العلاقات الإثيوبية-الروسية: تأثيرات إقليمية كبيرة مرتقبة
يبدو أن مسارات تطور العلاقات الروسية الأفريقية أخذت مساراً تصاعدياً منذ فترة طويلة نسبياً، ولكن النتائج تبدأ الآن بالظهور، وإنْ كانت على شكل تعزيز للعلاقات الثنائية مباشرةً أو بكثافة اللقاءات والمؤتمرات التي أصبحت بحالة انعقاد شبه دائم، وكان آخرها استضافة إثيوبيا لمنتدى الأعمال الدولي.
وفي هذا السياق يبدو أنّ السياسة الروسية تحاول استثمار الزخم الحالي للعلاقات الروسية الإثيوبيّة بعد انضمام إثيوبيا إلى البريكس، وباعتبارها بوابةً لمجموعة كبيرة من الملفّات العالقة في القرن الأفريقي، وتأثيرها على القضايا الإقليمية المجاورة، كما تحاول روسيا ترسيخ نموذج جديد في العلاقات الدولية يضمن تحقيق المصالح ويستبعد التدخل في شؤون الدول.
شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا انعقاد منتدى الأعمال الدولي «روسيا-إثيوبيا» تحت شعار «الوقت لا ينتظر»، وهو حدثٌ يعكس الأهمية المتزايدة للعلاقات الثنائية بين البلدين في إطار التحولات الدولية المتسارعة. ويهدف المنتدى إلى تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي، ويأتي في توقيت بالغ الأهمية عقب انضمام إثيوبيا إلى مجموعة «بريكس» ما يعزز فرص التعاون على المستويين الاقتصادي والسياسي.
منتدى الأعمال: منصة لتعزيز الشراكة
يُعَدُّ المنتدى الذي استمرّ بين 12 و14 تشرين الثاني منصةً رائدة لتعزيز التعاون بين رجال الأعمال الروس والإثيوبيّين. وقد شهد الحدث مشاركة أكثر من 30 شركةً روسيّة من قطاعات متنوعة: مثل النقل، والبناء، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن السيبراني، والصناعات الزراعية، والسياحة. ويركّز المنتدى على وضع «خريطة طريق» للتعاون المستقبلي في المجالات ذات الأولوية، ما يفتح آفاقاً جديدة للشراكات الاستراتيجيّة.
وأشار إيغور موروزوف، رئيس لجنة التنسيق للتعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية، إلى أنّ انضمام إثيوبيا إلى «بريكس» سيساهم في تسهيل نظم الدفع وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي. معتبراً إنشاء مناطق التجارة الحرة والحدائق الصناعية في إثيوبيا يمثّل فرصة للشركات الروسية لإقامة وجود إقليمي قوي.
انضمام إثيوبيا
إلى «بريكس»: دلالات وفرص
يشكل انضمام إثيوبيا إلى مجموعة «بريكس» تحوّلاً استراتيجياً في دورها الإقليمي والدولي. ويعكس ذلك إدراكاً متزايداً بأهمية إفريقيا في النظام العالمي الجديد. وقد أكد السفير الروسي لدى إثيوبيا، يفغيني تيريخين، أنّ انضمام إثيوبيا يمثل «حقبة جديدة مليئة بالأمل»، مشيراً إلى مزاياها الجغرافية والاقتصادية، بما في ذلك الأراضي الزراعية الغنية، ومواردها المعدنية، وقطاع التكنولوجيا المزدهر.
كما أشار تيريخين إلى أنّ عضوية إثيوبيا في «بريكس» تدعم إصلاح النظام المالي العالَمي وتعزّز التعاون بين بلدان الجنوب. هذا التحالف الناشئ يُعَدُّ بديلاً عن النظام أحادي القطب، ويوفّر فرصاً للحصول على قروض ومساعدات ضرورية لتحقيق تطلّعات التنمية في إثيوبيا.
التقارب السياسي والاقتصادي بين روسيا وإثيوبيا
أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أنّ مواقف البلدين تجاه القضايا العالمية والإقليمية غالباً ما تكون متقاربة. وأشاد بوتين بالنموّ الملحوظ في حجم التجارة بين البلدين، الذي ارتفع بنسبة 65% في عام 2023، مع الإشارة إلى ضرورة الحفاظ على هذه الديناميّات الإيجابية.
بدوره، أشاد آبي أحمد بالأداء الاقتصادي الروسي، معتبراً أنّ الاستقرار الاقتصادي الذي حقّقته روسيا في ظل التحديات العالمية يمثل نموذجاً يُحتذى به. كما أعرب عن تطلّعه لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، بما في ذلك الأمن.
حول حق إثيوبيا في الوصول إلى منفذ مائي
في تصريحات السفير الروسي أكّد دعم بلاده حقَّ إثيوبيا في السعي للوصول إلى منفذٍ مائي، بشرط أنْ يتمّ ذلك في إطار روح حسن الجوار والحوار السلمي بين الدول المعنية. وأكد يفجيني تيركين، خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الإثيوبية، أنّ روسيا تعي تماماً التحديات الكبيرة التي تواجهها الدول التي لا تمتلك منفذاً مباشراً إلى البحر، مشيراً إلى أنّ «عدم الوصول إلى البحر يمثل مشكلة كبيرة جداً لأيّ بلد».
وأضاف السفير أنّ إثيوبيا، بناءً على خلفياتها الجغرافية والتاريخية والاقتصادية، بدأت مناقشات تهدف إلى تأمين منفذ بحري على أساس مبدأ المنافع المتبادلة والشراكات الودّية التي تعزز التنمية المشتركة. وأكّد تيركين أن هذه القضية يجب أنْ تُحلّ بين الدول المجاورة بروح التعاون دون تدخّل خارجي.
كما سلط السفير الضوء على الدور القيادي لإثيوبيا في شرقي أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي، مشيداً بمساهماتها في الاستقرار الإقليمي ودورها كـ«نواة للأمن الإقليمي». وأكَّد العلاقات التاريخية بين روسيا وإثيوبيا، داعياً إلى تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية لتتماشى مع مستوى التعاون السياسي المتقدّم بين البلدين.
التطوّر الملموس في العلاقات الإثيوبية-الروسية يمكن أنْ يتحوّل إلى صمّام أمانٍ حقيقي في القرن الأفريقيّ الذي يشهد جملةً من القضايا الشائكة، ويمكن لهذه العلاقة أنْ تؤدّي دوراً أكبر في نزع فتيل التوتر من قضايا مثل المنفذ البحري والعلاقة مع الصومال، بالإضافة إلى أنّ العلاقات الطيّبة بين روسيا ومصر يمكن أن تسمح لموسكو بأداء دور أكبر في حلّ أزمة سدّ النهضة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1203