الجزائر وملامح المرحلة الجديدة
عتاب منصور عتاب منصور

الجزائر وملامح المرحلة الجديدة

تشهد الأوساط السياسية والشعبية بعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيساً للجزائر، حالة من الترقُّب حول طبيعة وشكل المرحلة القادمة، وتشهد الجزائر حركة احتجاجية شعبية واسعة منذ أكثر من 44 أسبوعاً، وبعد فترة انتقالية استمرت تسعة أشهر، انتهت بإجراء هذه الانتخابات، لا يمكننا القول إن للشارع أو القوى السياسية موقفاً واضحاً من طبيعة هذه الخطوة، ولا تزل درجة تباين المواقف شديدةً حولها.

أعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في 13 كانون الأول الجاري، فوز رئيس الوزراء الجزائري الأسبق عبد المجيد تبون في الانتخابات الرئاسية، بعد أن حصل على 58،15% من مجمل أصوات الناخبين الذين شكَّلوا نسبة 41% (يصل عدد من يحق لهم التصويت إلى 24 مليون ناخباً)، فمن هو الرئيس الجزائري الجديد، وما هي ملامح خطته للمرحلة القادمة؟

من هو تبون؟

شغل الرئيس المنتخب مجموعة من المناصب السياسية في الجزائر واستلم عدة حقائب وزارية فيما سبق، منها وزارة السكن والعمران والاتصال، وجرى تعيين تبون كرئيس للوزارة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 2017، إلى أنّ فترة توليه لرئاسة المجلس لم تستمرَّ لأكثر من شهرين لتكون بذلك أقصر حكومة في تاريخ الجزائر، وتشير بعض المصادر إلى أن السبب وراء الإقالة السريعة يرد إلى إجراءات قام بها تبون أضرّت برجال أعمال مقربين من بوتفليقة، وهذا ما دفع الأخير للتحرك وإقالة رئيس الوزراء حديث العهد. ويرى فيه البعض إصلاحياً قادراً على إنجاز المطلوب وحل المشاكل الماثلة أمام الجزائر، ويرى البعض الآخر أنه جزء من النظام السياسي القديم ذاته...

الخطاب الأول وملامح التغيير

عبَّر الرئيس الثامن للجزائر بعد الاستقلال عن جملة من القضايا التي يضع من خلالها برنامجاً للتغيير والانتقال إلى جمهورية جديدة حسب تعبيره، وجاء على رأس هذه القضايا، إصلاح دستوري يُطرح على الاستفتاء العام، يكون معبراً عن مطالب الحركة الاحتجاجية، على أن يجري العمل على هذه الخطوة خلال أشهر قليلة «إن لم يكن أسابيع»، بالإضافة إلى إعلانه عن تجديد العهدة الرئاسية لمرة واحدة فقط، منعاً لسقوط البلاد تحت الحكم الفردي، وأشار إلى ضرورة تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وضمان فصل وتوازن السلطات الثلاث، وأكَّد على أن الدستور يجب أن يضمن حرية التعبيير وحق التظاهر.
تطرق تبون في خطابه إلى الكثير من الجوانب الاقتصادية، التي يمكن تحديد ملامحها العامة في عنواين رئيسة، مثل زيادة القدرة الشرائية للجزائريين، وإصلاح النظام الضريبي، ليخفِّف الضرائب عن أصحاب الدخل المحدود ويعطي تسهيلات ضريبية لشركات الإنتاج العامة والخاصة التي تخلق فرص عمل، وتعهد في حل مشكلة السكن، وأنه لن يسمح أن يعيش جزائريٌ واحد في ظروف سكنٍ سيئة. وأكَّد الرئيس في خطابه الأول على أنَّ الاقتصاد الجزائري يجب أن يعتمد على الإنتاج مما يُمكّن الجزائر من التخلص مما وصفها بالـ «التبعية القاتلة إلى الخارج» واعتبر أنَّ تقليص الاستيراد يتطلب زيادة في الإنتاج المحلي، واستثماراً أمثل للمحروقات مما سيزيد من احتياطي العملات الصعبة. وأكد تبون أنّ من حق الشعب الجزائري الحصول على رعاية صحية مما يتطلب زيادة في الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة وضمان التشخيص المجاني، بالإضافة إلى إصلاحات كبيرة في قطاع التعليم والتعليم العالي يضمن استقلالية أكبر للجامعات. وأشار أيضاً إلى ضرورة وضع ضوابط شديدة على المال السياسي في الانتخابات وتمويل الحملات الانتخابية، التي يجب أن تُموَّل من الدولة مما يضمن للشباب والطلاب الجامعيين الدخول في هذه الانتخابات باستقلالية أكبر.
فيما يخص القضايا الدولية والإقليمية تحدث في ملفات كثيرة، منها قضية الصحراء الغربية التي تعدّ موضوعاً لخلاف مغربي جزائري قديم، واعتبر أن القضية في جوهرها تصفية للاستعمار، وأن الملف بيد الأمم المتحدة، وبما يخص ليبيا اعتبر أنه من غير الممكن تجاهل الجزائر واستبعادها من الحلول المطروحة لحلِّ الأزمة الليبية. وحول القضية الفلسطينية جدد التأكيد على مجموعة من المواقف الثابتة، وهي ضمان حقّ العودة واستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس، والالتزام بكل القرارت الدولية المرتبطة بالقضية وضرورة العمل على تنفيذها.

في الختام

أشار عبد المجيد تبون وضوحٍ إلى ضرورة التمسُّك «ببيان نوفمبر» لجبهة التحرير الوطني الجزائرية، وهو ما يدفع البعض إلى اعتباره جزءاً من الفضاء السياسي القديم، ولكن تقاس الأمور بنتائجها دائماً، ولا يمكن تشكيل موقف من الرئيس الجديد بهذه السرعة، فالخطاب يدل على دراية بطبيعة المشاكل التي يجب حلها، ولكن هذا وحده لا يكفي، واستمرار نشاط الحركة الشعبية في الجزائر يُعد ضمانة للوصول إلى المطالب، المهم أن تمضي عملية التغيير بشكل سلسٍ بأقل الخسائر الممكنة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
945
آخر تعديل على الإثنين, 23 كانون1/ديسمبر 2019 13:48