مالي والجزائر مثال لشكلٍ جديدٍ من العلاقات
كنان دويعر كنان دويعر

مالي والجزائر مثال لشكلٍ جديدٍ من العلاقات

شهدت العلاقات الجزائرية مع دول كونفدرالية الساحل الأفريقي- مالي، بوركينا فاسو، والنيجر- تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خاصة مع الانقلابات العسكرية التي شهدتها هذه الدول، حيث تبنت الجزائر موقفاً منفرداً في البداية دعت إلى عودة السطات الدستورية، ولكن رفضت بشكل واضح التدخل العسكري الذي هددت باستخدامه دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا «إيكواس».

لتظهر بعدها مجموعة كبيرة من التحديات في علاقة دول الكونفدرالية مع دول الإقليم، خاصة فيما يتعلق بأزمة ترحيل اللاجئين بين الجزائر والنيجر، وأزمة خروج السلطات الجديدة في مالي من اتفاق المصالحة الذي رعته الجزائر، وما تبعها من تبادل للاتهامات على منبر الأمم المتحدة بين المندوب المالي والجزائري، الأمر لا يقتصر على الجزائر، فقد شهدت العلاقات مع بنين وغانا والسنغال وموريتانيا تحديات متعددة، ولكن يبدو أن هنالك رغبة واضحة في حل المشاكل بهدوء، بعيداً عن الضجيج الإعلامي والتدخلات الدولية.
سنعرض في هذا المقال تطور العلاقات بين الجزائر ودول الكونفدرالية، خاصة النيجر، وأثره لاحقاً على العلاقات مع دولة مالي، حيث تلعب الجزائر دوراً إقليمياً بالغ الأهمية في شمال وغرب أفريقيا، تسعى من خلاله إلى تعزيز استقرار الإقليم، والدفاع عن مصالحها الوطنية والإقليمية.

العلاقات الجزائرية النيجرية في مجال الطاقة

زيارة وزير البترول النيجري إلى الجزائر في 10 سبتمبر 2023 كانت جزءاً من جهود لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة. مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء (TSGP)، الذي يربط نيجيريا مروراً بالنيجر، وصولاً إلى الجزائر، يمثل خطوة استراتيجية مهمة، ليس فقط لتعزيز النمو الاقتصادي في النيجر والجزائر، بل أيضاً لخلق فرص عمل واسعة النطاق وتعزيز البنية التحتية للطاقة.
المشروع الذي تصل تكلفته إلى 13 مليار دولار، سيتيح للنيجر أن تكون محوراً إقليمياً لنقل الغاز إلى أوروبا، وهو ما يعطي للنيجر والجزائر وزناً جيواستراتيجياً أكبر. وقد أسفر التعاون بين الجزائر والنيجر أيضاً عن اتفاق لتسريع وتيرة العمل في مشروع كفرا النفطي شمال النيجر، الذي تديره شركة سوناطراك الجزائرية، ما يعزز التعاون في استكشاف واستغلال الموارد البترولية.

الجزائر والنيجر: نحو شراكة شامل

في زيارة رسمية لرئيس وزراء النيجر إلى الجزائر برفقة وفد مكوّن من ثمانية وزراء، توصلت الدولتان إلى اتفاق لإعادة تنشيط العلاقات. هذه الزيارة كانت إشارة قوية إلى الأهمية التي توليها الجزائر لتعزيز الشراكات الإقليمية. الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أكد خلال محادثاته مع الوفد النيجري على مبدأ حسن الجوار، وأن الجزائر لم تفرض نفسها يوماً على النيجر أو مالي، وإنما تتعامل معهما كشركاء متساويين.
وعقب الإطاحة بالرئيس النيجري السابق محمد بازوم، كانت الجزائر من أوائل الدول التي دعت إلى استعادة النظام الدستوري في النيجر، لكنها عارضت بشدة التدخل العسكري الذي لوحت به مجموعة «إيكواس». وأكدت هذه المواقف التزام الجزائر بالحلول الأفريقية الداخلية، بعيداً عن تدخلات القوى الغربية، التي غالباً ما كانت سبباً في تأجيج الأزمات في المنطقة.
وفي لقاء جمع بين وزير الدفاع النيجري ورئيس الأركان الجزائري، شدد الأخير على ضرورة اعتماد الدول الأفريقية على قدراتها الداخلية في حل مشكلاتها. هذه الرسالة كانت موجهة ضد التدخلات الأجنبية، وخاصة الفرنسية والأمريكية، التي لطالما كانت مصدراً لعدم الاستقرار في الساحل الأفريقي.

حول قضية الأزواد: التوترات والعلاقات المتبادلة

رغم التوترات بين الجزائر ومالي بشأن قضية الأزواد، فإن الجزائر حرصت على التمسك بمبدأ الحوار لحل هذا الخلاف. فبعد خروج مالي من اتفاق السلام الذي رعته الجزائر عام 2015 والذي وضع حداً للصراع بين مجتمع الأزواد والجيش المالي، استدعت الجزائر سفيرها في باماكو في كانون الأول 2023، مما زاد من تعقيد العلاقات. لكن على الرغم من هذه التوترات، ظلت الجزائر حريصة على أن تبقى الأبواب مفتوحة للتفاهم مع مالي، معتبرةً أن التدخلات الأجنبية، سواء كانت فرنسية أو أمريكية، هي التي تؤدي إلى تفاقم الأزمات بين الدول الأفريقية.

نحو شراكة إقليمية للتنمية والاستقرار

مشروع ربط الغاز والتعاون النفطي بين الجزائر والنيجر، إلى جانب السياسات القائمة على مبدأ حسن الجوار واحترام السيادة، تمثل نموذجاً يمكن لدول الساحل أن تحتذي به لتحقيق التنمية والاستقرار. هذه الدول قادرة على حل مشكلاتها بنفسها، دون الحاجة إلى التدخلات الخارجية الهدامة، من خلال تعزيز العلاقات الإيجابية بين الجزائر والنيجر، يمكن تحقيق استقرار أكبر في المنطقة، مما يساهم في تقليل التوترات مع مالي وبقية دول الساحل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1197