عندما يعرج جمل الغرب من شفتيه

عندما يعرج جمل الغرب من شفتيه

يقول المثل الصيني: لا يمكن إيقاظ شخص يتظاهر بالنوم، والغرب الذي يتظاهر بعدم دقة تقييمه للأزمة الصّحية يشن حملة كان بدأها منذ زمن ضد الصين، عسى يستطيع إقناع المجتمعات الغربية بعدم مسؤوليته عن آثار الجائحة الذي وصفها البنك الدولي بأنها لن تُؤثر في العمليات التجارية والتوظيف وحسب، لكنها ستؤدي إلى تغيّرات اجتماعية وسياسية عميقة.

الغرب لا يستطيع قيادة الأزمة لكنه يستسهل الهجوم على الصين، في الوقت الذي يتشاجر مندوبو الحكومات الغربية في شنغهاي على التوريدات الصحية الصينية، وتعمل الحكومات الغربية ضمن حملة منسقة لتشوية الدور الصيني في قيادة الأزمة الصّحية والاقتصادية العالمية، فشنّ الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي هجوماً حاداً ضد الصين واتهموها بأنها أخفت معلومات وتسترت على بداية انتشار الوباء، بل تصل الاتهامات لاتهام الصين بإنتاج الفيروس مخبرياً. ووصلت الاتهامات إلى منظمة الصحة العالمية - والتي لا يخفى على أحد بأنها كمثيلها من أغلب المنظمات الدولية تعمل تحت القيادة الغربية – بأنها مرهونة لإرادة الصين.
قال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني: إنّ العلاقات مع الصين لن تعود لسابق عهدها، وقبل التوقف عند هذا التصريح يجب التذكير بأنه وعلى الرغم من الهجوم عليها، تستمر الصين حتى اللحظة بتوفير الإمدادات الطبية الطارئة لأكثر من 140 دولة ومنظمة دولية، وصدرت المصانع الصينية بين 10 آذار وحتى نيسان الجاري، أكثر من 7 مليارات كمامة، وحوالي 56 مليون لباس واقٍ و20 ألف جهاز تنفس صناعي، وساهمت هذه التوريدات بإنقاذ حياة الملايين حول العالم. وللمفارقة يبدو أن الهجوم على الصين يتناسب طرداً مع الشحنات القادمة منها.
بالعودة إلى تصريح المتحدث باسم بوريس جونسون، الذي لم ينخفض هجوم بلاده على الصين حتى خلال فترة وجوده في العناية المركزة، يحق لنا أن نسأل: ما هي هذه العلاقات الطيبة التي لن تعود؟ متى كانت علاقات أوروبا جيدة مع الصين؟ وكأننا لا نتذكر أن أوروبا كانت أكبر عقبة حاولت الولايات المتحدة وضعها أمام الصين.
ولكن ما هو السبب العميق لهذا الهجوم الشرس ضد الصين؟

كسر سلاسل القيمة المضافة

منذ مطلع القرن الماضي تحول الإنتاج العالمي لصيغية جديدة تُسمى سلاسل القيمة المضافة العالمية، ورُسم للسلاسل منحنى يُسمى «منحنى الابتسامة»، حيث تحصل الدول التى تكون على زاوية الابتسامة على أكبر نسبة من القيمة المضافة في الإنتاج، بينما تحصل الدول في قعر المنحنى على القيم الأقل، وعلى هذا الأساس تمّ توزيع الصناعات حول العالم، اعتقدت الشركات الغربية حينها أنها تستطيع التحكم بعوائد القيمة المضافة حتى لو انتقلت الصناعات الكبرى إلى الصين، لكن التمني شيء والواقع شيءٌ آخر. فاستطاعت الصين كسر «منحنى الابتسامة»، جرت في السنوات العشر الأخيرة تحولات كبرى، أساسها سعي الصين لزيادة حصتها من سلاسل القيمة العالمية، والخروج من إطار كونها مركزاً للإنتاج منخفض التكلفة بأجور منخفضة. وقد تمّ هذا بالدرجة الأولى عبر السبق التكنولوجي الصيني الذي يزيد من حصة الصين في القيمة المضافة المنتجة عالمياً... وما وصول الصين إلى المركز الأول عالمياً في عدد براءات الاختراع إلا أحد دلائل انتقال الصين وتموضعها في موضع أعلى في سلاسل القيمة العالمية. حتى أصبحت شركات التكنولوجيا الغربية مرتبطة بالإنتاج والتكنولوجيا الصينية، وليس مشغلاً لها... كما تُوضح تقنية الجيل الخامس. هذا عدا عن توسع دور الصين التجاري والتمويلي الذي يظهر في مشروع الطريق والحزام، وفي صدارة البنوك الصينية ودورها التمويلي الهائل، كل هذة التفاصيل، يضاف إليها تحسن وتوطّد العلاقات الصينية الروسية، دفعت الدول الغربية لبدء حملة تشوية كبرى ضد الصين، بدأت قبل الجائحة لترتدي ثوباً جديداً في كل مرة، ولتكون قضية الإيغور حيناً والتيبت حيناً آخر، مروراً بتايوان وهونغ كونغ وحقوق الإنسان...
لن تنتهي هذه الحملة بسهولة. فالإعلام الغربي يردد اليوم بأن الغرب هو من صنع الصين وهو قادرٌ على تدميرها، وما تفعله وسائل الإعلام هذه ما هو إلا تضخيم صرخات مكبوتةٍ لقادة العالم الغربي، وبغض النظر ما هي الأوراق التي يمسك بها الغرب اليوم، ومدى تأثير هذه الأوراق على التطور الصيني، إلا أنّ هذا البلد الآسيوي «اقترف ذنباً» بلا شك. أن تقبل دول العالم رضوخها للغرب هو «أخلاقٌ حميدةٌ» لكن أن «تتطاول» المستعمرات السابقة لا لأن تنافس وحسب، بل وتبتكر وتسبق «قادة العالم» فهو ما يرى الغرب أنه فِعلٌ يستحق العقاب، ويثبّت بهذا النوع من الممارسات أن مساندته للتطور البشري والتقني مشروطة بأن تكون تحت سيطرته المباشرة ولا تهدد أرباحه الكبرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
962
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:52