واشنطن «أضاعت» أسلحة بقيمة مليار دولار في أوكرانيا!
يستمر الحدث الأوكراني في مرحلة جديدة، إذ لا تزال المساعدات الأمريكية والأوروبية متوقفة، وأعلنت واشنطن أنها سلّمت بالفعل آخر حزمة مساعدات يمكن تقديمها، ما دفع زيلينسكي للبحث عن «داعمين جدد» في دول البلطيق، ويترافق كل ذلك مع حديث كثير عن مستويات غير مسبوقة من الفساد، بعد أن اضطرت واشنطن لكشف فشلها بتتبع أسلحة بقيمة تتجاوز مليار دولار!
كل ذلك يدعو للتساؤل عن طبيعة الدور المرجو أمريكياً من أوكرانيا في الفترة اللاحقة، خاصة بعد الهزائم العسكرية الأخيرة، فما معنى فقدان تتبع الأسلحة، وهل سيستمر زيلينسكي بقيادة البلاد طويلاً، وكم ستتحمل كييف من حالة عدم الاستقرار؟
المساعدات توقفت رسمياً
لا تزال مسألة المساعدات الأمريكية والأوروبية لكييف معرقلة من قبل الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي، والمجر في الاتحاد الأوروبي، وليعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي يوم الخميس خلال مؤتمر، أن الإدارة الأمريكية قد استنفذت الأموال المخصصة لدعم أوكرانيا، وقدمت بالفعل آخر حزمة مساعدات عسكرية لها، قائلاً: «نعم، قدمنا آخر حزمة من الاحتياطيات المتوفرة، كان لدينا التمويل لها [...] المساعدات التي كنا نقدمها قد توقفت» مشيراً إلى ضرورة تعامل الكونغرس الأمريكي مع هذا الأمر باعتباره «يخص الأمن القومي»، لكن حتى الآن لا تزال المؤشرات تفيد بعدم ميل الجمهوريين نحو تغيير موقفهم، خاصة بعد الهزيمة العسكرية بالهجوم الأوكراني المضاد، وتقارير الفساد المتعلقة بكييف.
وفي أوروبا، تجري المشاورات والمفاوضات مع المجر من أجل الفيتو الذي وضعته على ميزانية المساعدات المقدرة بـ 50 مليار يورو، وفي هذا السياق يعطي الأوروبيون إشارات استعداد بقبولهم فكرة المجر بمراجعة برنامج المساعدات «2024 – 2027» ومدى التزام كييف بشروط حصولها على المساعدات ، وإتاحة الإمكانية لرئيس الوزراء المجري سحب موافقته على تمويل كييف في العام المقبل، إذا لزم الأمر بعدها، بمقابل موافقة المجر على تقديم المساعدات المالية هذا العام، علماً أن المجر اقترحت كذلك تقسيم حزمة المساعدات إلى 4 حزم بقيمة 12.5 مليار يورو يجري إقرارها سنوياً.
جولات «تسوّل» مخجلة
وسط مخاطر نقص التمويل والسلاح والذخيرة التي تشهدها أوكرانيا حالياً، خرج الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بجولة جديدة إلى دول البلطيق هذه المرة، حصد منها الوعود، حيث أعلن رئيس لاتفيا إدغار رينكيفيتش، أن البلاد سترسل حزمة جديدة من المساعدات العسكرية لكييف، تشمل الأسلحة والأمتعة قائلاً: «أبلغت رئيس أوكرانيا بحزمة مساعدات تشمل مدافع هاوتزر، وقذائف مدفعية، وأسلحة مضادة للدبابات وصواريخ دفاع جوي، ومدافع هاون ومروحيات ومسيرات ومعدات شتوية شخصية»، ووعدت استونيا بتخصيص 1.2 مليار يورو كمساعدات أسلحة لأوكرانيا، وفي غضون ثلاث سنوات!
وفي إطار السعي لتأمين الاحتياجات الأوكرانية المتزايدة، قال زيلينسكي: إن 11 مليون متقاعد في بلاده سوف يعانون بسبب توقف المساعدات الغربية! قائلاً: «المتقاعدون الأوكرانيون لا يمتلكون المال» بردّ منه على تصريحات المرشح الرئاسي الأمريكي رون ديسانتيس، الذي قال بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يقدم توضيحاً للشعب الأمريكي حول الغاية من دعم كييف، وقال: «لا يستطيع بايدن حتى أن يخبرنا ما هو الهدف النهائي من دعم أوكرانيا» مشيراً إلى أن الحدود الأمريكية والصين هما أولويات الولايات المتحدة الآن، بينما على أوروبا بذل مزيد من الجهد ومساعدة أوكرانيا، لأن «روسيا تشكل تهديداً لهم» على حد تعبيره.
