«كونفدرالية دول الساحل» ومعركة الدفاع عن الاستقلال
تدخل «كونفدرالية دول الساحل» مرحلة جديدة، فالإرهاب الذي كان جزءاً أساسياً من المشهد سابقاً، بات اليوم ينقل ثقله بشكلٍ واضح إلى دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهو ما يظهر أن الوسائل التقليدية في احتواء ما يجري هناك غربياً لم تعد يعوّل عليها.
شهدت منطقة الساحل الأفريقي، وخصوصاً مالي وبوركينا فاسو، تصاعداً خطيراً في الهجمات الإرهابية في الأشهر الأخيرة، مما يعكس تعقيدات الوضع الأمني المتدهور. في مالي، في 17 سبتمبر 2024، تعرضت العاصمة باماكو لهجمات منسقة، استهدفت مطار موديبو كيتا الدولي، ومدرسة الدرك الوطني، مما أدى إلى تضرر طائرات رئاسية وعسكرية، بالإضافة إلى مقتل وإصابة عدد من العسكريين والمدنيين.
هذه الهجمات كانت غير مسبوقة في العاصمة المالية، وتم ربطها بتوترات أمنية وسياسية داخلية، خصوصاً مع قرب بدء محاكمة ضباط كبار متهمين بجرائم مالية في قضية تعود إلى 2014، تشمل شراء طائرة رئاسية ومعدات عسكرية، وكانوا محتجزين وفق تقارير متعددة في مدرسة الدرك الوطني.
في بوركينا فاسو، لم تكن الهجمات الإرهابية أقل خطورة، حيث شهدت البلاد تصاعداً في الهجمات التي استهدفت المدنيين، وذلك ضمن عمليات انتقامية من الجماعات الجهادية ضد المجتمعات التي رفضت الانضمام إلى صفوفها، أو تعاونت مع الحكومة. هذا التصعيد يعكس محاولة تلك الجماعات فرض سيطرتها على المناطق التي تعاني بالفعل من الفقر والنزاع.
يأتي هذا التصعيد في وقت تسعى فيه دول مالي، بوركينا فاسو، والنيجر لتعزيز تعاونها على جميع الصُّعد. هذه الدول الثلاث التي تشكل «تحالف دول الساحل» تبنت مساراً جديداً بعيداً عن النفوذ الغربي، وحققت خطوات مهمة جداً في هذا المجال، وخاصة في طرد القوات الفرنسية والأمريكية من أراضيها، في الوقت الذي حاولت فيه الولايات المتحدة بشكل خاص، تعديل الاتفاقيات مع النيجر، لضمان استمرار عمل قواتها في هذه البلاد، وقوبلت تلك المحاولات بالاصرار على خروج القوات الأمريكية، وتسليم القواعد العسكرية للسطات المحلية، كذلك لم تؤد العقوبات والترهيب- الذي تم تبنيه من دول الإيكواس بضغط من الدول الغربية- أيّاً من غايتهما، بل على نحو معاكس يتم بشكل متتالٍ إعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع عدد من دول الإيكواس كالسنغال وبينين، التي أعادت تصدير النفط النيجري من موانئها.
تعزيز الكونفدرالية
مؤخراً، يتم تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين دول الكونفدرالية (مالي– بوركينا فاسو– النيجر) على مستويات عِدّة. في هذا الإطار، أطلقت الدول الثلاث مبادرة لإصدار جوازات سفر بيومترية لتعزيز حرية الحركة لمواطنيها، بما يعكس استقلالها عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، كذلك عقد اجتماع مهم على مستوى وزراء الخارجية احتفالاً بالذكرى السنوية الأولى لتوقيع ميثاق ليبتاكو-غورما. هذا الميثاق يعكس التوجه المتزايد نحو تعزيز التعاون الشامل بين الدول الثلاث، في مجالات الأمن، والاقتصاد، والسياسة. هذا التعاون يُعَد خطوة كبيرة نحو تحقيق التكامل الإقليمي، خصوصاً في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، مثل: الإرهاب والصراعات المسلحة في منطقة الساحل.
في النيجر، ترأس الجنرال تشياني اجتماع مجلس الوزراء، والذي اتخذت فيه قرارات مهمة، بما في ذلك إنشاء شركتين حكوميتين لإدارة الموارد الطبيعية في النيجر: شركة مازوماوا الوطنية للذهب، وشركة تيمرسوا الوطنية لليورانيوم، وذلك بهدف ضمان سيادة كاملة على موارد الذهب واليورانيوم واستغلالها لصالح الشعب.
من الواضح، أن تصاعد الهجمات الإرهابية في هذه الدول ليس مجرد تصعيد للعنف، بل هو جزء من محاولات الضغط على الحكومات الانتقالية، التي اتخذت مساراً مستقلاً عن القوى الغربية، فالإرهاب المنتشر في منطقة الساحل هو بكل وضوح أداة أساسية في محاولة توجيه سلوك دول المنطقة، ويستهدف بشكل أساسي استقرارها ويحاول منع بناء أي مشروع وطني حقيقي في منطقة استراتيجية وغنية بالثروات، ولكن اللجوء إلى تصعيد الهجمات الإرهابية في هذه اللحظات بالذات، إنما يعكس أن الوسائل الأخرى في التأثير بسياسية دول الكونفدرالية الناشئة لا تعطي النتيجة المرجوة، ولذلك لا ترى الدول الغربية الآن سبيلاً آخراً لضرب هذه النزعة الاستقلالية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1193