طريق السودان الطويل
عتاب منصور عتاب منصور

طريق السودان الطويل

يقدم التصعيد الأخير الذي شهده السودان مع محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تأكيداً جديداً على أنَّ الوضع في السودان لم يصل إلى برِّ الأمان إلى الآن، وعلى الرغم من النتائج الإيجابية التي استطاعت الحركة الشعبية السودانية الوصول إليها إلَّا أنّها لم تنجح بعد، ولم يجر حلُّ حقيق يلامس جذر المشكلة في البلد الإفريقي الغني بالثروات.

يقدم التصعيد الأخير الذي شهده السودان مع محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تأكيداً جديداً على أنَّ الوضع في السودان لم يصل إلى برِّ الأمان إلى الآن، وعلى الرغم من النتائج الإيجابية التي استطاعت الحركة الشعبية السودانية الوصول إليها إلَّا أنّها لم تنجح بعد، ولم يجر حلُّ حقيق يلامس جذر المشكلة في البلد الإفريقي الغني بالثروات.
تعرض موكب رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك يوم الاثنين 9 آذار الجاري إلى هجوم عبر عبوة ناسفة زرعت على الطريق، وعلى الرغم من أن الإنفجار لم يُلحِق أضراراً تُذكر إلّا أنه مؤشرٌ جديد على مرحلة عدم الاستقرار التي يشهدها السودان اليوم، والتي يظهر جلياً أن الاتجاه العام للأمور يسر باتجاه المزيد من التعقيد.

الثغرة الأمنية!

رأى بعض أركان النظام السوداني أن محاولة الاغتيال هذه تعتبر دليلاً على اختراقات كبرى داخل جهاز الدولة، مستندين في ذلك على النقص في الإجراءات الأمنية وتسريب موعد وطريق الموكب وغيرها من الأفكار، وإن كانت هذه الأفكار صحيحة من حيث المبدأ إلا أنها لا تقدم جواباً شافياً، وبدل أن يجري البحث عن سبل تدعيم الوضع الداخلي أكثر عبر تنفيذ مطالب الناس تغوص أجهزة الحكم بكشف «المؤامرة» فأعلنت الحكومة عن استعانتها بفريق من FBI ليقدم المساعدة في كشف الجريمة والخيوط المتشابكة، لكن ما يجري فعلياً هو التستر خلف هذه التحقيقات الجنائية والانطلاق لضرب الحريات السياسية وتضيق الخناق على القوى السياسية، ففي تصريح صحفي للحزب الشيوعي السوداني قال فيه إنّ مجموعة ترتدي ملابس مدنية قامت باعتقال مجموعة شباب وقادتهم إلى أحد المراكز أمنية غير رسمي، وجاء في التصريح أنه جرى « تعذيبهم نفسياً وممارسة ضغط عليهم للإعتراف باستلامهم مبالغ مالية من الحزب الشيوعي وفرض على بعضهم التقاط صور مع أسلحة ومتفجرات وهي نفس سياسات جهاز الأمن في النظام البائد».

عقبات حقيقية

ليس جديداً أن تستغل الأنظمة «أو حتى تفتعل» أحداثاً ذات طبيعة عنيفة وإرهابية بهدف تضيق الخناق على القوى والحريات السياسية، وعادة ما يجري استغلال هذه الأحداث لتصفية حسابات مع القوى التي تلعب دوراً معيقاً، وكما هو متوقع اتجه «الحكم الانتقالي السوداني» للإعلان عن تكوين جهاز أمن جديد مؤكِّداً بذلك أنه لا يرى إلا بعداً أمنياً لمحاولة الاغتيال هذه، وفي تصريحات رسمية أكَّد أعضاء المجلس الانتقالي أنَّ الهدف هو «ردع الإرهاب» بفاعلية أكبر على أن تصبح مهمة قوى الأمن السودانية قائمة على «الرصد الدقيق والمتابعة الفعالة لكل الأفراد المنتمين للمنظمات الإرهابية والمحظورة، أو ذات الأهداف المعادية للثورة». وقد تتحول هذه العبارات إلى شمَّاعةٍ لقمع الحريات والضغط على الحركة الشعبية أكثر عبر إبعادها عن الشارع بحجة أن مطالبها قد نفذت، لكن «إستراتيجيات» الأنظمة هذه تتميز بقصر النظر وبأنها تغفل دائماً الأسباب الموضوعية التي تدفع الجماهير إلى الشارع، فعدم حل أسباب الاحتقان قد يدفع بلداً ذي بنية هشة كالسودان إلى التفتُّت، وفي الوقت الذي برهن التاريخ أن قوى الفساد لا ترى في وحدة البلاد شرطاً ضرورياً لبقائها، برهن أيضاً أنَّ الشعوب إذا ما أدركت الظروف المحيطة بها جيداً تكون قادرة على تشكيل عقبة حقيقية في وجه التفتيت، قادرة، لا فقط على إعاقة المشاريع الهدّامة، بل على توجيه هذه الطاقة في الاتجاه المعاكس تماماً الذي يستطيع إعادة توحيد القوى الوطنية وضرب مكامن الخلل الحقيقي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
957
آخر تعديل على الإثنين, 16 آذار/مارس 2020 11:47