أسعار مضاعفة وكميات هزيلة.. الأجبان والألبان تعاني تهريب القطيع

أسعار مضاعفة وكميات هزيلة.. الأجبان والألبان تعاني تهريب القطيع

صناعة الألبان والأجبان في سورية إحدى الحرف واسعة الانتشار لارتباطها بالثروة الحيوانية وانخفاض تكاليفها، ما يجعل من هذه الحرفة رديفاً مهماً للدخل في الريف السوري..

ريف دمشق المورد الأول للألبان والأجبان لدمشق وريفها يبلغ عدد حرفييه العاملين في الألبان والأجبان 10 آلاف حرفي، تعرض هؤلاء لكل مضاعفات الأزمة السورية بداية من تأثيرها المباشر على تراجع عددهم بعد أن تركوا مناطقهم وأغلقوا ورشهم، وصولاً إلى تراجع  عدد القطيع الذي يعتمدون عليه بعد أن نفق وهُرّب، وانتهاء بارتفاع كبير في كلف حرفتهم البسيطة.. لينخفض عرض المنتجات في السوق، مقابل ارتفاع الكلف لتبلغ أسعار الألبان والأجبان حداً لا يسمح لذوي الدخل المحدود بإبقاء هذه المنتجات المحلية ضمن وجباتهم اليومية..

رابطاً أسعار الأعلاف بسعر الحليب ومشتقاته، ومؤيداً لقرار فتح باب استيراد الحليب الطازج لتعويض النقص الكبير في الأسواق المحلية والذي وصل إلى 60%، وذلك بسبب عدة منغصات مرتبطة بالوضع العام الراهن، وتداعياته المتشعبة..

رئيس الجمعية الحرفية للألبان والأجبان ومشتقاتها عبد الرحمن الصعيدي كشف عن الضرر الهائل الذي لحق بإنتاج الألبان والأجبان وأثر خروج القطاع العام على توفر المنتجات في السوق المحلية..

مشتقات الحليب في الأزمة: توقف.. تهريب.. ضرائب

خروج العام والضغط على الخاص

ذكر عبد الرحمن الصعيدي رئيس الجمعية الحرفية للألبان والأجبان ومشتقاتها أن «خروج القطاع العام من السوق الداخلي شكل أزمة حقيقية بعد أن كان ينتج أنواعاً متنوعة من الأجبان والألبان، فقد توقفت معظم المعامل الكبيرة التي كانت تشكل رديفاً هاماً للقطاع الخاص المتمثل بالورشات بشكل أساسي، حيث توقفت شركة الألبان في دمشق وحمص وحلب عن الإنتاج، وكانت ألبان دمشق تغذي المشافي والقطاع المشترك، فيما كانت ألبان حمص تصنع يومياً 200 طن حليب وتغذي القطاع العسكري باللبن المعلب»، لافتاً إلى أن «المشافي بدأت تحصل على حاجتها من السوق الخاص، وهذا أمر لم يحدث سابقاً واستثنائي، ويحمّل السوق الخاص عبئاً كبيراً».

وتعتبر محافظة ريف دمشق المورد الأول للألبان والأجبان ومشتقاتها، وتأتي محافظات حمص ودرعا والسويداء وحماة في الدرجة الثانية.

وينتج كل 100 ك/ حليب ما يعادل 20 ك/ جبن، وفي حال كان سعر 100 ك/ حليب 5 آلاف ليرة سورية، يكون سعر كيلو الجبن 250 ل.س، كما هو السعر الحالي.

توقف 80% من الورشات

وحول مناطق تواجد الورشات، قال الصعيدي إن «ريف دمشق هو المصدر الأول للمادة، حيث تنتشر معظم الورشات التي تغذي سوق دمشق، والذي يحوي فقط على الباعة وليس المصنعين، ومع تدهور أوضاع مناطق ريف دمشق والهجرة منها، توقفت 80% من الورشات، ولم نتمكن من تأمين سوى 10% منها في مناطق آمنة مثل جرمانا والدويلعة».

