عام على كونفدرالية دول الساحل... من التقسيم إلى التوحيد
مرّ عام على إعلان تشكيل كونفدرالية دول الساحل في آب 2024، والتي كانت تطوراً طبيعياً لتحالف دفاع مشترك، وُقّع في أيلول 2023 بين ثلاث دول وسط أفريقيا: مالي، بوركينا فاسو، والنيجر.
ما بدأ كردّ فعل أمني على تهديدات الإرهاب المتنامية، تحوّل تدريجياً إلى مشروع يتجاوز التعاون العسكري ليشمل الاقتصاد، والعملة، والتكامل السياسي والدستوري، في محاولة لإعادة ترتيب خريطة الساحل الأفريقي بعيداً عن النفوذ الغربي، وبات هذا الكيان يُقدّم نموذجاً معاكساً لمسار الفوضى والتقسيم، حيث تُجمّع الدول بدلاً من أن تُقسّم، وتُبنى كيانات تُعبّر عن مصالح الشعوب لا عن مصالح الخارج.
خطوات متسارعة نحو التكامل
شهدت كونفدرالية الساحل خطوات عملية ومتسارعة على طريق التكامل المؤسساتي، فقد تم إطلاق جواز سفر موحد يسهّل التنقّل بين الدول، في خطوة عملية نحو توحيد الحركة والاندماج الإقليمي. وفي موازاة ذلك، تجري مفاوضات متقدمة لإصدار عملة موحدة تُستخدم محل الفرنك الغربي، كتعبير ملموس عن الرغبة في الانفصال عن النظام المالي الفرنسي، والتحرر من القيود المرتبطة به. كما تم إرساء قاعدة مهمة للتعاون الاقتصادي من خلال إنشاء بنك استثماري مشترك، كذلك بدأ التحضير لإنشاء برلمان كونفدرالي، بعد اجتماعات استشارية في واغادوغو جمعت برلمانيين وخبراء من الدول الأعضاء، بهدف بلورة لوائح داخلية وآليات عمل مستقبلية.
تنسيق متصاعد وانتصارات ميدانية
ما يزال الإرهاب التهديد الأساسي الذي تعاني منه الدول الثلاث، لكن الاستجابة باتت أكثر تنسيقاً وفعالية. في خطوة لافتة، أعلنت القوات المسلحة في النيجر مقتل زعيم جماعة «بوكو حرام»، إبراهيم محمدو (باكورو)، خلال عملية دقيقة في إقليم ديفا جنوب شرق البلاد، ما يُعدّ ضربة استراتيجية في معركة مكافحة التطرف. وشهد التعاون الأمني تقدماً ملحوظاً عبر «الحوار الرباعي» الذي يضم الدول الثلاث وروسيا، والذي وصفه وزير الدفاع الروسي بيلوسوف بأنه بات «آلية مهمة لتعزيز التعاون الدفاعي»، مشيراً إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية وتدريب القوات المشتركة. ومن جانبه، أكد الفريق أول ساديو كامارا، رئيس إدارة الدفاع في مالي، أن المبادرة باجتماع وزراء الدفاع تعكس «رغبة مشتركة في تعزيز الشراكة الاستراتيجية»، ما يشير إلى تحوّل الكونفدرالية إلى كيان دفاعي مُنسق يمتلك بنية قيادية مشتركة.
تحولات جيوسياسية: نحو شراكات جديدة
بات واضحاً أن الكونفدرالية تبني علاقاتها على قاعدة جديدة. فقد تعمّق التعاون مع روسيا، ليس فقط في المجال العسكري، بل أيضاً في الصحة، مع إعلان مالي شراكة استراتيجية في الرعاية الصحية. كما تعزز الدور التركي في مجال التسليح والطائرات المسيرة، فيما شكّلت «المبادرة المغربية» نافذة اقتصادية مهمة لضمان وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. وفي خطوة تُوحي بإمكانية التوسع مستقبلاً، شهدت النيجر تقارباً ملحوظاً مع تشاد، حيث ناقش الرئيس محمد ديبي خلال زيارته الثانية التعاون في الطاقة، والاتصالات، ومكافحة الإرهاب عبر الحدود، كذلك تشهد الكونفدرالية تطوراً متنامياً مع دول المجموعة الاقتصادية «الايكواس» حيث انتقلت هذه المجموعة من التهديد والمقاطعة إلى لغة أكثر مرونة، خاصة بعد تحسين العلاقات مع عدة دول منها: موريتانيا وبنين والسنغال.
يُمثل مسار كونفدرالية دول الساحل نموذجاً حياً للفعل الأفريقي المستقل، حيث تُبنى وحدة المنطقة من الداخل، عبر التضامن والقرار الذاتي. في عالم يشهد تفككاً وتنافساً على النفوذ، تُقدّم هذه التجربة برهاناً على أنه من الممكن بناء كيانات قوية تعبر عن هوية الشعوب وطموحاتها، لا عن مصالح القوى الخارجية. ليست الكونفدرالية خالية من التحديات، لكنها تُظهر أن طريق الاستقرار والانعتاق يبدأ بالوحدة، لا بالانقسام، ما قد يحوّل هذه التجربة إلى نموذج لوضع دولي جديد، فبعد أن كان السائد في القارة هو تقسيم البلد الواحد وتعظيم مآسيه بات بالإمكان اليوم الحديث عن طرح بديل قادر على معالجة المشاكل الكبرى التي بدت قبل سنوات قليلة عصيّة على الحل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1240