لافارج الفرنسية... كبش فداء التعاون الاستخباري الغربي مع داعش
عتاب منصور عتاب منصور

لافارج الفرنسية... كبش فداء التعاون الاستخباري الغربي مع داعش

بعد جلسة مطّولة عقدتها هيئة التحقيق الجنائية في آذار الماضي، قرّرت محكمة الاستئناف في باريس الإبقاء على تهمتي «التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية» و«تعريض حياة آخرين للخطر» الموجهتين إلى شركة «لافارج» للإسمنت، من خلال أنشطة مارستها في سورية. فمن هي هذه الشركة وما هي أنشطتها؟

منذ ربيع 2010 كانت «لافارج» تستعد لإعادة افتتاح مصنع إسمنت كبير استحوذت عليه عام 2007 في صفقة مع مالكه السابق، شركة «أوراسكوم Orascom» المصرية، المصنع الذي ستديره شركة «لافارج سيمنت سيريا» التابعة للشركة الأم، يقع في منطقة جلبيا على بعد 150 كيلومتراً شمال شرقي مدينة حلب، و60 كيلومتراً عن الحدود التركية، وكلف الشركة استثماراً قُدّر بحوالي 680 مليون يورو.

التهم الموجهة لـ لافارج

بدأت القصة حين تقدمت وزارة الاقتصاد الفرنسية في أيلول 2016 بشكوى ضد «لافارج» تعلقت وقتها بخرق «لافارج» حظر الاتحاد الأوروبي شراء النفط في سورية. بعدها بأقل من شهرين، وفي تشرين الثاني، استُهدفت «لافارج» بشكوى جديدة قدمتها منظمتا «شيربا» و«المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان»، ذهبت إلى حدّ المطالبة بمقاضاة الشركة بتهمة «التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية».
حيث ومع تطور الصراع المسلح في سورية، ومع سيطرة داعش على المنطقة المحيطة بالمصنع، قدمت الشركة حوالي 13 مليون يورو في 2013 و2014 عبر فرعها في سورية «لافارج سيمنت سيريا» لجماعات مسلحة مختلفة، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية، لمواصلة أنشطة المصنع في جلبيا في خضم الحرب.
وكشفت التحقيقات، أن المبالغ المالية- التي يُعتقد أنها سُدّدت لتنظيم الدولة الإسلامية وحده- تتراوح ما بين 4,8 ملايين و10 ملايين يورو. وتحدثت تقارير عن أن الصفقات لم تكن مالية فقط، بل تخطّتها إلى التزود بالنفط مقابل الإسمنت، الذي استخدمه التنظيم الإرهابي في بناء تحصيناته. كما يشتبه بأن المجموعة دفعت لوسطاء من أجل الحصول على مواد أولية.
وقال وكلاء خمسين موظفاً سورياً سابقين في «لافارج سيمنت سيريا» ممن لهم صفة مدنية، إن هؤلاء كانوا «عرضة ... لخطر داهم كان يعرّضهم للموت أو لإصابات خطرة على يد مجموعات مسلحة» في حين كان الموظفون الأجانب قد غادروا المصنع نهائياً في العام 2012.

من كان على علم بأنشطة مجموعة «لافارج» في سورية؟

في مقال لصحيفة «ليبراسيون» على أساس استجواب جان كلود فيارد، المدير السابق لأمن المجموعة، في 12 نيسان 2018، وأحد الموظفين التنفيذيين السبعة، فقد التقى فيارد عدة مرات بأجهزة الاستخبارات الخارجية والداخلية الفرنسية بين عامي 2012 و 2014 في إطار الأنشطة التي تقوم بها «لافارج» في سورية، كما أبلغ فيارد أيضاً عن اتصالاته مع المكتب العسكري لرئيس الجمهورية السابق فرانسوا هولاند بين شهري تشرين الأول وتشرين الثاني من عام 2015 حيث اقترح مدير الأمن السابق استخدام مصنع المجموعة كقاعدة لنشر الجنود الفرنسيين في سورية.
كل هذه المعطيات تفيد بأنه وحتى ذلك التاريخ كانت رؤوس الدولة على علم تام بأنشطة «لافارج» في سورية، وكذلك بما كانت تدفعه من «إتاوة» لتنظيم الدولة الإسلامية منذ 2013 حتى 2014، وهي الفترة التي بسط فيها التنظيم الإرهابي كامل سيطرته على الموقع، وهي السيطرة التي دامت حتى شباط عام 2015 حين سقط الموقع في أيادي المقاتلين التابعين «لقوات سورية الديمقراطية»، وأكد موقع The Conversation، أن بعض مسؤولي الشركة برروا استمرارها في العمل في سورية بالقول: إن وزارة الخارجية الفرنسية طلبت منهم البقاء، بدافع المعلومات التي قد تحصل عليها من الشركة، وهو ما تنفيه الوزارة.
في 13 كانون الأول 2017 استمعت الشرطة البلجيكية إلى إفادات أربعة من مسؤولي المجموعة البلجيكية «بروكسل لامبير» -Groupe Bruxelles Lambert (GBL) – أكبر المساهمين في «لافارج» والتي كانت تملك %20 من أسهم شركة الإسمنت في وقت حدوث هذه الوقائع. وقد لجأ المسؤولون الأربعة إلى نفس الخطة الدفاعية، ومضمونها: التأكيد على جهل المجموعة بأية أنشطة في سورية، وذلك يثير تساؤلات حول طريقة إدارة «لافارج» وغياب الاهتمام، وقلة الفضول حول أنشطتها من أكبر مساهميها.

«القرار أكبر من لافارج»

استعمل مصنع «لافارج» كمركز لوكالات الاستخبارات الغربية بحجة جمع المعلومات عن الرهائن المحتجزين لدى تنظيم الدولة الإسلامية، بحسب ما قال ضابط مخابرات أردني شارك في جهود التجسس، الضابط نفسه كان مديراً للمخاطر في المصنع، ويواجه التهم مع ثمانية من كوادر «لافارج» ومدرائها ومديرها التنفيذي السابق برونو لافون ووسيط سوري- كندي.
وأوضح الضابط لصحيفة «الغارديان» البريطانية، أن مصنع «لافارج»، كان محوراً لمحاولة فاشلة لإنقاذ ما يصل إلى 30 رهينة.
وكان من بين المحتجزين الصحفي الأميركي جيمس فولي، والمصور البريطاني جون كانتلي، والطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذين تأكد فيما بعد مقتل اثنين منهم.
ونقلت الصحيفة عمّن وصفته بالمصدر الاستخباراتي الكبير، قوله «القرار أكبر من لافارج» وأن القضية أمام المحكمة لا تكشف كل جوانب القصة. وقالت الصحيفة: إن كبار المسؤولين الفرنسيين لم يواجهوا تدقيقاً عاماً، ولم يتم تحديد هويتهم.
وبحسب الصحيفة، فإن الضابط الأردني، أحمد الجلودي، كان ينتقل بانتظام بين المصنع وعمان لإطلاع قادة الاستخبارات الإقليمية والعالمية على مكان وجود الرهائن المزعوم.
وسلط تقرير داخلي- بتكليف من «لافارج هولسيم» التي نشأت من اندماج «لافارج» الفرنسية و«هولسيم» السويسرية عام 2015- الضوء على تحويل أموال من فرع «لافارج» السوري إلى وسطاء للتفاوض المزعوم مع «جماعات مسلحة». لكن «لافارج» في سورية نفت أية مسؤولية عن وصول هذه الأموال إلى منظمات إرهابية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1072