وتضم الجمعية الحرفية للألبان والأجبان ومشتقاتها 75 حرفياً منتسباً، فيما يبلغ عدد الحرفيين في دمشق وريفها من خارج التنظيم أكثر من 10آلاف، 1500 منهم ورشات والباقون يعملون في بيع المنتجات، 400 منها تقوم بتحويل الحليب إلى لبن.

تهريب ونفوق القطيع

وفيما يتعلق بصعوبات العمل في الوقت الحالي، بيّن رئيس الجمعية أن «تضرر الريف وإغلاق مناطقه جعل من الصعوبة بمكان وصول من تبقى من الحرفيين إلى دمشق صعباً للغاية، إضافة لارتفاع تكاليف النقل بين مناطق الورشات والسوق، حيث تضاعفت أجور النقل عدة مرات، وبلغت الأجرة من دوما إلى دمشق خمسة آلاف ليرة سورية بعد أن كانت 500 ليرة سابقاً، ومن درعا 12 ألف مرتفعة من 3 آلاف ليرة في السابق، مع تحمل المنتج الخسائر المحتملة على الطريق لأي بضاعة»، منوهاً إلى أن «أسعار العلف عامل أساسي لتسعير الحليب، فعندما كان سعر العلف 10 ليرات كان الحليب بـ10 ليرات، وعندما بلغ الخمسين ليرة أصبح سعر كيلو الحليب 50 أيضاً».

وأردف الصعيدي عن أسباب قلة الإنتاج، إن «وفاة جزء من مربي الأبقار والأغنام، وانتقالهم من مناطقهم تاركين القطيع خلفهم، ونفوق أعداد كبيرة من الحيوانات، إضافة لتهريب جزء هام من ثروتنا الحيوانية إلى تركيا ولبنان، والأغنام تهرب إلى السعودية عبر العراق، حيث يتم التهريب بغرض بيعها بأسعار مرتفعة خوفاً من نفوقها مع عدم القدرة على العناية بها وتوفير الأعلاف لها».

الجبن البلدي

وتنتج البقرة الواحدة 35 كيلو حليب في اليوم، بينما يعطي الغنم 3,5 كيلو وفي موسم الربيع يصل إلى 4 كيلو يومياً، وهناك تقارب في سعر الأجبان المنتجة من حليب الأبقار وتلك المنتجة من حليب الأغنام.

ويربى الجاموس في سهل الغاب بحماة، الذي يعطي حليباً نسبة الدسم فيه مرتفعة وجيدة، لكن لا يتم تصديره للمحافظات بسبب قلة الإنتاج حيث يستهلك محلياً، الأمر الذي ينطبق على الجمال التي توجد في البادية السورية ولا يباع حليبها بل يستهلك من مربيها.

وتنتج المحافظات الشمالية الشرقية السمون والجبنة الشلل وجبن قشقوان البيتزا، فيما يستمر حالياً فقط معمل تصنيع جبن القشقوان بالتصدير لدمشق، بينما تصل المنتجات الأخرى للمحافظات الساحلية لأنها توفر أسعاراً أفضل خاصة في موسم الصيف.

زيادة الضرائب رغم توقف الدخل

وعن أهم ما تطلبه الجمعية لتخفيف الضغوط المالية على الحرفيين، قال السيد عبد الرحمن إن «تعاون الحواجز على الطرقات بتسهيل مرور السيارات الناقلة للأجبان والألبان يخفف العناء كثيراً ويقلل الخسائر، لأن الأجبان لا يجب أن تبقى لمدة طويلة دون تبريد، والمنتجين المحليين من ورشات صغيرة ليس بإمكانهم توفير برادات للنقل، إضافة لمحاولتنا المستمرة مع مديرية المالية لإعادة النظر بضريبة الدخل المقطوع التي تزيد كل دورة بمقدار 25%، وخاصة بعد أن تم تقليص الدورة الضريبية من 5 سنوات إلى 4 ثم 3 سنوات، علماً أنه في السنوات الثلاث الأخيرة تراجع دخل الكثيرين إن لم يتوقف عند قسم هام أيضاً، لذلك لا بد من تغيير القانون وفقاً للأوضاع، فيما يعتبر دعم مربي الحيوانات بإمدادهم بالعلف اللازم بسعر زهيد، عامل أساسي لاستمرار عملنا وازدهاره دون زيادة الأسعار والأعباء على المواطنين».

