العراق وركوب موجة الحراك: هزلية «المرحلة» مثالاً..
ملاذ سعد ملاذ سعد

العراق وركوب موجة الحراك: هزلية «المرحلة» مثالاً..

يشهد العراق منذ أسبوعين تجدد احتجاجات «انتفاضة تشرين» في عددٍ من المحافظات العراقية، منددة بالأوضاع المعيشية المتدهورة، ومعبرة عن فقدانها للثقة بمنظومة المحاصصة الطائفية العراقية بكل مكوناتها ومن يدور حولها، وتتركز الاحتجاجات الأخيرة في 3 محافظات، هي: النجف والناصرية وذي قار، وكان من اللافت تقاطع المحتجين بمطالب «إقالة المحافظين» والحكومات المحلية، فيما دعا رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى «حوار وطني» يضمن القوى السياسية والشبابية والمحتجين، وأعيد الحديث عن «إخراج القوات الأجنبية» مجدداً.

على أية حال، توضح خطوات الحراك العراقي جدية تطوره وتنظيم صفوفه، سواء بالتنسيق في أوقات وأماكن التجمع والتظاهر، أو وحدة الشعارات والمطالب في عددٍ من المحافظات المختلفة والمتباعدة عن بعضها البعض، وبطبيعة الحال، فإن هذا التطور في الفرز والتنظيم والوحدة سينتج لاحقاً فرزاً في الطروحات والمطالب السياسية أيضاً، بغربلتها وتنقيحها وصقلها، عبر النقاشات والنشاط السياسي العالي الجاري، نحو إنتاج و/أو تبني مشروع سياسي وطني يجري من خلاله تغيير المنظومة العراقية القائمة، والمصوغة بدستور كُتب ونُصّ بقرار أمريكي بعد الاحتلال.

جرّاء الاحتجاجات الأخيرة، وما تبديه من مؤشرات في التصاعد، استبق مصطفى الكاظمي الأحداث، ومحاولاً ركوب موجة الحراك، عبر دعوته إلى «حوار وطني» يضم القوى السياسية والشبابية والمحتجين، لتهيئة الأجواء ولإنجاح الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في تشرين الأول هذا العام، وقد تزامنت هذه الدعوة مع أحاديث تشير إلى ارتباط بين الكاظمي وتيار «المرحلة» الجديد، الذي أسسه بضعة سياسيين عراقيين بعد أن جرى تقديمه وإبرازه «إعلامياً» بوصفه أحد «تيارات ومخرجات الحراك العراقي»، والذي يصفه عضو أمانته العامة، رحمن صبري، بأنه «تيار ليبرالي مدني عراقي انبثق بعد حراك تشرين»، وقد قال فالح الزيادي، العضو في البرلمان العراقي عن ائتلاف «النصر» بأن الكاظمي يمثل جزءاً ضمن تيار «المرحلة» وينفذ خلاله حراكاً سياسياً انتخابياً نحو تشكيل تحالف مع «النصر»، وفيما تنفي القيادات ضمن تيار «المرحلة» عن وجود ارتباطات بينها وبين الكاظمي، يؤكد عدد من البرلمانيين عكس ذلك.

لعبة «أسلمة المحكمة الاتحادية» وهزلية «الليبرالية المنقذة»

بالتوازي مع تعويم تيار «المرحلة» الليبرالي، جرت مؤخراً مناوشات حول «المحكمة الاتحادية»، حيث طرحت بعض الأطراف مشروع قانون جديد يتيح وجود «فقهاء بالشريعة الإسلامية» في المحكمة التي تتولى عدة مهام، وأهمها في المرحلة المقبلة: المصادقة على نتائج الانتخابات، ليجري استثمار الحدث إعلامياً وسياسياً، وفي المحصلة شعبياً، بالإيهام بوجود أطراف جيدة وأخرى سيئة في منظومة المحاصصة الواحدة، كعرضِ جزئي من مسرحية هزلية يحاول تقديمها «بريمر» نفسه، فبعد طول محادثات و«خلافات» جرى تداولها إعلامياً صوّت البرلمان العراقي على استبعاد مشروع القانون الجديد هذا، حفاظاً على المحكمة الاتحادية من تجاذبات المحاصصة وإبقائها «مستقلة» وكأن ذلك ينقذ الانتخابات المقبلة ويمنحها الثقة من العراقيين.

