في ذكرى اغتيال كينيدي لماذا تحجب الـ CIA وثائقها؟
يصادف 22 من تشرين الثاني الذكرى السنوية لاغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، وفيما يلي تقدم «قاسيون» أجزاءً من مقال نشره الكاتب والصحفي جيفرسون مورلي في مجلة «كاونتر بانش» الأمريكية، يناقش في مقاله هذا، الغموض الذي يلف اغتيال الرئيس الأمريكي، والإشارات على تورط الاستخبارات المركزية الأمريكية بهذا الاغتيال.
كان يُوجه إليَّ سؤالٌ فجٌّ، «من اغتال جون كينيدي؟» وكنت أُجيب باستهجان: «لا أعلم!.. من المبكر إيجاد الجواب عن هذا السؤال!» وكنت أجيب بهذه النكتة السخيفة نظراً إلى أنه مرَّ اليوم أكثر من نصف قرن على مقتل كينيدي، ويبدو أنه من المبكر معرفه من اغتال الرئيس الأمريكي!.
«لجنة وارن» والمصداقية!
من غير المجدي اليوم القفز إلى نتائج حول من الذي اغتال كينيدي وسط مدينة دالاس في 22 تشرين الثاني 1963، وخصوصاً أنَّ العديد من المؤرخين والباحثين في ملابسات القضية، لا يستطيعون الوصول- حتى يومنا هذا – إلى كل ملفات والوثائق المتعلقة باغتيال كينيدي، والتي تملكها وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA» وتمنع نشرها، ويظل التقرير الصادر عن «لجنة وارن»- وهي اللجنة الرسمية التي كلفت بإجراء التحقيق- هو الوثيقة الرسمية المعترف بها، وأكَّد هذا التقرير في استنتاجه الأخير براءة الـ CIA فعلياً، وأن كينيدي قتل من قبل رجل واحد، لي هارفي أوزوالد، وهذا ما يعني أنه فعل فردي لا تقف جهة ما خلفه.
ولكن التحقيقات الخمسة الرسمية الأخرى، والتي حاولت التحقيق في الاغتيال وتطرقت لعلاقة الـ CIA به، جعلت من نتائج لجنة وارن مشكوكاً بها ولكنها تعتبر نتائج غير رسمية وغير معترف بها!.
فعلى سبيل المثال قامت «لجنة تشيرتش»- وهي لجنة التحقيق التي أنشأها مجلس الشيوخ للنظر في أنشطة وكالة المخابرات المركزية في الداخل والخارج– بإثبات أن لجنة وارن لم تكن على علمٍ بأيٍ من عمليات الاغتيال التي قامت بها الـ CIA في 1963، وأظهرت الوثائق المنشورة حول القضية في العشرين سنة الماضية بأن محامي اللجنة لم يعلموا أي شيء يُذكر حول ملف أوزوالد الذي سبق اغتيال الرئيس، ونحن نعرف الآن أنّ كبار الضباط ومن ضمنهم جيمس انجليتون رئيس قسم مكافحة التجسس، كانوا يراقبون الغامض أوزوالد بشكل مكثف، وهو يشق طريقه إلى دلاس ولم يطلعوا اللجنة على المعلومات التي بحوزتهم.
«براءة الـ CIA»!
إن المدافعين عن استنتاج اللجنة الذي يقول بوجود قاتل وحيد، يتجاهلون كل الوثائق التي لم تنشر بعد! فالوثائق التي تخص دور الـ CIA في الأحداث التي قادت إلى اغتيال كندي ينقصها الكثير لتكتمل. فحسب تصريحات رسمية تحتجز الوكالة 1100 وثيقة غير منشورة مرتبطة بالإغتيال، لم ينشر منها إلا جزءٌ بسيط في 2017 يخص مقدمة ملف أوزوالد الأول والذي يعود إلى 1959.
وحفظت آلاف الملفات الأخرى بشكل سري، فوفقاً لآخر الأرقام الصادرة عن الأرشيفات الوطنية، فإن ما مجموعه 15,834 وثيقة محفوظة بشكل كامل السرية تقريباً، ومعظمها ضمن أرشيفات الـ CIA والـ FBI.
أولئك الذين يفترضون بأن جميع الوثائق التي لم تنشر يجب أن تدعم براءة الوكالة، هو استنتاج غريبٌ، فإذا كان ليس لدى الوكالة ما تُخفيه، فلماذا تُخفي كل هذه الوثائق؟!. ربما تكون 95% من هذه الوثائق تافهة، ولكن الـ 5% الباقية– وهي تتضمن آلاف الصفحات – ستكون غنية بالمعنى التاريخي. وسيكون لها دور كبير حتماً في كشف الحقيقة.
