في تداعيات المحادثات المسرّبة للضباط الألمان

في تداعيات المحادثات المسرّبة للضباط الألمان

نشرت رئيسة تحرير شبكة روسيا اليوم مارغريتا سيومنيان تسجيلاً صوتياً لمجموعة ضباط ألمان بحثوا خلاله توريد أنظمة صواريخ «تاوروس» بعيدة المدى لأوكرانيا، والتحضير لشن هجمات ضد روسيا بما فيها استهداف جسر القرم، وأدى هذا التسريب إلى رد فعل كبير داخل ألمانيا ووضعها تحت ضغط داخلي وخارجي على حدّ سواء.

محتويات التسجيل الرئيسية

في المحادثة التي أجريت في 19 شباط من العام الجاري واستمرت لـ 38 دقيقة بمشاركة 4 ضباط ألمان هم: رئيس قسم العمليات والتدريبات في القوات الجوية الألمانية فرانك غريفي، وقائد القوات الجوية الألمانية إنغو غيرهارتز وموظفو مركز العمليات الجوية في قيادة القضاء الألماني فينسكي وفروشتدت. ناقش الضباط الألمان الحرب الأوكرانية، وكيفية تزويد كييف بصواريخ «تاوروس» بعيدة المدى، والتعاون مع البريطانيين بشأن تقديم الدعم لهم فيما وصفوه بالمرحلة الأولية ومسائل التخطيط، وتحدثوا خلال الاجتماع عن إمكانية استهداف جسر القرم عبر مضيق كيرتش بالبحر الأسود بصواريخ «تاوروس»، حيث قال غريفي: «نحن بحاجة إلى تقسيمها إلى مراحل. أولاً: نبدأ بالخطوات البسيطة، ثم ننتقل إلى الأكثر تعقيداً [...] أو يمكننا أن نتوجه إلى البريطانيين بشأن إمكانية تقديم الدعم لنا في المرحلة الأولية، وأن يتعاملوا مع قضايا التخطيط». وخلال المحادثة أوضح الضباط ارتباكهم من موقف شولتس المعلن حول رفضه توريد أنظمة «تاوروس» إلى أوكرانيا وقال غيرهارتز: «لا أحد يعرف حقاً سبب عرقلة المستشار».

موقف شولتس من توريد «تاوروس»

نشرت الاستخبارات الروسية عبر «روسيا اليوم» هذا التسجيل بعد بضعة أيام من تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتس التي أوضحت معارضته توريد أنظمة «تاوروس» إلى أوكرانيا، والتي يدعو إليها بعض النواب اليمينيين في البوندستاغ الألماني، ويريدون طرح هذا الأمر للتصويت. واعتبر شولتس أن هذه الصواريخ التي يبلغ مداها 500 كلم وبدقة عالية يمكن أن يجري استخدامها لاستهداف العمق الروسي وموسكو تحديداً، وعليه فإن مراقبة استخدامها تتطلب وجود ضباط ألمان داخل الأراضي الأوكرانية وهو أمر لا يمكن القيام به، ومن جهة أخرى يشير هذا الموقف إلى وجود تخوفات وحسابات لدى شولتس من ردود الفعل الروسية حول هذا الأمر.

التورط الألماني في أوكرانيا

كشف التسجيل المسرب عن مدى درجة تورط الألمان بالحرب الأوكرانية بشكلٍ مباشر، لا على مستوى تقديم الدعم والمساعدات المالية والعسكرية اللوجستية فحسب، وإنما على مستوى دور في إدارة وقيادة المعركة وتوجيهها، وهو أمر معروف بطبيعة الحال ليس من ألمانيا فقط، وإنما على مستوى الغرب عموماً، إلا أن التسجيل يشكل أحد الأدلة الفاضحة لهذا الأمر رغم كل الادعاءات الغربية بخلاف ذلك.
من جهة أخرى، فإن التسجيل الذي يناقش فيه الضباط الألمان مرحلة ما بعد تسليم أنظمة «تاوروس» ودراسة أحد الأهداف عملياً متمثلاً بجسر القرم، يضع إشارات استفهام كبرى حول مصداقية تصريحات شولتس بالنسبة للموقف الألماني، والذي يعتبرها الضباط «عرقلة» في الوقت الحالي.
أكثر من ذلك، إن التسجيل بَيّن وجود تناقض ما بين شولتس والضباط الألمان، وتحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول ذلك بقوله في مؤتمر صحفي «لقد شهدنا مؤخراً حقائق كشفت الخلافات بين شولتس والقوات المسلحة الألمانية حول بعض الخطط الماكرة للجيش الألماني، والتي أصبحت واضحة بعد نشر هذا التسجيل الصوتي. إن هذه لفضيحة صارخة».
كل ذلك يشير إلى حجم الانقسامات حول الاستراتيجية الألمانية في أوكرانيا، وإن نشر تسجيل كهذا يمكن أن يفاقم الخلافات، لا في ألمانيا وحدها وإنما في أوروبا كلّها.

