تونس.. انتخابات ضعيفة وأزمة اقتصادية كبيرة
نظّمت تونس في 17 من الشهر الجاري الانتخابات البرلمانية الأولى بعد حل الرئيس التونسي قيس سعيّد للبرلمان في شهر آذار من العام الجاري، وذلك وسط إقبال ضعيف جداً للناخبين، مما يعكس الأوضاع السياسية داخلياً، وعدم رضى التونسيين عن الحكومة الحالية، وذلك وسط أزمة اقتصادية كبيرة مهددة بالتضاعف، جراء شروط صندوق النقد الدولي، والتدخلات الأمريكية في البلاد.
إقبال ضعيف جداً على الانتخابات البرلمانية
تتعرض الحكومة التونسية ورئيسها قيس سعيّد لضغوط كبيرة من المعارضة، توضّح ذلك تماماً قُبيل الانتخابات البرلمانية، حيث دعت العديد من القوى السياسية إلى انسحابها ومقاطعتها للانتخابات، كان من بينها الحزب الجمهوري التونسي، وحركة النهضة التونسية، وجبهة الخلاص، مما أثر سلباً على سير العملية الانتخابية من الناحية السياسية، وقد دعا رئيس جبهة الخلاص- أحمد نجيب الشابي- التونسيين إلى مقاطعة الانتخابات علانيةً، أما التأثير السلبي الأبرز فيعزا للناحية الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعاشية في البلاد.
حيث شهدت الانتخابات إقبالاً ضعيفاً جداً، بلغ عدد المشاركين بها 800 ألف من أصل 9 ملايين ناخب، ما نسبته 8.8، في يوم الانتخابات 17 كانون الأول وذلك بحسب شبكة مراقبون التونسية، وأغلقت مراكز الاقتراع أبوابها بوقت باكر بسبب هذا الأمر، وبعد فرز الأصوات كاملة، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات: أن نسبة المشاركة بلغت 11.22% بمشاركة مليون و25 ألف ناخب فقط، من أصل 9 ملايين و200 ألف، وكان من الملفت مقاطعة البرلمان الأوروبي بعدم إرساله وفداً لمراقبة الانتخابات، بينما صرح رئيس الوفد الروسي المراقب «الشيء الوحيد الذي نستغربه هو نسبة الإقبال على التصويت.. فهي منخفضة جداً».
وأصدرت الخارجية الأمريكية بياناً حول الانتخابات التونسية، على لسان المتحدث باسمها نيد برايس، وقال: إن «الانتخابات البرلمانية في تونس تمثل خطوة أولية أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي للبلاد» متابعاً، إن «الإقبال المنخفض للناخبين يعزز الحاجة إلى زيادة توسيع المشاركة السياسية خلال الأشهر المقبلة» فيما بدا أنه تدخلٌ سافر بشؤون البلاد الداخلية.
تدخل وإملاءات أمريكية
إلا أن الموقف الأمريكي لا يعد مستغرباً بعد تطوير العلاقات ما بين سعيّد والجانب الأمريكي، خاصة بعد اللقاء الذي جمعه مع منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي بريت ماكغورك، في السابع من الشهر الجاري، وكان موضوع الاجتماع الإصلاحات التونسية وتطوير علاقات التعاون والشراكة بين البلدين، والذي تبعه في 23 من الشهر تعيين الولايات المتحدة الأمريكية سفيراً جديداً لها في تونس، هو جوي هود الذي شغل عدة مناصب دبلوماسية سابقاً، تضمنت العراق والكويت والسعودية، وكان مدير مكتب الشؤون الإيرانية بالإنابة في وزارة الخارجية الأمريكية.
الأزمة الاقتصادية
من الناحية الاقتصادية، بلغت نسبة التضخم المعلنة رسمياً في البلاد 9.8%، وارتفعت نسبة أسعار المواد الغذائية 15.1% خلال الشهر الماضي، وفي السابع من الشهر الجاري أعلنت آلاف المخابز التونسية بدأها إضراباً عن العمل، مطالبين الحكومة بتسديد مستحقاتهم المالية المقدرة بنحو 80 مليون دولار، قبل أن تعلّق الإضراب حتى 23 كانون الثاني بعد تلقيها وعوداً حكومية بمعالجة الأمر.