ليفضي هذا الأمر بالمحصلة إلى ترك مسألة تمويل أوكرانيا للأوروبيين حمايةً لأنفسهم من «التهديد الروسي» الذي روّجت له واشنطن أساساً، والذي من الممكن أن يصل لنتائج معاكسة تفرض على الأوروبيين الدفع أكثر باتجاه وقف الحرب في أوكرانيا، والمضي نحو المفاوضات.
ارتفاع الفساد في كييف
مع مرور الوقت، وكثرة الهزائم، وتراجع قدرة النظام الأوكراني من السيطرة على البلاد وضمان استقرارها داخلياً، تتزايد وتتوسع مسائل الفساد، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات الغربية وتمويلاتها العسكرية واللوجستية والإنسانية، لدرجة اعتراف واشنطن عبر البنتاغون بفشل تتبع أكثر من مليار دولار من الأسلحة المقدمة لأوكرانيا، وفقاً لما أعلنه مكتب المفتش العام بتقرير له، وذكر التقرير «لم تلتزم وزارة الدفاع الأمريكية ببرنامج مراقبة الاستخدام النهائي للأسلحة الموردة إلى أوكرانيا» مرجعاً ذلك إلى القيود المفروضة على حركة المفتشين الأمريكيين في أوكرانيا، ونقصهم أساساً بما في ذلك البلدان الشريكة التي تمر الأسلحة عبرها، وذكر التقرير «ستواصل دائرة التحقيقات الجنائية التحقيق في الشكوك حول الأعمال الإجرامية المتعلقة بالمساعدات الدفاعية المقدمة لأوكرانيا» وهو إقرار يدين كييف.
وفرض هذا التقرير نفسه على البيت الأبيض، ليعلن منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي جون كيربي، عن عزم البيت الأبيض دراسة هذا التقرير، وقال: «منذ عدة أشهر ونحن مهتمون بتعزيز التدقيق حول الاستخدام النهائي للأسلحة الموردة إلى أوكرانيا... لقد ناقشنا هذا الأمر مع شركائنا الأوكرانيين، وهم يشاركوننا مخاوفنا [...] سندرسه بعناية، ونعلم أن وزارة الدفاع الأمريكية قد درسته بعناية بالفعل، واستجابت له».
تدفع هذه المسألة بالصراع الداخلي حول المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بدرجة أعلى، كما إن التقرير نفسه جاء نتيجة للانقسام الداخلي أساساً، فهو يضر بموقف الإدارة الأمريكية الحالية ويضعفه، فيما يتعلق بتمرير حزمة مساعدات جديدة، ويعزز موقف الجمهوريين في الكونغرس ولدى الرأي العام داخلياً، ويعني بالنتيجة فرصاً أدنى لصالح كييف.
ومن جهة أخرى، يعني إفساد أوكرانيا لهذا الحد، وتحويلها إلى مركز آخر لتهريب وبيع الأسلحة على المستوى الدولي، ولأماكن غير معروفة أو متتبعة «رسمياً وقانونياً»، ربما لصالح تنظيمات إجرامية وإرهابية موجودة بالفعل، لتظهر لاحقاً في إحدى بقاع العالم الملتهبة.
كما إن فساداً بهذا الحجم، وبهذا الوقت، يصعب معالجته، حتى وإن تغيرت القيادة الأوكرانية لاحقاً، وعليه أيضاً تتبخر فرص دخول كييف إلى الاتحاد الأوروبي، أو حلف الناتو حتى بالشكل النظري الجاري حالياً.
بهذا الصدد، يزداد الضغط السياسي على زيلينسكي، وتتزايد الخلافات بينه وبين القيادة العسكرية، لدرجة أن العديد من المحللين باتوا يرجحون الإطاحة به من قبل قوات الجيش خلال الأشهر المقبلة، ويرى البعض، أن حصول هذا التطور قد يتحول إلى فرصة جديدة، لتسويق الأوهام حول «انتصارات عسكرية ما»، بناءً على «أن قيادة جديدة تعني حظاً جديداً» إلا أن واقع الأمور، يقول: إن كييف غير قادرة على تحمّل المزيد من عدم الاستقرار داخلياً ومن الممكن أن تتحول الأمور لانفجار داخلي، فمن جهة هناك القيادة السياسية الحالية، والقيادة العسكرية الحالية، وأمراء الحرب والفاسدون الجدد، كلُّ منهم يدفع باتجاه مصالحه الخاصة، وهناك الشعب الأوكراني نفسه، الذي ضاق ذرعاً بهؤلاء جميعاً، ويفعل كل ما بوسعه لتهريب أبنائه من الخدمة العسكرية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1157