ليبيا... انطلاق الحل يعني الكثير!
تتبلور ملامح الحل الليبي بسرعة، فتشهد الأروقة الدبلوماسية حركة نشطة في الملف الليبي تمهيداً لمؤتمر تستضيفه العاصمة الألمانية برلين، وينعقد المؤتمر في يوم الأحد 19 كانون الثاني وتشارك به عدة دول ومنظمات دولية وإقليمية، وعلى الرغم من أن الدعوات التي أرسلتها ألمانيا لم تشمل كل الأطراف المعنية إلا أنّ حظوظ نجاح هذا المؤتمر تبدو جيدة.
قبل الحديث عن مؤتمر برلين والتحضريات له يجب الوقوف عند المشاورات التي كانت تستضيفها العاصمة الروسية في الاثنين 13 كانون الثاني
ماذا عن مؤتمر موسكو؟
انتهت في الأسبوع الماضي المفاوضات التي استضافتها موسكو، والتي ضمت تركيا كضامن بالإضافة إلى أطراف النزاع في ليبيا، والتي شكّلت محاولةً جدّية من روسيا لتوفير الظرف الملائم لطرفي النزاع في ليبيا بهدف الوصول إلى هدنة مستدامة، ويبدو أن هذه الخطوة الروسية لم تلقَ ترحيباً غربياً، فجرى الضغط على المشير خليفة حفتر لمغادرة موسكو دون التوقيع على وقف إطلاق النار، وهذا ما يجري الترويج له على أنه فشل في المساعي الروسية، لكن حفتر سيوقع على وقف إطلاق النار في نهاية المطاف ولكن في برلين، والهدف من هذا التأخير ما هو إلا محاولة ألا يرتبط حل الأزمة الليبية بمفاوضات جرت في موسكو! وهو ما يشكل حملاً ثقيلاً على صدر الغرب.
ويمكن النظر إلى المفاوضات من زاوية إضافية. فقبل النظر إلى مخرجات هذه المحادثات، ينبغي التذكير بأن تركيا كانت تدرس جدياً إرسال قواتها إلى طرابلس الغرب، لتكون عوناً لقوات فايز السراج رئيس «حكومة الوفاق»، أما اليوم تبدو تركيا بعيدةً عن خطوة كهذه، بل باتت تعلن استعدادها للعب دور الضامن للتهدئة في ليبيا، وجاء هذا بضغط روسي واضح، فالتدخل العسكري التركي سيكون عاملاً جدياً لزيادة التوتير، ولن يصب في مصلحة العلاقات الروسية- التركية، وهذا يعني حرمان تركيا من طوق الأمان الوحيد، فالمحادثات الليبية التي جرت في موسكو جاءت كخطوة تالية للتوافق الروسي- التركي والذي أُعلن عنه بعد مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتدشين «السيل التركي» بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكان البيان الختامي للقاء الذي جمع الرئيسين دليلاً على أن طاولة النقاشات الروسية- التركية تشمل جملة من القضايا لا الملف الليبي وحده، وهذا يعني أن كلا البلدين يسعيان إلى التوافق على المصالح ذات الطابع الإستراتيجي وتحييد الخلافات الكثيرة بينهم، وهذا ما سيترك ظله على الملف الليبي وعلى مؤتمر برلين المرتقب.
ملامح مؤتمر برلين
ما يجري تداوله حتى اللحظة حول مؤتمر برلين يدعو للتفاؤل، فصرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه «جرى عملياً التوافق على الوثائق الختامية لمؤتمر برلين»، وجرت صياغة هذه الوثائق خلال خمسة اجتماعات تحضيرية جرت في العاصمة الألمانية، والتي شملت عدداً من الدول، مثل روسيا وتركيا وإيطاليا وفرنسا ومصر والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية. فيبدو أن المسألة الليبية تشكل تحدياً حقيقية بالنسبة للاتحاد الأوروبي وألمانيا تحديداً، فبالإضافة إلى كون ليبيا إحدى البوابات الأساسية للهجرات غير الشرعية، إلا أنها تشكل تهديداً أمنياً لأوروبا، لذلك وعلى الرغم من التباينات في مواقف الدول المشاركة في هذا المؤتمر إذ إنها باتت ترى أن حلّ هذه الأزمة سيصب في مصلحة الجميع.
