مذكرة التفاهم التركية الليبية وتعقيد الحل
ملاذ سعد ملاذ سعد

مذكرة التفاهم التركية الليبية وتعقيد الحل

الإعلان عن توقيع مذكرة جديدة للتفاهم بين تركيا مع حكومة الدبيبة أعادت الأضواء بشدة، لا على الأزمة الليبية فحسب، بل على غاز شرق المتوسط، الذي شكل تقاسم الحصص فيه موضوعاً للخلاف بين عددٍ من الدول.

يتعقد المشهد الليبي بشكل مطرد بالتوازي مع كل خطوة أو تصريح سياسي يجري اتخاذه من مختلف الأطراف محلياً ودولياً، وإذا ما أدى التعطيل السابق لمسار الحل السياسي السلمي في ليبيا إلى عودة الاشتباكات المسلحة جزئياً في عدة مناطق من البلاد، فإن الخطوات الأخيرة والتي كان من بينها مذكرة التفاهم التركية– الليبية مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تثبت الوضع الحالي بوجود الانقسام المتمثل بحكومتين/ إدارتين لشرق وغرب البلاد، أي العودة لوضع محلي مشابه لفترة الاتفاق التركي حول التجارة وترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية السابقة، ولكن بتطورات واختلافات إقليمية ودولية عن السابق.
تتمثل مذكرة التفاهم التركية– الليبية الجديدة التي تم الإعلان عنها يوم الاثنين 3 تشرين الأول بمنح الموافقة لتركيا بالتنقيب عن الغاز براً وبحراً في الساحل الليبي وشرق المتوسط، بالاستناد إلى اتفاق ترسيم الحدود السابق وضمنها.
على المستوى المحلي، واجهت مذكرة التفاهم انتقادات واعتراضات من جميع الأطراف الليبية غير المتفقة مع حكومة عبد الحميد الدبيبة، وعلى رأسها الحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا التي وصفتها بغير الشرعية على اعتبار أن حكومة الدبيبة نفسها غير شرعية بالنسبة لهم ولمجلس النواب، ولا تمتلك صلاحية عقد مثل هذه الاتفاقات، وبنفس الوقت حملت المذكرة إشارة سياسية تركية تؤكد من خلالها دعمها لحكومة الدبيبة ضمن الصراع الجاري، مما قد يؤدي بشكل مؤقت لتوقف التصعيد العسكري، ودفع الخلافات السياسية قدماً.
على المستوى الإقليمي والدولي، كان اتفاق ترسيم الحدود مع حكومة الوفاق السابقة منذ سنوات موضع خلاف حاد بين تركيا وكل من مصر واليونان وفرنسا، ومن الممكن أن تتسبب مذكرة التفاهم الجديدة بردود فعل شبيهة مع الدول نفسها، بالإضافة إلى بقية الدول الأوروبية الأخرى، ما لم تستفد من عمليات التنقيب التركية المزعومة على مستوى تجارة مواد الطاقة معها في ظل أزمة أوروبا.
حيث أعربت كل من مصر واليونان ومؤسسة الاتحاد الأوروبي عن اعتراضهما على المذكرة، لكن في المقابل كانت أولى المؤشرات، وأهمها، قد صدرت من ألمانيا نفسها بعد يومين من إعلان مذكرة التفاهم، حيث أصدرت وزارة الخارجية الليبية التابعة لحكومة الدبيبة بياناً عقب اجتماع جمع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع المبعوث الألماني الخاص إلى ليبيا كريستيان باك، أكد خلاله اعتراف ألمانيا بشرعية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، كما تم بحث إمكانية عقد مؤتمر برلين 3 للملف الليبي. ليعتبر الليبيون أن هذا التأكيد الألماني بهذه اللحظة تحديداً بمثابة مباركةً لمذكرة التفاهم آنفة الذكر، ويعكس وجود مصلحة ألمانية به.
وسط هذه التباينات الكبيرة في المواقف الإقليمية والدولية تجاه مذكرة التفاهم، من غير الممكن تحديد كيفية تطور الأمور، إلا أن الأكيد والواضح منها هو: ازدياد تعقيد الملف الليبي وتسويف حله. لكن الخطوة التركية في هذه اللحظة بالذات ربما تحقق تقدماً ما، وخصوصاً أن أزمة الطاقة العالمية تفرض تفعيل كل البدائل حتى تلك التي لا تزال قيد التطوير، ويمكن إذا ما قدمت الدول الأوروبية بعض التنازلات لتركيا أن تنجح هذه الأخيرة بالوصول إلى اتفاقٍ مرضٍ في شرق المتوسط، يسمح لها في تأمين حصة ما من ثروات المتوسط.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1091
آخر تعديل على الثلاثاء, 11 تشرين1/أكتوير 2022 14:46