الهند وروسيا عزم متجدد لبناء عالم متعدد الأقطاب
عتاب منصور عتاب منصور

الهند وروسيا عزم متجدد لبناء عالم متعدد الأقطاب

يبدو واضحاً أن الهند بوزنها الكبير تعتبر نقطة للتجاذب بين الغرب والشرق، والواضح أيضاً: أن موقع الهند في أي صراع من هذا النوع يمكن أن يكون حاسماً، وخصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تأثيرها في الأحداث السياسية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، فهل لا تزال الهند اليوم في موقع متأرجح أم أنها حسمت السمت فعلاً؟

عاد هذا الموضوع إلى الواجهة مع انعقاد اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة العشرين، الذي استضافته نيودلهي، والذي احتلت الحرب الأوكرانية خلاله حيزاً كبيراً، وخصوصاً بعد المحاولات الغربية المحمومة لتحويل أنظار معظم المحافل الدولية في هذا الاتجاه.

لم يكن مستغرباً بالطبع أن تحافظ الهند على موقفها المحايد مما يجري في أوكرانيا، وتحديداً أن نيودلهي تترأس مجموعة العشرين لهذه الدورة، ويرى رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي: أن الأجدى هو تركز الوثيقة النهائية بشكل أساسي على مكافحة الإرهاب، وتخفيف عبء الديون عن البلدان النامية، وتغير المناخ. وخصوصاً أن الأجواء بين روسيا والهند تبدو إيجابية وسريعة التطور، ما يجعل انخراط الأخيرة في الأجندة الغربية في مواجهة روسيا مناقضاً لمصلحتها بشكلٍ واضح. وفي هذا السياق، وضّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: أن مصلحة موسكو تدفعها باتجاه الهند والشرق عموماً، فقد أكد أن بلاده لن تعتمد بعد الآن على شركاء الطاقة الغربيين، وستعتمد في سياسة الطاقة على شركاء موثوق بهم، بما في ذلك الصين والهند. وأضاف الوزير الروسي، أن بلاده لن تسمح للغرب بتفجير المزيد من خطوط الأنابيب في إشارة إلى تفجيرات أنابيب السيل الشمالي.

اتفاقات جديدة لبناء عالم متعدد الأقطاب

ربما يكون الحدث الأبرز في مستوى العلاقات بين البلدين، هو الإعلان مجدداً عن عزم البلدين بناء عالم متعدد الأقطاب، ففي لقاء بين وزراء الخارجية، أكد لافروف ونظيره الهندي سوبرامانيام جايشانكار، تمسّك موسكو ونيودلهي بالتنسيق على الساحة الدولية، وحلبة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية. وخصوا بالذكر الأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعتي «بريكس» والـ «20». وأشار البيان الذي صدر عقب اللقاء، أن روسيا والهند ملتزمتان «بتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، قائم على مبادئ العدل والديمقراطية والقانون الدولي».
هذا بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على الوتيرة الحالية للحوار بين البلدين.

مستقبل هذه العلاقات

العلاقة بين البلدين تشهد تطوراً متسارعاً، وهو ما لم يعد من الممكن إنكاره، ولا شك أن الوتيرة الحالية تسمح بحل الكثير من المسائل في داخل روسيا نفسها، فمسألة العلاقة بينها وبين الشرق ورغم أنها كانت تشهد تحسناً ملموساً، إلا أنها لم تكن موضوع إجماع داخل جهاز الدولة الروسي ويجري اليوم تحول حقيقي في هذا الاتجاه. ومن جهة أخرى تبدو الأمور في الهند متشابهة إلى حدٍ ما، فالعلاقات مع الغرب كانت حاضرة بقوة، وعلى الرغم من أنها كانت دائماً ذات عائدية منخفضة، إلا أنها لا تزال قائمة بشكل من الأشكال، ولا يزال جهاز الدولة في الهند إلى حدٍ ما متأثراً بالضغوط الغربية في بعض المسائل، وقد تكون الخلافات والتنافس بين الهند والصين أحد العوامل المؤثرة في هذا الخصوص، فرغم أن المسائل العلاقة بين البلدين يمكن حلّها ومن غير المرجح أن تأخذ أشكالاً عنيفة، إلا أن واشنطن تستثمر بشكّل جديّ في هذه المسألة وتحاول صب الزيت على النار في أية مناسبة، وخصوصاً بعد انخراط الهند في دول مجموعة QUAD التي أنشأتها الولايات المتحدة بهدف الضغط على الصين.
العلاقات المتينة بين روسيا والهند ووجودهم إلى جانب الصين في مجموعة دول بريكس، كفيل بحل الخلافات بين العملاقين الصيني والهندي، وخصوصاً أن الخطوات التالية للمجموعة من شأنها أن تأخذ شكل خطوات عملية ذات منفعة متبادلة للجميع، ما يمكن أن يلعب دوراً جديداً في حل الخلافات الأخرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1112