«كل شي عالدولار.. إلا الراتب اليتيم»!
مهما رفض البعض مقولة دولرة الاقتصاد، إلا أن المفهوم بعمومه بات واقعاً بجزئيات اقتصادية كبيرة، فمن حقهم استنكار الحالة المزرية التي وصل إليها الاقتصاد، إلا أن إنكار ما بات بحكم الأمر الواقع، لم يعد بالمفيد، فالاعتراف بالمرض هو الخطوة الأولى على طريق العلاج..
في الأسواق التجارية، التعامل «يقرش» على الدولار، فثمن كيلو البندورة، أو سعر أفخر البرادات يقاس بالدولار، ولارتفاعه تبعات كارثية على المواطن السوري، إلا أن لانخفاضه تأثير محدود، فالثقافة التجارية تستند إلى الدولار، وقد ألغت الليرة من حسابات بيعها وشرائها..
في الحسابات الحكومية بات الدولار حاضراً بقوة، فزيادة تعرفة الاتصالات الدولية –حسب التبرير الرسمي- ارتبط بارتفاع الدولار، وزيادة أسعار المشتقات ارتبطت بارتفاع الدولار، وزيادة تكلفة استيرادها، وكذلك أسعار الأدوية، والدعم الحكومي بإجماله بات يقاس على الدولار للمواد المستوردة أو المنتجة محلياً، إذا الدولار هو الشماعة التي قررت الحكومة تعليق كل قراراتها الاقتصادية عليها..
«حسابات الدولار.. اليوم»
في الماضي القريب، وفي عام 2010، وبداية عام 2011، نكاد نجزم أن من كانوا يفتحون حساباتهم المصرفية بالعملة الأجنبية قلائل جداً، إلا أن المعادلة تغيرت كثيراً اليوم، فمن لا يمتلك حساباً بالعملة الصعبة في البنوك، لا شك أنه يحتفظ بمدخراته أو بجزء كبير منها بالعملة الصعبة، وأغلبية السوريين، يبحثون «بالفتيلة والسراج» حتى أصحاب الدخول المتواضعة خلف اقتناء الدولار أو اليورو، الأمر الذي كان في الماضي القريب سلوك غير ضروري بالنسبة لهؤلاء، ولا داعي له..
«المستهلكون فقط»
لا يزال الراتب هو اليتيم الوحيد الذي يحسب على الليرة فقط، وهو من يرتبط بمعيشة الشرائح العادية من السوريين، وهم الضمانة منذ عامين ونصف لصمود الليرة السورية، لأن تداولهم الحصري والوحيد بها هو ما حافظ عليها، وإجراءات المركزي، وإشاعات دعم «فلان أو علان» من رجال المال لليرة السورية لا تتعدى كونها فقاعة للاستهلاك الإعلامي..
جميع هؤلاء غير قادرين إلا على ضرب الليرة السورية، والعمل على انهيارها، إلا أن تحصينها، كان ولا يزال برقبة ملايين السوريين الذين ما زالوا يقبضون بالليرة السورية، ويتعاملون بها، رغم تراجع قيمتها الشرائية، ولوحدهم من يجب أن ترفع القبعات احتراماً لهم..
إذا، أضحى الدولار هو المتحكم بسلوك السوريين على كل المستويات، في أسواقهم التجارية، وفي قراراتهم الحكومية، وعلى مستوى سلوكهم الشخصي، وهو من يرسم ويخطط لقراراتهم المزمع اتخاذها، ورغم ذلك، كثيرون هم من يرفضون حتى اليوم، الاعتراف بأن الدولار هو من يتحكم بتفاصيل حياتهم البسيطة منها والمعقدة..