الأردن ضرورة التغيير تفرض نفسها
يشهد الأردن موجة احتجاجات وإضرابات شعبية واسعة، منذ مطلع الشهر الجاري في العديد من محافظاته، وتحديداً الجنوبية منها، وذلك على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع أسعار المحروقات بالدرجة الأولى، ورغم سلمية الحراك الشعبي عموماً، إلا أن الأوضاع وتطورها لم تخلُ من بعض الاشتباكات المسلحة، ومحاولات الشغب والتخريب التي تتناقض مع مصالح المحتجيين.
لم تنقطع منذ سنوات موجات احتجاجية متفرقة ومتقطعة ومحدودة كل حين، وفي كافة المناطق الأردنية، لكن مع التدهور السريع للأوضاع المعيشية خلال العام الجاري، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية دولياً، وتلاقي ذلك مع نهب وفساد داخلي أكبر، وسياسات حكومية تعتمد دعم أصحاب المال على حساب أصحاب الأجور، تزايدت حالة عدم الرضى لدى الأردنيين، وارتفع منسوب الاحتقان عموماً، ونذكر مثالاً: إن الحكومة الأردنية رفعت في شهر تشرين الثاني الماضي أسعار المحروقات بنسبة تتراوح بين 40% و46% ليصبح سعر ليتر الديزل ما يعادل 1.26 دولار بعدما كان 0.87 دولار في الشهر نفسه من العام الماضي.
وكان رفع الأسعار هذا بمثابة الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات في البلاد، وفي 13 من الشهر الجاري بدأ سائقو النقل العام إضراباً مفتوحاً، وانضم إليهم لاحقاً بعض سائقي الحافلات وسيارات الأجرة وأصحاب المحال التجارية، لتبدأ على إثرها دعوات بعصيان مدني عام في البلاد، مطالبين بخفض أسعار الوقود والضرائب.
محاولات التوتير
في 15 من الشهر الجاري أعلنت مديرية الأمن العام الأردنية مقتل نائب مدير شرطة محافظة معان، العقيد عبد الرزق الدلابيح، بطلق ناري «أثناء تعامله مع أعمال الشغب» على حسب وصف المديرية الرسمي، كما أصيب ضابط وضابط صف آخرين. وبسبب تطور الأحداث هذا، عمدت الحكومة نشر وتكثيف تواجد قواتها الأمنية والدفاعية في جميع محافظات البلاد، وأعلن عن اعتقال قرابة 50 شخصاً مرتبطين «بأعمال الشغب» وباتت الشرطة الأردنية تفرّق المحتجين بالقوة والغاز المسيل للدموع.
ويوم الاثنين الماضي، أعلنت مديرية الأمن العام مقتل قاتل العميد الدلابيح بعد مداهمة قامت بها القوات الأمنية في محافظة معان، قتل خلالها 3 من أفرادها، وإصابة 5 آخرين، واصفة القاتل بـأنه من «حملة الفكر التكفيري» مما خلّف حذراً عاماً من نشاطات إرهابية مرتبطة بداعش في البلاد.
ما يظهر واضحاً بشكل جلي على وسائل الإعلام، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هو توافق جميع الأردنيين من المحتجين والمضربين أو غيرهم على إدانة عملية الاغتيال السابقة ورفض جميع أشكال العنف أياً تكن، من حرق الإطارات وتسكير الشوارع وصولاً لاستخدام السلاح، مما يفرض سؤالاً مشروعاً حول من يقف خلف هذه المحاولات ومن له المصلحة بها؟ أما الهدف من ورائها فلا يختلف اثنان، أنه يتعلق بتوتير الأوضاع، وضرب الاستقرار، والدفع نحو الفوضى والتسلّح.
على المستويين الإقليمي والدولي، تتلاقى محاولات توتير الأردن- ودفعه إلى صدام داخلي مسلح خاصة بطبيعته الاجتماعية العشائرية- مع ما يجري في المنطقة عموماً، وتحديداً في فلسطين المحتلة وسورية والعراق، الأمر الذي بات الدور الأمريكي واضحاً فيه، فتفجير الأوضاع في الأردن، بعد استمرار فشل ذلك في سورية والعراق، يساعد على إعادة تفجير الأوضاع في المنطقة بأسرها، والتنفيس ولو جزئياً عن أزمة الغرب الاقتصادية، ويخلف صعوبات لخصومهم الشرقيين.
يظهر الأردنيون متماسكين حتى الآن، وتبيّن آراؤهم وتعليقاتهم خلاصة خبرة سنين مضت مما جرى في المنطقة، برفض أي شكل من أشكال العنف، ويسعون لانتزاع حقوقهم وتحقيق مطالبهم بأشكال التعبير السلمية، من احتجاجات وإضرابات، وخلف ذلك يدركون أن حل أزمتهم تماماً، بالمثل من جيرانهم، يتمثل بتغيير لكامل البنية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1102