وبما أن انتفاضة تشرين طالبت وأكدت على وحدة الأرض والشعب ونبذت نموذج المحاصصة وما تزال، بات هذا العنوان شعار أغلبية التيارات السياسية العراقية، والتي يكون الكاظمي واحداً من العديد من رجالاتها، الذي لا تنحصر به المسألة بطبيعة الحال، إلا أنه الأكثر وضوحاً ضمن المرحلة الجارية.
فعلى الرغم من تأكيده مراراً على عدم ترشحه للانتخابات المقبلة، وهو ما نعتبره موقفاً حقيقياً، لا لزهده بهذا المنصب، وإنما بوصفه تاريخياً رجلاً أمنياً رفيعاً اعتاد اللعب «خلف الكواليس» لمصلحة المنظومة ككل، قبل أن يفرض تطور الأحداث السابق له- بالفشل المتتالي عن التوصل إلى حكومة عراقية- وصوله بصيغه توافقية بين مكونات المحاصصة السياسية لإدارة المرحلة، إلّا أن هذه الإدارة تحاول تمرير عددٍ من التعديلات والقوى في الانتخابات المقبلة.

تيار «المرحلة» يأتي حاملاً يافطة «الوحدة»، ويجري تعويمه بإثارة الجدل حول ارتباطه بالكاظمي من عدمه، بالتزامن مع دعاية «الليبرالية» بالصيغة المبسطة والساذجة أمام العراقيين، «الليبرالية السياسية» بوصفها معادلاً وحيداً لـ«الحرية» و«التحرر»، ومحاولة لتغييب وتأريض الجانب المعيشي والاقتصادي من المطالب الشعبية، الأمر الذي لا بد من فضحه والهجوم عليه من قبل العراقيين بحراكهم ونشاطهم، والتوضيح بأن هذه «الليبرالية» بالذات هي جوهر منظومة بريمر بحكوماتها المتعاقبة منذ 2003 إلى الآن، بشقيها الاقتصادي المشوّه، والسياسي، ولن يكون التغيير باستبدال «شكل» الليبرالية هذه بأية حال من الأحوال، فحتى وإن انتهى شكل المحاصصة الطائفية، إلّا أن ذلك لا يعني انتهاء جوهره من محاصصة رؤوس الأموال لخيرات وثروات العراق وشعبه بالتعاون مع الغربيين.

إن جميع الشعارات المتعلقة بالمسائل الفكرية والروحية، كـ «حرية تعبير»، «حرية رأي»، وحتى «حرية تظاهر» و«تصويت».. إلخ لا يعوّل عليها، ولا تعني شيئاً إن لم تتكامل وترتبط تماماً وكلياً بجوانب مادية، اقتصادية، توضح حقيقتها، فكل مفردات التحرر «الليبرالي» هذه التي يجري تداولها تعني فقط «حرية رؤوس الأموال» و«حرية اللصوص والناهبين» في نهاية المطاف... فحتى الآن مثلاً: لم يأتِ أيّ من التيارات والقوى السياسية العراقية، القديمة منها والجديدة، إلى التطرق لمسألة «توزيع الثروة» أو حتى قياسها وحصرها، فضلاً عن أهميتها بجوانب التطوير والتنمية، فأية تنمية قد تجري إن كان مثالاً 25% فقط من الناتج الإجمالي يذهب أجوراً لـ99% من العراقيين؟ وما تبقى من 75% أرباح يذهب نصفها للخاص، وما تبقى منه يجري نهبه من جهاز الدولة عبر الفساد؟ وبكلمة: هذه هي النتيجة الاقتصادية لليبرالية في بلداننا، أكانت بشكل «محاصصة طائفية» أو حتى زيفاً «وحدة ووطنية».

إن ضرورة المرحلة وأزمتها في العراق تفرض تغييراً جذرياً ومتكاملاً، سياسياً واقتصادياً ووطنياً معبر عنه بثلاثة مطالب لا يمكن فصل أحدها عن الآخر: الدستور، وتوزيع الثروة، وإخراج القوات الأجنبية والأمريكية على رأسها، والتي لا يمكن لأي شكلٍ أو أية عباءة من عباءات الليبرالية أن تدفع بها، وإنما العكس.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1010
آخر تعديل على الإثنين, 22 آذار/مارس 2021 00:11