الأسباب الحقيقية المعيقة للاتفاق الأمريكي- السعودي
تجددت الأحاديث في الأيام الماضية عن احتمال حدوث اختراقات في المفاوضات الأمريكية- السعودية، وخصوصاً فيما يخص ملف التطبيع مع الكيان، وبالرغم من أن هذا الموضوع بات عنواناً متكرراً يُعاد فيه تقريباً طرح المواقف ذاتها في كل مرة، إلا أنّه يخفي واحداً من الأسرار التي يمكن من خلاله تقديم فهم أوسع لما يجري حولنا.
تتشابك القضايا في الشرق الأوسط إلى تلك الدرجة التي يستحيل نقاش إحداها دون الأخرى، لكن ما يثير الانتباه، هو أن الإجابات البسيطة التي كان يجري عرضها فيما يخص أي قضية من هذه القضايا باتت جُملاً منقوصة لا تلبي الغرض منها! ما يفرض علينا البحث عن الإجابات المركبة، فإذا طرحنا جملة من الأسئلة: ما هو جوهر المفاوضات السعودية- الأمريكية؟ ولماذا يتمسك كل طرف بشروطه؟ في الجهة الثانية: لماذا لا يبدي نتنياهو وأي من أعضاء الحكومة أيّ مرونة في نقاش الشروط السعودية؟ والسؤال الأخير: ما هو موقف القوى الدولية الأخرى من كل هذا؟
عن المفاوضات الثنائية
تمتلئ الصحف والمواقع الإعلامية بتقارير وتحليلات و«تسريبات» حول هذه المفاوضات، لكن مضمونها لم يعد غامضاً كما كان في البداية، فالولايات المتحدة كانت تعمل على إنجاز اتفاق بين السعودية والكيان الصهيوني بهدف تطبيع العلاقات، الخطوة لم تكن تبدو معقدة، وخصوصاً بعد أن أنجزت واشنطن اتفاقيات مماثلة قبل ذلك مع دول خليجية وعربية أخرى، لكن السعودية سرعان ما وضعت شروطاً لإنجاز اتفاق من هذا النوع، وإن كنا لسنا في صدد عرض المواقف مجدداً، إلا أن خطوطها العريضة تنقسم في اتجاهين، الأول: مرتبط بالقضية الفلسطينية، وتحديداً قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس. أما الثاني: يتمحور حول تثبيت مستوى متقدم في العلاقة مع الولايات المتحدة، تلتزم الأخيرة فيها أمام السعودية بتعهدات مكتوبة للدفاع عن المملكة، وتُقدم برنامجاً نووياً سلمياً بمستوى عالٍ من الاستقلالية بالإضافة إلى تفاصيل أخرى ترسم في مجملها ملامح الطموح السعودي بأداء دور إقليمي محوري أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، ويملك مقومات بقائه وتطوره.
أما في واشنطن، تبدو الصورة صعبة، إذ أن المطالب السعودية تتعارض مع السياسية الأمريكية المعروفة تاريخياً في منطقتنا والعالم، فلم يكن المطلوب أمريكياً أبداً تدعيم أي شكل من أشكال الاستقرار المستدام داخل أي من هذه البلدان، ولم تتعد الطموحات الأمريكية تقديم خدمات لواشنطن في مقابل «عطايا أمريكية» لا تخدم أبداً قيام دول مستقلة ذات سيادة حقيقة، والأصعب بالنسبة للولايات المتحدة، أن المطالب السعودية هذه لا يمكن قبولها لأن ذلك سيفتح الباب أمام تغيرات كبرى في مواقف دول أخرى كثيرة، وتفرض على أمريكا أن تتعامل بنوع من النّدّية مع الدول الأخرى، وأن تبني سياستها على أساس المصالح والمنافع المشتركة، وهو ما يتعارض مع جوهر السياسة الخارجية الأمريكية! ورغم أن المفاوضين الأمريكيين، أبدوا مرونة على ما يبدو في نقاش هذه المسائل مع الجانب السعودي، إلّا أن تمرير اتفاقات من هذا النوع ضمن البنية السياسية الحالية كان ليكون أمراً شديد الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.
الموقف «الإسرائيلي»
لم تبد حكومة نتنياهو تعاوناً في هذه المسألة، ورغم أن الحصول على اتفاق تطبيع مع السعودية ينظر إليه داخل الكيان بوصفه إنجازاً عالي القيمة، إلا أن المطالب السعودية بدت مرة جديدة لا يمكن قبولها، ولم يكن أيّ من الوجوه البارزة في الحكومة «الإسرائيلية» الحالية مستعداً حتى لإطلاق وعود بقبول قيام دولة فلسطينية، لا الآن ولا في المستقبل القريب!
فمن جهة أولى، قامت هذه الحكومة على أسس هشة، ويمكن لأي تصريح حتى وإن كان للاستهلاك الإعلامي أن يسقط التحالف القائم، ويُعيد الكيان إلى دوامة انتخابات غير منتهية.
ومن جهة ثانية لم تقبل أي حكومة صهيونية قيام دولة فلسطينية، أي أن المشكلة لا ترتبط فقط بحكومة نتنياهو كما يجري الترويج، فقيام الدولة الفلسطينية خطر وجودي على المشروع الصهيوني، ومن هذه الزاوية لم يكن مطروحاً للنقاش بشكلٍ جدّي على طاولة القرار «الإسرائيلي».
وفي الوقت الذي ترتفع الأصوات القادمة من داخل «إسرائيل» القائلة بأن خطراً وجودياً يهدد بقاء الكيان الصهيوني، فهذا يعني أن رفض قيام دولة فلسطينية يمكن أن يشتد أكثر، وخصوصاً في ظل تبدل الظرف الدولي الذي بات يسمح فعلياً بطرح هذه المسألة وفرضها على «إسرائيل».
حول المسألة الأخيرة
مشروع التطبيع الأمريكي يرتبط بخلق مناخ مناسب لبناء جبهة شرق أوسطية في مواجهة إيران، تُظهر الأصيل في المنطقة بوصفه هجيناً، وتحوّل الهجين الحقيقي إلى جزء من النسيج الإقليمي، وهو ما من شأنه أن يخلق حالة متفجرة لا تخدم مصلحة دول المنطقة، والأهم من ذلك أنه يستهدف في إطاره العام، تفجير المزيد من الألغام لإعاقة المنافسين الدوليين.
المطلوب أمريكياً، هو تجزئة مساحة واسعة وعزلها عن بعضها، وخلق حواجز تُعيق الحركة البينية بينها، بينما المطلوب بالنسبة لدول الجنوب العالمي اليوم هو عكس ذلك تماماً، ومن هنا تكون مواقف دول، مثل: روسيا والصين ملتزمة أكثر في المخارج الآمنة التي تضمن حل المشاكل بطرق مستدامة، ولا تبدي حماساً اتجاه مشاريع التطبيع الأمريكية، بل تعمل على تعطيلها وتقديم بدائل لها.
لم يعد الظرف السياسي في الإقليم والعالم يسمح بهوامش كبيرة للمناورة، ولم يعد بإمكان أي طرف مهما كان وزنه أن يتنازل، ومن سيقدم تنازلاً لن يكون إلا مكرهاً على ذلك، فإن فشلت المحاولة الأمريكية الجديدة، فسوف تجبر واشنطن على تقديم تنازلات، وعندها فقط يمكن أن نشهد تطوراً نوعياً في كل ما نعيشه الآن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1173