«الكبار» يعيقون سير عجلة الحل..
تتقاطع جملة من القضايا اليوم لتوضح أن أصحاب الربح الكبير غير الشرعي يتحولون إلى عبء اقتصادي يزداد ثقلاً خلال الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد على أثر أزمتها الوطنية التي تمتد على أكثر من عامين.. تتحول مصالح هؤلاء الضيقة إلى مفصل رئيسي في نقاشات الحكومة
وتتطلب رسم حدود واضحة لم تكن أية حكومة سورية قبل الأزمة قادرة على رسمها.. حيث تلعب ضغوط الواقع اليوم ومستوى عمق الأزمة دوراً رئيسياً في اتجاهين الأول «ترويض» كل الاتجاهات الحكومية الرسمية التي تبنت بوضوح سابقاً مصالح هؤلاء في ارتباط عضوي بين فساد جهاز الدولة وبين كبار المنتفعين السوريين، والثاني في تشكيل الظرف الذي يساعد الجهات التي تتعامل بجدية مع دور الدولة المفترض خلال الأزمة محاولة أن تغير المعادلة بشكل تدريجي وتحرف محصلة التوجه السابق لجهاز الدولة نحو مصلحة هؤلاء التي كانت تظهر بالتساهل والتغافل وصولاً للتواطؤ والاشتراك المباشر..
تشكل حملة إيقاف مكاتب الصرافة المخالفة اليوم تعبيراً عن النجاح في الابتعاد النسبي عن مصلحة أصحاب الربح غير المشروع ولكنه غير محسوم بعد، حيث أن مكاتب الصرافة هي في واجهة المخالفات غير القابلة للتغطية التي تمارسها قوى الفساد الكبيرة المستفيدة من الأزمة السورية وتعمقها، فالمكاتب هي مجرد الذراع النهائية والحلقة الوسيطة، لحلقات واسعة من المستفيدين من تدهور وضع الليرة السورية وارتفاع سعر الصرف، تمتد من كبار تجار السوق السوداء، إلى كبار أصحاب الربح الذين يحولون إيراداتهم السورية إلى “دولارات”، وصولاً إلى كبار المحتكرين المستفيدين من تخبط سعر الصرف والتسعير على السعر الأعلى وتحقيق أرباح احتكارية خيالية، وانتهاء بالمتواطئين معهم في جهاز الدولة المتحكمين بعملية الضخ النقدي وبالاحتياطي الأجنبي السوري..
لذلك فإن إغلاق جزء من مكاتب وشركات الصرافة المخالفة هو تصعيد تجاه كل هؤلاء ومؤشر إيجابي، يترافق مع جملة مؤشرات أخرى كالذي يظهر في قضية القروض المتعثرة، حيث بلغ حجم هذه القروض المستحقة للمصارف العامة 233 مليار ل.س، جميعها يعلن أصحابها عدم قدرتهم على الدفع، مطالبين الدولة والمصارف العامة بمراعاة ظروف الأزمة وبتقديم تسهيلات وتمديدات لآجال ومبالغ الدفع، وبينما يشكل بعض الصناعيين المتضررين حالات يفترض أن تراعى جدياً ظروف الدمار والنهب الذي لحق بمنشآتهم، هناك جزء هام من المقترضين الكبار ومدعي التعثر تظهر بيانات مكاتب الصرافة المخالفة عمليات تحويل أموال ضخمة لمصالحهم إلى الخارج ما ينتج عنه عدم منطقية معاملة هؤلاء كمتعثرين وقيام الحكومة بطلب كشف بالحسابات الخارجية لجميع المقترضين ليتم على أساسها تحديد حقيقة تعثرهم من عدمها، هذه العملية التي قد تلغي بشكل نهائي التساهل الكبير في منح القروض العامة لكبار المقترضين بلا توجه محدد الذي اتبعته المصارف العامة خلال المرحلة الماضية..
إغلاق مكاتب الصرافة والقروض المتعثرة مترافقة مع ملامح أولية لتقييد كبار التجار بعمليات التسعير الإداري والتوجه نحو استيراد الدولة والتشديد على بيانات التكلفة، وتقييد تمويل المستوردات بالقطع الأجنبي جميعها مؤشرات جيدة إلا أنها تأتي متأخرة بطبيعة الحال في ظل حكومات متتالية لم تكن قادرة على تجاوز النهج الليبرالي الذي حددته مصالح كبار الحلفاء بين أصحاب المال وأصحاب القرار، الذين يحاولون اليوم جاهدين أن لا يسمحوا للأزمة بفرض الحل الوحيد الموضوعي المتمثل بانحراف جهاز الدولة عن تمثيل مصالحهم، ومحاولاتهم الكبيرة تصل حد استمرار الصراع الدائر لأن الفوضى المتولدة عن العنف هي بيئة عملهم الطبيعية والمعيق الجدي لتغيير حقيقي..