الاستقطاب بين الحكومتين الليبيتين... إلى أين؟
حمزة طحان حمزة طحان

الاستقطاب بين الحكومتين الليبيتين... إلى أين؟

تعد ليبيا مثالاً صارخاً حول ضرورة حل الأزمات بجوانبها كافةً على التوازي بالمعنى العملي، دون التغاضي عن أي واحد منها، وإلاّ فإن الأزمة ستعيد إنتاج نفسها وبشكلٍ أكثر تعقيداً.

في حين دأبت الأطراف السياسية الليبية في المرحلة السابقة على المضي بالعملية السياسية بجانبها الديمقراطي، رغم جميع المشاكل التي جرت فيه أيضاً، تناست الجانبين الاقتصادي والوطني، بل وأكثر من ذلك، تم تفسيرهما وتسخيرهما لكلٍ حسب مصلحته، مما أنتج حالة الأمر الواقع الجارية الآن.
ورغم التأكيد على ضرورة المضي بشكل متوازٍ بحل جوانب الأزمة، إلاّ أن هذا الأمر لا ينفي وجود أولويات على أجندة الحل، والتي كان على رأسها إخراج جميع القوى الأجنبية من البلاد... فرغم تشكيل لجنة 5+5 العسكرية المشتركة، وما بذلته من جهود حقيقية في إطار وقف إطلاق النار، وتوحيد المؤسسة العسكرية، لم يكن أمامها المجال ولا القدرة للدفع نحو إخراج القوى الأجنبية ودعمها وتدخلاتها من البلاد، مما هدد ولا يزال بنسف كل منجزات اللجنة السابقة، وليس الاشتباك الأخير بين مناصري رئيسي الحكومتين الليبيتين فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة إلا مثالاً واحداً على ذلك.
والأمر ذاته ينطبق على الجانب الاقتصادي، فرغم كل المساعي السابقة بإعادة ربط البلاد، وفتح الطريق الرئيسي الواصل بين إقليمي الشرق والغرب، وإعادة تفعيل دور البنك المركزي وتجارة النفط، عادت كل هذه الأمور لتضخ مزيداً من التوتر في التجاذب والاستقطاب السياسي القائم.
وبمعنى أدق، فإن النتيجة الجارية في ليبيا اليوم تعكس منهجية تعامل القوى السياسية الليبية مع الحل سابقاً، والتي يمكن تلخيصها وفقاً لرأي الليبيين أنفسهم، بأنها كانت ولا تزال محاولات صراع وانقلاب على السلطة، وليست محاولات لحل أزمة أو إنقاذ البلاد وشعبها.
وإن كانت حالة الأمر الواقع فيما مضى تتمثل بوجود سيطرة عسكرية لكل قوة سياسية نتيجةً للحرب السابقة والدعم الأجنبي لمختلف القوى، فإن الحالة الجديدة أضافت على السابق تعقيداً أعمق، يتمثل بشرعية هذه السيطرة بين حكومتي باشاغا والدبيبة، أو ما بات يعرف بحكومتي طرابلس وسرت مؤخراً، بعد الاشتباكات التي جرت في طرابلس وخروج باشاغا منها.
وأكثر من ذلك، فإن لكل من الحكومتين مؤسسات اقتصادية وقوة عسكرية واعترافات دولية وجمهور، وتطور هذا الأمر لا يهدد بإطالة عمر الأزمة فحسب، وإنما يضع أساساً لتقسيم البلاد.
وبالسؤال: من له المصلحة خلف ما يجري؟ إن إدامة الأزمة بحدها الأدنى والتقسيم بحده الأعلى، لا يصب في مصلحة أية دولة من دول المنطقة- في الجانب الإقليمي- التي تسعى للاستقرار، كما لا يصب في مصلحة روسيا والصين بالجانب الدولي، ولا حتى في المصلحة الحقيقية للدول الأوروبية، لتبقى بذلك الولايات المتحدة، وبعض من الدول الأوروبية هي المستفيدة مما يجري، سواء فيما يتعلق باستمرار تدمير ليبيا، أو باللعب على التناقضات الإقليمية والدولية فيها، مثل: تركيا- مصر- فرنسا، واستنزافهم وإضعافهم... وإن كانت الأولوية سابقاً تتمثل بإخراج القوى الأجنبية من أجل تفعيل الحل جدياً، فإنها الآن باتت ضرورة وجودية بالنسبة لليبيا ككل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1072