الفساد في سورية.. بعض مما اقترف ولا يزال

الفساد في سورية.. بعض مما اقترف ولا يزال

منذ عقود وخصوصاً، ومع إدخال الشركات الأجنبية للاستثمار في النفط السوري بنسبة النصف تقريباً 49% في منتصف السبعينيات، وتدفقات الريع السياسي من الخليج النفطي بمعدل مليار ونصف دولار مساعدات من دول الخليج سنوياً، وصولاً إلى عقد الألفية الثانية واقتصاد السوق الاجتماعي ومفردات التحرير الاقتصادي بأشكالها كافة..

واتفاقيات التجارة الحرة العربية التركية، والسعي نحو الأوروبية، إعادة الهيكلة التي تمت في سورية وفق برنامج صندوق النقد الدولي بشكل غير معلن، السعي نحو الاستثمارات الأجنبية.. وكل «ديباجة» الليبرالية الاقتصادية التي صاغها الفريق الاقتصادي السابق في سورية تماشياً مع مصلحة الفساد الكبير الفساد السوري مع قوى الرأسمال العالمية وأذرعهم من منظمات دولية، وقوى رأسمال إقليمية، وأوروبية.. التي قدمت لهم برامج تفصيلية توسع مجال «السمسرة» وتقلص حجم الإنفاق الاجتماعي، وتسبب تدهور بقايا القطاع العام الإنتاجي  المنافسة، تبرر تحرير كافة المواد التي توزعها الدولة وتقدمها للسوق.. وتؤمن الانتقال التدريجي من نهب جهاز الدولة بعد تهميشه إلى الهيمنة التامة على السوق

السياسات الليبرالية والأزمة.. جردة حساب أولية؟

اندلعت الأزمة السورية وتبينت نتائج السياسات الاقتصادية الاجتماعية الليبرالية بثمار متعددة أولها: التوتر الاجتماعي مع وصول نسبة الفقراء السوريين قبل الأزمة إلى 44%، وثانيها وليس آخرها تثبيت ركيزة من علاقات المصالح بين قوى الفساد الكبير  وبين السوق الرأسمالية العالمية والحلقات التابعة له اقليمياً.. 
اضطرت القوى الليبرالية في الداخل السوري والمرتبطة غربياً عبر شبكة مصالح متشعبة مع التصعيد السياسي الأميركي الخليجي ضد سورية إلى «كبح عجلة الليبرالية الدائرة» ولكنهم عملوا جاهدين على الاستفادة من الأزمة من جهة، وعلى منعها من إعاقة مشروعهم الليبرالي..
كيف استفاد هؤلاء من الأزمة لاستكمال المشروع الليبرالي.. الأمثلة عديدة:
• رفعوا أسعار المحروقات والمواد المدعومة بحيث مع انخفاض التكاليف العالية بعد الازمة تصبح الأسعار الجديدة محررة وهذا يلغي الدعم نهائياً، ويفتح البوابة للخصخصة وإلغاء توزيع الدولة وهو ما ينطبق على (المازوت- البنزين- الغاز- الفيول-السكر- الرز- وأخيراً الأسمدة).
• سربوا جزء هام من احتياطي النقد الأجنبي السوري مستغلين الفوضى التي تسببها سياسات التحرير النقدي الليبرالية وعلاقة السلطات النقدية مع وسطاء السوق أي مكاتب وشركات الصرافة..بحيث رسى الاحتياطي من العملات الصعبة في خزائن أصحاب الأرباح الكبرى الذين ضاربوا على الليرة السورية، لتسمح لهم القوانين الليبرالية بإخراجه من سورية..
• حصروا عمليات تمويل المستوردات في بعض الاحيان بكبار التجار  في بعض الاحيان، سامحين لهم بأرباح احتكارية خيالية..
بالمقابل فإن هؤلاء يتحملون مسؤولية عرقلة كل السياسات الضرورية للإدارة الاقتصادية للازمة السورية ويتحملون مسؤولية جزءاً هاماً من تدهور الوضع المعيشي للسوريين خلال الأزمة، والذي أوصل البلاد إلى 18 مليون مواطن تحت خط الفقر الأعلى بحسب تقرير صادر عن الاسكوا..
لا ..«للا ليبرالية»
 قوى الفساد هذه  لم تستطع في ظروف الأزمة أن تمنع طرح خطوات نقيضة لليبرالية الاقتصادية وتحديداً بعد توسيع طيف الحكومة والدخول في الحكومة الائتلافية مع قوى معادية لليبرالية، إلا أنهم استطاعوا مع ذلك أن يعيقوا  السير نحوها معتمدين على جهاز متمرس في المماطلة والعرقلة فمثلاً:
• عرقلوا التوجه شرقاً لارتباط مصالحهم بالغرب اقتصادياً، وتوطيدهم علاقات السمسرة معه، واليوم تصرح الجمارك السورية بان الاستيراد من الخط الائتماني الإيراني لا يزال أقل بكثير من حجم التسهيلات..
• يماطلون في سياسات التسعير الإداري وترشيد الاستيراد والسلة الغذائية، ويملؤون قاعات الاجتماعات بالمقترحات والأوراق بالمقابل يدفعون أصواتاً للدفاع عن تحرير الأسواق كما في آخر حديث لمدير عام هيئة المنافسة ومنع الاحتكار الذي يؤكد أن قرارات من هذا النوع تخالف روح التجارة العربية الحرة!! أو كما في تصريحات وزيرة اقتصاد سابقة تسخف مفهوم "اقتصاد المقاومة" وتدعو لليبرالي الحر..
• دافعوا عن السياسات النقدية، ولم يوقفوا الضخ لبعض مكاتب وشركات الصرافة حتى بعد إغلاق بعضها.
هذا بعض مما ظهر لنا من متابعتنا وما خفي أعظم، حيث تستطيع أن تشير بأصابع الاتهام إلى قوى الفساد  بكامل الرضى والقناعة، لانهم المسبب الموضوعي لكل إعاقة لضرورة اقتصادية وطنية تفيد المصلحة العامة، وهي كثيرة في حالة الاقتصاد السوري قبل الازمة وخلالها.. ووجودهم ووزنهم في جهاز الدولة وآثاره هو الجواب النهائي عن كل تساؤل بسيط مثل: لماذا لا يعتقلون المحتكرين؟ لماذا لا يأخذون الضرائب من الكبار؟ لماذا لم تتوقف عملية تهريب المحروقات؟ لماذا لا تتم اقالة فلان؟ لماذا رفعوا أسعار السماد/المازوت/ البنزين/الغاز... ولماذا لاتتم مصادرة استثمارات قطرية سعودية فرنسية..إلخ؟