السعودية وأوروبا و«بريكس»
أحمد علي أحمد علي

السعودية وأوروبا و«بريكس»

كَثُرت التحليلات التي ترى أن الحضور السعودي للقمة الخليجية الأوروبية التي عقدت في بروكسل في 16 أكتوبر/تشرين أول الجاري، هو تعبير عن التوجه السعودي بعيداً عن الصين وروسيا، ومعظم هذه التحليلات تحاول أنْ تبرهن على صحة ما تأتي به، عبر القول: إن السعودية لن تحضر قمة «بريكس» القادمة ممثلةً بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.. فما حقيقة ما يشاع؟ وهل نحن أمام حالة «طلاق» سعودي مع الشرق؟

السعودية و«بريكس»

استناداً إلى هذا النشاط السعودي وإلى مجريات ونتائج القمة، توصّل البعض إلى نتيجة مفادها، أن التوجه السعودي يشق طريقه بعيداً عن «بريكس» وروسيا والصين باتجاه أوروبا. وفي الحقيقة لم يصدر أي تأكيد سعودي، أو نفي لمسألة حضور الأمير محمد بن سلمان لقمة «بريكس» القادمة أم لا، وإرسال وزير الخارجية السعودية بالنيابة عنه حتى لحظة كتابة هذه المادة، لكن يستند البعض إلى بيان صادر الكرملين يقول: إنه «من غير المتوقع» أن يحضر بن سلمان القمة.
دُعيت السعودية إلى جانب عدّة دول للانضمام إلى مجموعة «بريكس» خلال القمة السابقة التي عُقدت في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا في 22-24 آب/أغسطس من العام الفائت 2023، وجرت خلال القمة توسعة ثانية للمجموعة بالموافقة على عضوية العديد من الدول، وبدء انضمامها بشكل رسمي اعتباراً من 1 كانون الثاني/يناير 2024، ويجري الحديث في وسائل إعلام مختلفة، وبشكل غير رسمي، أن المسألة تتطلب تفعيل العضوية ما بعد الموافقة، وأن السعودية لم تُفعّل انضمامها بصورة رسمية إلى مجموعة «بريكس» حتى الآن، وأن الحضور السعودي في القمة التي تنطلق 22 تشرين الأول/أكتوبر سيكون بصفة دولة مراقبة، وليست دولة عضو، لكن كل هذه الأحاديث لا يمكن أن يُبنى على أساسها أي استنتاجات متسرعة، وخصوصاً أنّها بمعظمها ليست صاردة عن مصادر رسمية معروفة.
ما يدفعنا للاستنتاج أن السعودية ستكون حاضرة في القمة الحالية لـ «بريكس»، بغض النظر عن شكل التمثيل الحالي ومن سيحضر، إن كان ولي العهد أو وزير خارجيته، لكن المشكلة هي بما يُشاع والتأويلات التي يجري تعميمها وفرضها على المتلقي بناء على شكل الحضور، والتي يغيب عنها بعض المسائل التي نجدها ضرورية لتحليل الأمر وفهمه.

طبيعة العلاقة

يتناول البعض المسألة من منطلق أن العلاقة السعودية مع الغرب هي علاقة «زواج كاثوليكي»، أي أنها علاقة دائمة ومستقرة محرّم فيها «الطلاق»، ومحرمة فيها «الزيجات» الأخرى، رغم أن السعودية وبمواقفها الرسمية والخارجية، والتي يمكن الرجوع إليها، لم تطرح إطلاقاً أنّ علاقاتها هي علاقات حصرية، إنْ كان مع الشرق أو مع الغرب، أي إنها على طول الخط كانت منفتحة للعلاقات مع الشرق والغرب، وفق ما تراه متلائماً مع مصلحتها واستراتيجيتها.
وعن طبيعة العلاقة مع الغرب اليوم، فإن الحقيقة أن السعودية لم تنهِ هذه العلاقة ولم تقطعها، بل غيّرت شكلها بناءً على مصالحها كدولة بالدرجة الأولى، وبما يتناسب مع متغيرات العالم الجديد، والتوازنات الدولية الجديدة، التي يتقدم بها قطب «بريكس» وعلى رأسه روسيا والصين في الميزان الدولي، مقابل تراجع الغرب وعلى رأسه أمريكا.
وعلى هذا الأساس، فإن القرار السعودي بفتح علاقات مع روسيا، والتنسيق العالي معها فيما يخص «أوبك+»، وتقديم طلب للانضمام إلى «بريكس»، بالتوازي مع فتح وتطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين، والسعي لجذب استثماراتها إلى السعودية، هي بالجملة تعبير عن وجود قرار استراتيجي سعودي مبني على قناعة حقيقية بضرورة فتح أبواب المملكة تجاه الشرق، وليس الأمر عبارة عن قرار ارتجالي اتخذته السعودية بلحظة ما، وقد تتراجع عنه بلحظة من اللحظات، وفق ما يظن بعض المحللين.
وهذا لا يعني أننا سنشهد قطيعة سعودية مع الغرب، فحتى هذا غير مطروح سعودياً في الوقت الحالي، أي ربما الأصح في وصف العلاقات السعودية الخارجية، إنها مفتوحة على شراكات وتحالفات جديدة، ترتبط إلى درجة كبيرة بقدرة السعودية على الحركة والمناورة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1197