لم نسأل عن القرار.. لكن نؤيده

وفيما يتعلق بقرار الاستيراد، نوه الصعيدي إلى أنه «علمنا مؤخراً بصدور قرار يسمح باستيراد الحليب الطازج، لكن لم تتم مشاورتنا كجمعية حرفية بخصوص القرار ومصدر هذا الحليب، علماً أنه قرار إيجابي ومفيد للسوق السورية، لكن من الهام التشاور معنا لتحديد أماكن الورشات العاملة وتشغيل الورشات الأخرى لإيصال الكميات المستوردة إليها بغية تعويض التراجع الكبير في الكميات المنتجة،أما فيما يتعلق باستيراد الأجبان، فالجبن المصري الذي يباع بسعر 350 ل.س/ك غير مرغوب مقارنة بمذاق الجبن البلدي، لذا يفضل التوجه نحو الدول الشرقية مثل بلغاريا والتشيك التي تصنع جبناً قريب المذاق للمحلي».

مساحة ضيقة للغش

ويمكن غش اللبنة عن طريق استعمال النشاء أو الحليب البودرة، وهذا الغش غير ضار بالصحة بل فقط غش بالمكونات، أما إضافة الماء فلا تفيد إلا في حال بيع الحليب طازجاًأما عند تحويله إلى جبنة أو لبنة فهي غير مجدية، لأن الماء يخرج تلقائيا عند ترويبه أو تحويله لجبن.

دمشق نموذجاً..انحسار المصادر وارتفاع الأسعار

ترتبط ارتفاعات أسعار الألبان والأجبان بعاملين الأول هو انخفاض العرض الناجم عن انحسار المصادر، والثاني هو ارتفاع الكلف. أكد عبد الرحمن الصعيدي رئيس الجمعية الحرفية للألبان والأجبان ومشتقاتها تراجع مصادر الألبان والأجبان إلى محافظة دمشق نموذجاً..

 «هذا الوقت من السنة هو موسم عرض أجبان سهل الغاب (جبنة العكاوي) التي كانت تعرض بمعدل 20 ألف تنكة يومياً، إلا أنه وحتى هذا اليوم لم يصل إلينا أية كميات من حماة بسبب تهريب القطيع».

وانخفضت كميات الحليب الواردة إلى مدينة دمشق من 100 طن طازج يومياً إلى 10 طن، كما تأثرت كميات اللبن المباعة لارتباطها بكميات الحليب الطازج الذي يحول إلى لبن داخل البقاليات، أما الجبن فكان يأتي من درعا بمعدل 5 طن من حليب الغنم بين شهر 3-5 ومن حليب البقر من الشهر 6 وحتى الشهر الأول، لكن حالياً تصل كل عشرين يوم كميات قليلة جداً، ويتم الاعتماد على ما يأتي من معمل وحيد  في مدينة بالسويداء بكميات يومية تصل إلى حوالي 1 طن و200 كيلو، إضافة إلى طن واحد من دوما بمعدل ثلاث مرات أسبوعياً، أما الشنكليش فلم ينقطع ومصدره القطيفة بمعدل طن يومياً.

أما مادة السمن فكانت تأتي من البدو وحمص وحلب بمعدل طن يومياً، لكن منذ حوالي السنة توقف إنتاج السمن المحلي، وتحول الاعتماد إلى السمون المستوردة.

كما توقفت الشركة السورية السعودية منذ سنتين عن العمل وتعرضت للنهب الكامل، بعد أن كانت تنتج اللبن الرائب المعلب المتميز وتغذي المشافي العامة والخاصة.

ارتفاع الأسعار وعلاقتها بالتكاليف