يجري الحديث عن 6 سلات «أو بنود» يمكن حصرها في ثلاث خطوط رئيسة:
الجانب السياسي
تطرح مسودة البيان الختامي «إنشاء مجلس رئاسي فاعل وتشكيل حكومة ليبية واحدة موحدة وشاملة وفعالة، يصادق عليها مجلس النواب» وهذا ما يعني فعلياً إنهاء حالة الإنقسام السياسي القائمة وإيجاد صيغة مناسبة للأطراف المتنازعة يمكن التوافق عليها.
الجانب العسكري والأمني
يجري الحديث عن وقف إطلاق النار بالإضافة إلى التشديد على عدم توريد السلاح إلى الأطراف المتنازعة على أن يتحول وقف إطلاق النار إلى «وقف شامل لجميع الأعمال العدائية، بما في ذلك العمليات التي تنطوي على استخدام الطائرات فوق أراضي ليبيا»، بالإضافة إلى وقف كل أشكال نقل القوات التي تهدف لتقديم دعمٍ لأحد أطراف الصراع، ويجري ذلك تحت رقابة وإشراف الأمم المتحدة. ويدعو البيان أيضاً إلى حصر استخدام القوة بجهاز الدولة، ويدعم البيان إنشاء قوات مسلحة موحدة، بالإضافة إلى قوات الأمن والشرطة.
الجانب الاقتصادي والاجتماعي
يطرح البيان وضع آلية لعملية إعادة إعمار ليبيا التي ستقودها الحكومة الموحدة، بالإضافة إلى إصلاح شامل يضمن التنمية الاقتصادية وإصلاح القضاء ووضع حد للإعتقالات التعسفية وإطلاق سراح الموقوفين بصورة غير قانونية.
ماذا يعني انطلاق الحل؟
في تصريحات صحفية أدلى بها غسان سلامة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، قال إن مؤتمر برلين يجري التحضير له منذ آب الماضي، وأن مهمة هذا المؤتمر هي توفير «المظلة الدولية الواقية لما سيتفق عليه الليبيون في مسارات ثلاثة، اقتصادية وسياسية وعسكرية»، وقال سلامة إن هذه المشاورات بدأت بينه وبين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منذ ذلك الوقت، وهذا قد يفسر توقيت التوتر الذي شهده المتوسط وليبيا تحديداً، فيبدو أن أطرافاً كانت على علمٍ بملامح هذه الاتفاق، لذلك حاولت جرّ تركيا إلى التدخل عسكرياً في ليبيا، والذي يمكن أن يساهم جدياً بعرقلة حل الأزمة الليبية، بل يمكن أن يفجر الوضع في تركيا نفسها ويأخذ المنطقة كلها إلى درجة عالية جداً من التعقيد. وفي حديث رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا يقول صراحة إن الولايات المتحدة لم تكن تبدي حماساً اتجاه مسار برلين، حتى إنها تأخرت لترفع تمثيلها في المؤتمر والذي لا يزال على مستوى وزير الخارجية، وهو أقل من تمثيل الدول المشاركة الأخرى.
دخول روسيا على الملف في شرق المتوسط والخطوات السريعة التي جرت كانت تعني بمثابة ناقوسٍ للخطر بالنسبة للغرب، مما سرّع في انعقاد مؤتمر برلين وجعله على هذا الشكل، وهنا ينبغي التذكير أن موسكو لا تطرح رأي روسيا فقط، بل إنها تطرح رأي «ثلاثي أستانا» حول حلّ الأزمة الليبية، ومن ذلك لا يهم أين يعقد هذا المؤتمر الآن، بل المهم أن مخرجات هذا المؤتمر تعني أن «أستانا» لم تعد صيغة للتنسيق حول الملف السوري فقط، بل باتت تلعب دوراً أكبر من ذلك على المستوى الإقليمي، وهذا الدور الذي تلعبه أستانا اليوم يدل بشكل واضع على تحولات في ميزان القوى العالمي تسمح بحل القضايا العالقة بسرعة أكبر، وهو ما يعتبر تهديداً للقوى المتشددة في سورية، التي لم تدرك بعد أن «أستانا» قادرة على صياغة نماذج توافق الواقع وتتميز بقابليتها للتطبيق، وأن اطلاق الحل في ليبيا سيكون له عظيم الأثر على الملف السوري.
لا شك أن طريق حل الأزمة الليبية لا يزل طريقاً طويلاً، ولا يمكن الجزم بأنه لن يشهد انتكاسات، ولكن المهم هو تثبيت الخطوات الملموسة للحل وإيجاد المناخ المناسب لإطلاق العملية السياسية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 949