أزمة الكيان الصهيوني والاتجاه الوحيد
بعد فشل رئيس وزراء «الكيان» ورئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، مرتين على التوالي في تشكيل الحكومة، ووصل منافسه بيني غانتس زعيم حزب «أزرق أبيض» إلى النتيجة ذاتها، ليعلن مؤخراً عجزه عن تشكيل الحكومة أيضاً.
وعلى إثر الفشل في تشكيل الحكومة مرتين على التوالي قد يحدث لأول مرة في تاريخ «الكيان» أن تُعاد انتخابات الكنيست نفسه مرة ثالثة في سنة واحدة، حيث لم يسبق أن شهد «الكيان» أزمة سياسية كهذه الجارية الآن، فلم ذلك؟ وما علاقة التصعيد الصهيوني الأخير في غزة وسورية بهذا الأمر؟
بداية المشكلة
جرت انتخابات الكنيست الأخيرة في 17 أيلول، وكانت نتائجها فشل أيّ تحالفٍ، سواء «الليكود» مع كتلته من اليمين، أو «أزرق أبيض» مع كتلته من «الوسط-يسار»- وهُم الكتل الأكبر في البرلمان- في الحصول على غالبية المقاعد والتي يجب أن تكون 61 من أصل 120 بالحدّ الأدنى، وعلى إثر هذا الأمر جرى التعويل على إمكانية التوصل إلى توافق بين الكتل لتشكيل حكومة جديدة، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن بسبب الخلافات والتناقضات العميقة بين الأحزاب الثلاثة الأساسية «الليكود» و «أزرق أبيض» و«إسرائيل بيتنا».
فبالنسبة لـ «الليكود» يسعى نتنياهو إلى استمراره في رئاسة الحكومة، بينما بيني غانتس زعيم «أزرق أبيض» يجري تصعيده للغاية ذاتها، أمّا أفيدور ليبرمان لا يسعى إلى التحالف مع كتلة اليمين، وفي نفس الوقت يناور لرفع وزنه وحصوله على وزن سياسيّ وحكوميّ أعلى في حال تحالفه مع غانتس.
تصعيد نتنياهو
على إثر الخلافات حول مواقع كُل كتلة من الحكومة، وحول رئاستها، تصاعد مستوى الأزمة السياسية بين مختلف الأطراف، وبات كُل حزب يسعى إلى رفع عدد أصوات ناخبيه وداعميه بشتّى الوسائل والطرق المتاحة. بالنسبة لنتنياهو، رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال كما تُسمى الآن، قد عمل على تصعيد داخلي عبر محاربته كتلة «القائمة العربية المشتركة» داخل الكنيست لأنها قد تشكل فارقاً في حال تقاربت أو تحالفت مع «أزرق أبيض»، عبر اتهامها بالإرهاب وادّعائه دعمها لـ«حركة الجهاد الإسلامي، أما على الصعيد الخارجي فقد حاول نتنياهو الاستفادة إعلامياً وسياسياً من التصعيد الأخير ضد حركة الجهاد الإسلامي بعد اغتيال قائد جناحها العسكري، بهاء أبو العطا في غزة قبل أسبوعين، ثم محاولة اغتيال القيادي أكرم العجوري في دمشق، فضلاً عن التصعيد العسكري على غزة وسورية، والذي وبالنسبة لنتنياهو يساهم بشكل ما في إنعاش وزنه المتراجع داخلياً.
وحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعم حليفه نتنياهو عبر إعلانه بأن المستوطنات الصهيونية في فلسطين شرعية ولا تخالف القانون الدولي، كهدية إعلامية كسابقاتها لا أكثر، إلّا أنها تجد أثراً سياسياً ما في داخل الكيان لصالح الليكود بمواجهة تُهم الفساد، لكن على الصعيد الدولي أستنكر الجميع هذا التصريح بما فيهم روسيا والاتحاد الأوروبي، مؤكدين على أن المستوطنات غير شرعية وتخالف القرارات الدولية.