تحت الضغطين الاقتصادي والسياسي من المعارضة، لجأت حكومة بشكل أكبر إلى الجانب الأمريكي، وصندوق النقد الدولي، حيث تسعى لتلقي قرضاً يبلغ ملياراً و900 مليون دولار، بينما يشترط الصندوق وجود برنامج «إصلاح مالي» وتغييرات بقانون الضرائب، وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، والتحكم بشكل أكبر بالأجور بحسب التقارير الإعلامية.
موقف الاتحاد العام التونسي للشغل
أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل عن رؤيته، بأن حزمة الإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد الدولي ووافقت عليها الحكومة «ستساهم بتأجيج التوتر الاجتماعي» وأصدر بياناً في 12 كانون الأول، نافياً فيه معرفته بما أبرمته الحكومة مع صندوق النقد الدولي، وعدم مشاركته بالبرنامج الإصلاحي الذي صاغته الحكومة، وذلك رداً على ادعاءات من محافظ البنك المركزي ووزيرة المالية والتخطيط بمشاركة الاتحاد بصياغة البرنامج، ما حذر من أن كل «إجراء أحادي» سيؤدي إلى تأجيج الغضب الشعبي، معتبراً أن الحكومة التونسية لا تمتلك أي تصور حول كيفية الحد من تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي وارتفاع الأسعار، وطالب بحق الشعب والمنظمات بمعرفة العقود بين الحكومة والدوائر المالية العالمية، مؤكداً أنه غير ملزم بأية اتفاقات لم يشارك بها.
وانتقد الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي نور الدين الطبوبي ما وصفه بـ «إصلاحات الحكومة الموجعة» وقال: «انتهى التوقيت وتعفن الوضع وقريباً سنصدر قرارنا لأجل الوطن» مضيفاً، أن الاتحاد سيتحرك ضد صندوق النقد الدولي، ومشيراً إلى أنه لا يمكن حل المشاكل الاقتصادية دول حل المشاكل السياسية.
دعوات لاستقالة قيس سعيّد
بالاستفادة من كل ما سبق، سواء على مستوى ضعف الإقبال في الانتخابات التشريعية، أو على مستوى تأزم الأوضاع الاقتصادية وتطوراتها، دعت العديد من القوى السياسية التونسية علانية الرئيس قيس سعيّد إلى التنحي، وكان منها حركة النهضة التي قالت في بيان: إن «مقاطعة أكثر من 90% من المواطنين لهذا المسار العابث، تعني سحب الثقة من قيس سعيّد ومنظومته ومشروعه»، كما دعت جبهة الخلاص قيس سعد إلى الاستقالة على خلفية نسب المشاركة الضعيفة في الانتخابات التشريعية.
يبدو أن هناك ضغوط كبيرة من القوى السياسية التونسية لتنحية قيس سعيّد من الرئاسة، ويعزز هذا الموقف حالة عدم الرضى الشعبي عموماً في البلاد، مما بات يضع إمكانية وفرص استمرار سعيّد رئيساً للبلاد على طاولة البحث، كما أن رهان على دعم واشنطن وصندوق النقد الدولي تعد خاسرة منذ بدئها أساساً.
ما بات يثير قلق التونسيين الآن، على الصعيد السياسي، هو ما بعد قيس سعيّد، أي كيفية تطور الأوضاع والصراعات السياسية داخل البلاد المنهكة اقتصادياً والمثقلة بالديون، وسير العمليات الانتخابية سواء البرلمانية أو الرئاسية مستقبلاً، وذلك فضلاً عن احتمالات جدية بخروج موجة احتجاجات واسعة في البلاد.
تضاف إلى ذلك، محاولات دولية بزيادة السخط الشعبي على الحكومة من الأبواب «الإنسانية» حيث نشرت منظمات تونسية ودولية تقارير تفيد بتورط خفر السواحل التونسي بشكل مباشر بمناورات خطيرة، أودت بحياة عشرات المهاجرين، وانتشار حطام مراكبهم على السواحل التونسية على مدى السنتين الماضيتين، مما أبرز ردود فعل شعبية عديدة تبيّنت على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما استنكرت إدارة الحرس الوطني التونسي هذه الاتهامات الموجهة إليها، وبصرف النظر عن صحة أو زيف هذه الادعاءات، إلا أن توقيت نشرها الآن تحديداً، يضع العديد من الأسئلة حول الهدف السياسي من ورائها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1102