرَحّل إلى اليوم التالي 250 شخص دون استلام وهذا هو الوسطي الذي ينخفض إلى 50 شخص في اليوم فقط في بعض الأحيان، ولو افترضنا أن وسطي الحوالة المستلمة الواحدة هو 50 ألف ليرة سورية فقط. هذا يعني أن الوفر المتراكم يومياً عند الشركة الأم أو المصرف المركزي هو:
250 *50000 =12,500,000 أي إثنا عشر مليون وخمسمئة ألف ليرة سورية يومياً.
مع تكرار عدم التسليم لنفس عدد المواطنين يومياً، وهو أمر واقع ومستمر وفعلي، فإن التراكم على مدار الشهر يصبح: 30*12,500,000=375 مليون ليرة سورية شهرياً أي ما يعادل 2,2 مليون دولار بناء على سعر الدولار (170 ل.س).
أما على مدار السنة فيصبح الرقم 12* 375= 4,500 أربع مليارات وخمسمئة مليون ليرة سورية سنوياً أي ما يعادل 26,470 مليون دولار تقريباً.
إن هذه المبالغ تتراكم بشكل هائل لتشكل سيولة بالعملة الصعبة قابلة للتصرف من قبل المصرف المركزي دون حسيب، وهي قابلة للضخ في السوق بشكل يومي دون رقابة وبكميات كبيرة نسبياً، وهو ما قد يفسر بعض عمليات ضخ الأموال عبر قنوات «التدخل السلبي« التي أسهمت في المضاربة على الدولار وتؤدي دائماً إلى رفع سعره مما يهدد الليرة السورية بشكل مستمر.
بالطبع قد يتبرأ المركزي من هذه العملية مدعياً أنه يقوم بتسليم الأموال فوراً ولا علاقة له بتأخر الشركة، وهذا يعني أن شركة «ويسترن يونيون« هي التي تكسب ما لا يقل 26 مليون دولار على حساب جيوب السوريين، وبعلم المركزي ودون أخذ أي إجراء ضدها، مما يضع العملية في دائرة التساؤل.

فرق التحويل من حصة المركزي..

• العملية الثانية التي كسب منها المركزي حقيقة هي ليست عملية التأخير في تسليم الحوالات، بل هي عملية التحويل نفسها، فالمركزي لا يسلم الحوالة التي تأتي بالعملة الصعبة إلا بالعملة المحلية المحسوبة وفق السعر التدخلي،أي أن الدولار =137 ليرة وفقاً لنشرة الخميس 24/10/2013 وليس 170 ل.س وفقاً لسعر السوق لذات اليوم، ما يعني أن المركزي يكسب فرق التحويل بين السعرين لمصلحته.
فعلى سبيل المثال وفي حال تم تحويل 1000 دولار للأراضي السورية يتم تسليمها للمواطن بمبلغ 137 ألف ليرة سورية فقط، بينما يجب أن يكون المبلغ المستلم مبنياً على سعر الدولار في السوق أي 170 ألف ليرة سورية، أي أن هذه العملية تخسر المواطن 33 ألف ليرة سورية كفرق للتحويل، أي ما نسبته 20% تقريباً من قيمة الحوالة، وهو مبلغ كبير نسبياً. وفيما لو أردنا احتساب الربح من هذا الإجراء فقط بناء على المعطيات السابقة سنجد أن وسطي مبلغ الحوالة المقدر والمفترض تسليمه للمواطن هو 60 ألف ليرة سورية وليس 50 ألف ليرة... وببساطة يمكن لمن يريد  الآن أن يقرأ ويعيد الحساب فقط ليكشتف كميات الربح الهائلة.
عوداً على بدء نقول أن ذلك التجمع المنهوب المكبوت في قارعة الطرقات، المنتظر لعون ما يخفف الآلام، بات يحتاج حلاً أمنياً، للضرب بيد من حديد على كل من جعله يتجمع دون أي رقيب. 

شركات التحويل.. (خبي وبيع)

تحويل الأموال عن طريق شركات التحويل يسجل اختراقاً جديداً، يثبت أن الاعتماد على شركات ومؤسسات التحويل والصرافة في التعامل بالقطع الأجنبي في هذه الأوقات ينطوي على إشكالات واسعة قد تصل إلى حد مراكمة الحوالات وتسريبها للسوق السوداء، وهذا ما يفسر طوابير المنتظرين أمام فروع الشركة وكيلة "ويسترن يونيون" الأمريكية، والتي تقوم بهذا العمل أمام بصر البنك المركزي، وبوضع الفرضية المنطقية التالية سنحاول أن نقدر كم السيولة المتراكمة في فروع الشركة بمحافظة دمشق فقط..