تصعيد غانتس
أما بيني غانتس، زعيم «أزرق أبيض»، فقد كان معظم نشاطه يدور حول تغذية تُهم الفساد الموجهة لنتنياهو، بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، عبر الضغط الإعلامي والسياسي باتجاه تعبئة الشارع من جهة، ودفع المحكمة باتخاذ إجراءاتها في هذا الإطار من جهة ثانية، لتتصاعد وتيرة التهديد بهذه التهم وصولاً إلى إعلانها رسمياً في الأسبوع المنصرم وتوجيهها من المحكمة إلى نتنياهو. استفاد غانتس من خطوة المحكمة هذه برفع مستوى الهجوم من خلال تذكير الحكومة بأن من يتعرض إلى تُهم كهذه لا يمكن أن يستلم حقائب وزارية، علماً بأن نتنياهو كان قد كلّف نفسه بأربع وزارات هي الصحة وشؤون الشتات والعمل والضمان الاجتماعي والزراعة، لا يمكن له بعد الآن إدارتها. أما موقع رئيس الحكومة فلا يمكن إبعاد نتنياهو عنه حتى إصدار حُكم بإثبات التهم عليه.
الأزمة السياسية تتعمق
حقيقة أن نتنياهو يستطيع البقاء بموقعه رغم التُهم الموكلة إليه، قد جعلته أكثر تشدداً اتجاه هذا الأمر دفاعاً عن نفسه، في محاولة لكسب المزيد من الوقت لعله يصنع شيئاً يغيّر الموازين الجارية الآن، إلّا أنّ هذا الأمر بتراكمه، منذ فشل نتنياهو الأول بتشكيل الحكومة، وصولاً إلى تُهم الفساد تلك، تُشكل تهديداً على وزن حزب «الليكود» برمّته، مما دفع بالأزمة السياسية نحو بُعد آخر لتبدأ بإيجاد وقعٍ لها داخل الأحزاب المتصارعة نفسها، حيث صعدت أصوات داخل «الليكود» تُنادي بإبعاد نتنياهو عن قيادته وتسلّم آخر له.
انتخابات ثالثة وخضّة اجتماعية
بسبب فشل تشكيل الحكومة للمرة الثانية على التوالي، تم التصريح لـ«الكنيست» لأول مرة في تاريخ الكيان، بإمكانية توكيل أي مُرشح منه للعمل على تشكيل الحكومة، خلال مدة أقصاها 21 يوماً شرط حصول المُرشح على 61 صوتاً على الأقل، أو يجري انتخابات «كنيست» جديدة. وبسبب هذا الأمر بدأت تخرج مظاهرات داخل الكيان بين مؤيدة لـ الليكود وأُخرى معارضة وتُنادي بإبعاد نتنياهو عن السلطة، مما يفتح الباب لتطور الأمر أكثر من ذلك وصولاً إلى مواجهات بين جمهور مختلف الأطراف في الشارع بحال استمرت أزمة الحكم الجارية.
أزمة باتجاه واحد
إن تصاعد حدة التناقضات الجارية يتعلق أولاً بتراجع قائد الكيان الأمريكي نفسه، ويمكن أن ينظر إلى أزمة الحكم هذه داخل الكيان على أنها صدىً للتراجع الأمريكي، هذا بالإضافة إلى أنَّ حجم المشاكل المطروحة على طاولة الحل يزداد تعقيداً وتشعباً.
كل هذا يدفع بالتناقضات الداخلية العامة للكيان إلى السطح والتي تشكل الأطراف السياسية أقطاباً لهاً، وتعجز الأطراف السياسية هذه عن إيجاد حل أو توافق يكون مقبولاً على المستوى السياسي والشعبي داخل الكيان، وهذا ما ينبئ بتعاظم الأزمة السياسية في الداخل، التي إما أن تذهب لصدامات شعبية داخلية أو أن تجد النخب طرفاً «جديداً» من خارج المنظومة التقليدية.
في ضوء هذا الوضع الداخلي المعقد والمناخ الإقليمي والدولي الجديد، سيشتدّ التناقض الأعمق في بُنية «الكيان الصهيوني»، الناتج عن كونه أداةً تُستخدم عند الحاجة، وبوصفه استعماراً، وهذا ما سيدفع الأمور من خلال تفاعلاتها على الأرض نحو حلّ واحد ووحيد: القضاء على «الصهيونية».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 941