اتهم رولف موات- لارسن، وهو ضابط كبير في الـ CIA، وخدم في مناصب عليا. وهو اليوم أحد الأعضاء المهمين في مركز بلفر في جامعة هارفارد، اتهم مديره السابق في ضلوعه بالكمين الذي نصب في دالاس. وافترض موات- لارسن في محاضرة له في هارفرد في كانون الأول الماضي، أن مؤامرة لاغتيال جون كيندي حيكت من داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية في ميامي، والتي ضمت في ذلك الوقت بين صفوفها مجموعة من المعارضين الكوبيين المنفيين الساخطين، وضباطاً سرِّيين وكان يجمعهم حقدهم على كيندي لفشله في إسقاط حكومة كاسترو في كوبا. ويعتبر موات- لارسن أن مكتب وكالة الاستخبارات الأمريكية في ميامي هو المكان الصحيح لإيجاد الأجوبة عن الأسئلة المعلَّقة حول عملية الاغتيال.
أمّا أنا فأطرح سؤالاً يخص المدعو جورج جوانيدس، وهو ضابط متخفٍّ حاصل على وسام، وخدم في 1963 كرئيس قسم في مكتب ميامي. وهو من قاد عمليات حرب نفسية ضد كوبا. وفي محاولتي للحصول على الوثائق التي تخص جوانيدس قمت برفع دعوى قضائية ضد وكالة الاستخبارات الأمريكية، وانتهت الدعوى بعد 15 سنة في العام 2018، عندما قام القاضي برفض قضيتي. وبالرغم من فشل القضية إلّا أنها بيّنت الحساسية غير العادية للعمليات التي قام بها جوانيدس والوثائق التي تخصه، ومن الجدير بالذكر، أن كل الملفات المتعلقة بعمل جوانيدس السرِّي في ميامي 1963 تعتبر سرية، ولا يمكن نشرها في العام 2019، لما تشكله من «خطرٍ على الأمن الوطني»
حصل جوانيدس – وباعتراف رسمي من الوكالة- على وسام من قبل الـ CIA في عام 1981، وجاء هذا الوسام بعد عامين من عرقلته لعمل لجنة مجلس النواب التي تحقق في الاغتيال، والتي كانت تحاول الحصول على معلومات حول ما يعرفه جوانيدس عن اتصالات أوزوالد مع الكوبيين المؤيدين والمعارضين لكاسترو في صيف وخريف عام 1963.
باعتقادي، أنه نال هذا التكريم لأنه أخفى وجود عمليات موجهة ضد كوبا وبتغطية من السلطات، وبأن أوزوالد كان أحد العملاء ضمن هذه العمليات، وهذا ما لم يتم الاعتراف به رسمياً أبداً، فبالنسبة لهم فإن جوانيدس يقوم بحماية «المصادر وطرائق العمل المتبعة» من قبل الوكالة، وربما يكون قد فعل أكثر من ذلك، مثل تستره على مجموعة من الضباط الآخرين، والذين علموا بوجود مخطط لاغتيال الرئيس وحاولوا اتهام كوبا بذلك.
بعد كل ما سبق، وعندما يسألني أحدٌ ما، من قتل جون كيندي؟ أقول إنه ربما كان كينيدي ضحية مؤامرة من قبل أعداء له داخل حكومته، ربما كان بينهم ضباط وكالة المخابرات المركزية المتورطون في عمليات استخباراتية ضد كاسترو، لا أملك دليلاً على ما أقوله، ولكنني أنظر فقط إلى الحقائق المريبة التي تلف الموضوع والتي لا يزال معظمها سريّاً رسمياً.
هل الاغتيال حدثٌ تاريخي؟
المعلومات التي عرضها جيفرسون مورلي في مقاله لا تعد جديدة كلياً، وهي مع ذلك معلومات قيّمة فعلاً، فعلى الرغم من أن القانون الأمريكي ينص على حرية الحصول على المعلومات، إلا أن مصلحة وكالة الاستخبارات الأمريكية كانت دائماً فوق القانون.
لكن المهم اليوم في الموضوع، هو الذهاب بعيداً عن الجانب الجنائي-القانوني لهذه القضية، ومحاولة إيجاد الدافع السياسي، لا للاغتيال وحده، بل أيضاً الدافع لدى بعض القوى لإخفاء نشاط الـ CIA في داخل الولايات المتحدة نفسها، فهنا جوهر القضية، إذا كان الاغتيال يُعتبر اليوم حدثاً تارخياً بالنسبة للبعض، إلّا أنه لا يجب إغفال أن احتمال تورط الـ CIA في هذا الحدث «التاريخي» - وهو المرجح بنظرنا– يعني فعلياً أن هذه الوكالة أحياناً تكون أكثر نشاطاً في الداخل بهدف فرض توجه محدد في السياسة الأمريكية، وهذا النشاط وبكل تأكيد لم ينتهِ بعد اغتيال كينيدي، وهو يفعل فعله إلى اليوم، فنشاط الوكالة لا يعدُّ جزءاً من تاريخ الولايات المتحدة وحسب، وإنما هو جزءٌ من حاضرها أيضاً، وما جرى لكينيدي يمكن أن يجري لأي رئيس لاحق إذا اقتضى الأمر!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 941