الرد الألماني على التسجيل المسرب

لم يقدم المسؤولون الألمان أي تفسيرات واضحة ومباشرة رسمية حول محتويات التسجيل المسرب، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: إن الحكومة الألمانية تحاول التنصّل منه.
وما يجري الحديث عنه بشكل رسمي هو ضرورة التحقيق بالاختراق الأمني وكيفية معالجة الضعف في الاستخبارات الألمانية وهيئة مكافحة التجسس الألمانية التي بان فشلها. وحول المحادثات قال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس: «من الواضح أن الكثير من المعلومات التي تمت مناقشتها خلال هذه المحادثة كانت معروفة سابقاً من خلال مناقشات عامة، ولكن هذا ليس هو الحال بشكل عام بالنسبة لجانب آخر من المعلومات. نحن بحاجة إلى توضيح سبب مناقشتها وما إذا كان من الممكن مناقشتها».

ردود الفعل وتأثيرات التسريب

أدى تسريب التسجيل بالدرجة الأولى إلى وقف إمكانية توريد أنظمة «تاوروس» إلى أوكرانيا في المرحلة الجارية، ومن جهة أخرى أدى إلى توضيح وتعرية السلوك الألماني المعادي لروسيا مباشرةً، بصرف النظر عن الخصوصية الأوكرانية، وهو الأمر الذي أوجد تداعيات وتخوفات داخل المجتمع الألماني من احتمالات تصعيد ونشوب حرب مباشرة بين ألمانيا وروسيا، بما يعني ذلك الناتو أيضاً، وتوضيح أن ما يجري وصولاً إلى مثل احتمالات كهذه إنما يبدأه ويطلق شرارته الغربيون أولاً بمثل هذه الإجراءات والاستفزازات المباشرة لموسكو.
فالمجتمع الألماني، وإن كان يقع عموماً تحت تأثير الدعاية والإعلام الغربي بموقفه المعادي لروسيا والموقف من الحرب الأوكرانية، إلا أنه يخشى نشوب أيِّ حرب جديدة، خاصة بعد اختبار ما جرى في أوكرانيا، وأكثر منه فشل الهجوم العسكري الأوكراني المضاد رغم كل الدعم الغربي السياسي والإعلامي والعسكري له، وعليه فإن توضيح هذه المسائل وجعلها علانية، أدى ويؤدي لتشكيل ضغط داخلي شديد على القيادة الألمانية. ومن ذلك مثالاً ما قاله عضو البرلمان الألماني السابق فالديمار غيرتد «الهجوم على جسر القرم عمل جنوني يجر بلادنا إلى النزاع في أوكرانيا، بما يعني أن حياة المواطنين الألمان لا تعني شيئاً بالنسبة للسلطات الألمانية».
من جهة أخرى، يؤدي هذا التسريب إلى تعزيز الخلافات داخل القيادة الألمانية نفسها والإضرار بعلاقتها مع مختلف القوى السياسية في البلاد، فمثل هذا التدخل المباشر والفاضح بالمعركة الأوكرانية بما تحمله من تهديد بصراع مباشر مع روسيا دون توضيحه مسبقاً وعرضه للنقاش يمثل مشكلة سياسية تتعلق بالشفافية و«الديمقراطية».
كذلك فإن نجاح الاستخبارات الروسية وفشل الاستخبارات الألمانية، يضع القيادة الألمانية الحالية تحت ضغط مضاعف داخلياً وخارجياً فيما يتعلق بدرجة الثقة والأمان بالتعاطي مع هذه الأمور. داخلياً، يقوض هذا الأمر ثقة المجتمع الألماني بقيادته السياسية والاستخباراتية والعسكرية الحالية. وخارجياً، يجعل من حلفاء ألمانيا ضمن الناتو أو خارجه أكثر حذراً بالتعاطي معها، وقد بدأ ذلك بالفعل حيث تم وصف الضباط الألمان رفيعي المستوى الذين أجروا المحادثة بتدنّي مسؤوليتهم الأمنية وأن هذا الأمر يعد خطيراً، ليس فقط فيما يتعلق بألمانيا نفسها، إنما حتى بالنسبة للدول الأخرى كبريطانيا التي تطرّقوا إليها خلال اجتماعهم الهاتفي.
وزادت التخوفات من وجود أحاديث عسكرية سرية أخرى مخترقة استخبارياً في ألمانيا بالدرجة الأولى والغرب عموماً، وما قد يحدثه ذلك من صدمات أمنية وسياسية أكبر.
أما فيما يتعلق بروسيا، فإن هذا الأمر يعزز من موقفها ومصداقيتها فيما يتعلق بالخطط الغربية المعادية لها، والالتفاف حولها على المستويين الداخلي في المجتمع الروسي، والخارجي بالنسبة لحلفائها أو من يميل نحوها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1165